الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادة ومن أوجدها؟ ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 12 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


• {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }الأعراف54، هنا تثار الإشكالية الكبرى في حالة تسليمنا بأن الخلق الأول للمادة هو غير تحريكها من قوة خارجة عنها، فالله وبموجب النص قد خلق ما ذكر في ستة أيام وحتى يكون لدينا يوم يجب أن يكون هناك محدد توقيتي يبدأ مثلا من شروق الشمي إلى الشروق التالي ولا بد من وجود خلق أو مادة تتحرك كشروق وغروب، فالزمن مرتبط بالمكان وحركة المادة، وحيث أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام أي كان هناك زمن وهناك مكان وهناك حركة وكلها مرتبطة بوجود مادة تتحرك، هذا يعزز فكرة أن الخلق تم بناء على وجود مادة ولو بصورتها الأولية الذرات والتي كانتت تتحرك في مجالها الطبيعي فتدخلت القوة الخالقة لتجعل منها شيئا قابلا لأن يوصف بمعيار يستند له في تحديد المكان ومن ثم الزمن.
• {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }يونس4، إذن هنا عملية الخلق كانت بداية مبرمجة ولابد لهذه البداية من وجود سابق حتى يبدأ منه فلا يمكن أن نبدأ من عدم لأن العدم لا يمكن تصور وجود حد له، ولو كان له حد لكان قابلا للعد ومن يقبل العد يخرج من مفهوم العدمية إلى مفهوم الوجودية، فلا بد من وجود له حدود حتى يبدأ من أخر نقطة خارج التدخل إلى أول نقطة في عملية التدخل وكلاهما يلتقيان في ذات المكان والزمن، وهذا يعني وجود سابق لمبدأ البداية حتى يتمكن البادئ أن يحدد النقطة التي سوف يعود لها كما في النص.
• {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً }الكهف51، نفي شهادة الخلق لا ينفي أيضا أن هذه العملية تمت من دون مقدمات، فعدم الإشهاد ليس متأتيا من عدم القدرة على ذلك ولكن ذات العملية سبقت الشيئية التي جعلت المشاهد موجود، أذن من النص كانت هناك عملية تخليق من لا شيئية إلى شيئية وكلاهما مادة في الأولى بلا مواصفات شكلية ولا تشكلية والثانية أستوجبت عملية الخلق أن تتوفر بكامل حدودها، وهذا يعني أن وجود المادة كان قبل وجود التدخل.
• {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ }ص75، وهذا النص نختم به كل الأدلة على أن الخالق خلق من مادة أولية هي كل الخلق منها والدليل أنه أستخدم يده أعتباريا أم مجازيا أم حقيقا لتحريك هذه المادة وتحويلها إلى خلق أخر.
من هنا نفهم من هذه النصوص التي أخذت كعينة من مفهوم الخلق والتخليق جملة من الحقائق التي تتوافق مع روح وجوهر ما فيها من عمق قصدي ودلالي وكالأتي:
1. أن الله تعالى عندما أراد الخلق لم يجعل ذلك من مصدر غير محدد بل وضع صورة مضمرة تفيد أنه مارس الخلق من خلال التدخل في إيجاد الشيئية للمادة فقط، دون أن يدع ولو تلميحا أنه أوجد الخلق من العدم.
2. الخلق عملية حدوثية جرت في زمن ما ومكان ما وهذا يدل على أن وجود المادة الأولى (الذرة) لم يكن غائبا عن كل العملية، كما لم يدع أي نص منسوب له أنه خلق المادة بمعنى الإيجاد لها من لا وجود مسبق.
3. أرتباط الزمان والمكان بقضية الخلق هو أرتباط العملية بحركة المادة بشكليها العام اللا شيئي والخاص الشيئي، وهذا يدل على أن هناك ترابط موضوعي بينه وبين المادة الأولى وقد يكون هذا الترابط مصدره وحدة في النشأة أو وحدة في الإيجاد الأول.
4. قضية الخلق أيضا مرتبطة بأسباب وعلات ومنهج ووسيلة ولا تخلو أبدا من مفهوم حركي أما للمادة المخلقة أو المادة المخلوقة أو كليهما معا أو كليهما مع الخالق، هنا يكون الخالق عنصر خارجي لكنه محايث لذات المادة وقادر على تحريك وتبديل وتغيير في موقع وسر توازنها الذي سنتكلم عنه لاحقا.
5. في كل النصوص التي أوردت قضية الخلق تحدث عن المن التبعيضية خلقكم من ماء مهين، خلقكم من تراب، خلقه من نار السموم، هذا على المستوي المعروف والواعي أما في قضية خلق السموات والأرض ويعني في عمقه القصدي الجزء الملامس لأحساسات الإنسان وقدرته على الإدراك فأقرنه مع التوقيت دون التبعيض، بمعنى أن عامل الزمن كان مؤشرا مهما على وجود وأستمرارية الخلق وفق المقدار الذي وجب أن تمر فيه العملية، هذا بعتمد على فكرة أيضا وردت في النصوص وهي فكرة التناسب والمناسبة، خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، بمعنى أن العملية كانت من الضخامة والتعقيد أكثر بكثير من قضية خلق الإنسان أو خلق الجان، هذا لا ينفي أن عملية الخلق التي أستغرقت زمنا وإن كنت أحتسبه أعتباريا فقط لتوصي مفهوم الضخامة لوعي الإنسان، لكن هذا لا ينفي أن تكون العملية التحويلية التحريكية كانت معقدة في أساسها من خلال حركة المادة بالفعل الخارجي المنسوب للخالق، وهذا ما لا ينفيه نص ولا يعارضه نسق معنى الخلق في النص الدينب ذاته، فالمادة العظيمة التي كانت لا شيء محدد تحتاج إلى تدخل واسع وعظيم ومعقد ومتشبع حتى تصبح السموات والأرض شيء محدد وموصوف وظاهر.
هنا يقودنا السؤال الأهم والذي لا يمكن حسم أجابته الآن وهو، هل أن الله الخالق ليس هو الذي أوجد المادة الأولى من مكان ما أو بطريقة ما قبل أن تكون مادة قابلة للتخليق؟ بمعنى هل أن الله والمادة وجدا معا دون أن يسبق وجود الله وجود المادة بأعتبار أن عملية الخلق والتخليق لا بد أن تجري لاحقا لوجود الذرة؟ قد يستنكر البعض هذه النتيجة السؤال ولكن قبل أن يستنكر عليه أن يجيب عن السؤال بما هو غير مسترسل في العقل من أن الله هو خالق كل شيء، أنا لا أنكر أنه هو خالق كل شيء ولكن السؤال الأهم هو من خالق اللا شيء قبل ذلك ونحن نؤمن بما ورد عن الله أن خلق الأشياء كلها من لا شيء، بمعنى أن وجود اللا شيء كعالم وجودي لا نعرف عنه أكثر من وجوده كان قبل الخلق، ولكن ما من دليل لا عقلي ولا نقلي يثبت من أوجد اللا شيء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا