الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (96) بشير الوندي الخداع والتضليل...

بشير الوندي

2017 / 12 / 9
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (96)

بشير الوندي

الخداع والتضليل
-----------
مدخل
-----------
الخداع هو الترويج للاعتقاد بشيء غير حقيقي، أو بحقيقة منقوصة او بالكذب باختلاق المعلومات والمراوغة بالتصريح بقول غامض , والكتمان بحذف معلومات مهمة أو ذات صلة بالسياق , والمبالغة او التهوين من حجم حقيقة ما , او بأظهار نوايا غير حقيقية او اخفاء نوايا حقيقية.
وبرغم انه صفة اجتماعية مذمومة وصفة قانونية مجرّمة في القانون المدني والعقود والملاحقة الجنائية ، الا انها صفة عسكرية واستخبارية ممتازة ويتمتع القائمون عليها بسمعة طيبة على مر التاريخ , والرسول محمد (ص) قال : الحرب خدعة .
فأساس عمل الاجهزة الاستخباري ان تظهر خلاف ماتبطن , ومنتهى نجاحاتها يكون حين تقنع المقابل – سواء كان عدواً او صديقاً – بخدعتها .
--------------------------------
التدريب على الخداع
--------------------------------
ان الخداع والتضليل صناعة تحتاج عقول ذكية قادرة على الإيقاع بالعدو , وغالبا ما تمتلك الاستخبارات - غرفه فكر – مختصة بتلك الصناعة , فكما أن التدريب يقلل من دماء المعركة , فإن الخدع والتضليل يحميان الجيوش من العدو وتسرِّع النصر .
ان الخداع والتضليل ثقافة تعمم في كافة أذرع وأجنحة الجهاز الاستخباري , حتى يتم التغطية على النوايا والأهداف والأساليب والخطط , فهو مبدأ اساسي لعنصر الاستخبارات ويتم التركيز عليه في التدريب لاعتماده في الخطط والبرامج والاهداف والاساليب والتجنيد والتجهيز والمعلومات والحرب النفسية وفي المعارك والخطط الامنية والواجهات الاستخبارية التي تشمل حتى مقرات الاستخبارات الرئيسية , وباختصار فأنّ احد معايير قوة اجهزة الاستخبارات يتمثل بمدى قدرتها على خداع الجميع , لا العدو فقط , بل يشمل الاصدقاء والحلفاء والداعمين و المساندين .
وهنالك دورات متعددة لتطوير قابلية سرعة البديهة ودراسة جميع الاحتمالات ورد الفعل وانتحال الصفة والشخصية واختراع القصص التي تتناسب مع المكان والزمان وحتى أسلوب الكلام والملابس والأكل والشرب وعلى اجتياز وخداع جهاز كشف الكذب والغش والاختفاء والتعقيب والمراقبة الخادعة والتمويه والتشويش والايهام, فعلى عنصر الاستخبارات ان يكون ممثلاً بارعاً يتقطن تفاصيل أدواره في كل مكان , مع الفرق بأنه ان لم يتقن دوره الخادع فسوف يموت.
فصفتي الخداع والتضليل ملازمتين لكل عمل استخباري , وكلما ابتكرت وابدعت الاستخبارات فيهما , كلما زادت قدراتها وفعاليتها , وكما أن الشجاعة هي عنصر أساس في الجيوش , فإن المكر والحيلة والخدعة والفطنة للخديعة المضادة , هي عناصر اساسية في الاستخبارات , فالصراع الاستخباري هو صراع الاذكياء الذين يعملون بشكل دقيق على ايهام العقول ودفعها إلى الخطأ في التقييم والاستنتاج .
ويتم إعداد برامج الاستخبارات على اساس ركيزة خداع العدو في كل شيء كما في كشف شبكات العدو وفي إرسال معلومات موجهة مغلوطة له وتضخيم او تصغير الأمور والتضليل الإعلامي وتغطية الفعاليات الصحيحة والمقرات والعناصر والمصادر والمتعاونين والأهداف والحرب النفسية .
-----------------------
النصر الخادع
-----------------------
يتم احيانا توريط الدول باساليب خداع معقدة يجعلها لاتدرك اعدائها من اصدقائها .
على الدولة - من خلال مجساتها الاستخبارية – ان تتحسس الأخطار الحقيقية وبناء القوة على اساس التهديدات الحقيقية لا التهديدات الخادعة , ويجب أن تكون الاجهزة الاستخبارية ذكية ومفكرة حتى لا تقع في شباك الوهم والخدعة والتضليل.
فعندما تخطط ضدك الاستخبارات العالمية وتورطك في صراع , قد تخرج منه منتصرا , لكنه نصر بطعم الهزيمة , لأنك ستنتصر انتصارا صعباً ثمنه دماء الشهداء وتدمير البلاد , وهذا الانتصار يحمل في ثناياه حتمية وجود طرف ثالث مارس عليك الخداع لتوريطك في الحرب , فهنالك من خطط وجعل ابنإء البلد يتقاتلون فيما هو يدعم ويبيع سلاحا للطرفين.
ولعل اصدق مثال على ذلك ما حل في العراق , فرغم تحرير الأرض لكن الوطن مقسم في عقول الناس إلى ثلاثة اجزاء , وبرغم الحديث عن البطولات , فان الحقيقة المرة أن الأمر كان لا يحتاج إلى بطل بل إلى ذكاء استخباري وسياسي يمنعان الكارثة.
------------------------
بلاد بلا اسرار
------------------------
مما يؤسف له , ان اجهزتنا الاستخبارية مكشوفة ووثائقها مبعثرة وتنشر في مواقع التواصل الاجتماعي , ولايوجد اهتمام بصفتي الخداع والتضليل , وتحل محلها صفات التسريب والخيلاء الفاضح والولاء الحزبي .
وهو امر ليس بجديد على تلك الاجهزة التي ورثت الفشل من الاجهزة الصدامية , فمن مؤشرات فشل اجهزة الاستخبارات الصدامية ان عناصرها كانوا مكشوفين , فعندما سقط النظام كان أهالي أية منطقة يعرفون عناصر وضباط الاستخبارات , وهي حالة مستمرة الى اليوم .
لقد كنت جالساً قبل بضع سنوات مع مجموعة اصدقاء في مطعم احد فنادق الدول العربية , وجائنا عامل الضيافة متسائلاً وسط دهشتنا الشديدة :هل أنتم مع وفد جماعة جهاز (.....) الاستخباري العراقي –الذي كان مرسلاً مجموعة من عناصره في مهمة تدريبية - , وعلمنا لاحقاً ان جميع موظفي الخدمة في هذا الفندق يعرفونهم ويعرفون صفتهم ورتبهم!!!!.
وكما يقول أحدهم "عندما تدخل مطار الدول العربية باستطاعتك أن تتعرف على رجال الاستخبارات ومخبريهم وذلك لأنهم يتبخترون في حركاتهم ويتفننون في ابراز سلاحهم" , بينما من ألف باء تدريب عنصر الاستخبارات أن يكون بعيداً عن الأنظار والشك ويكون طبيعي جدا بين الناس.
غالبا , في الدول التي تمتلك أجهزة محترفة , يمنح عنصر الاستخبارات هوية مزيفة في مجال التعليم او الشركات الأهلية او موظف خدمة او صحفي في أحسن الحالات - وهو داخل بلده وفي محل سكناه - , ويتعايش مع هذه الهوية المنتحلة ضمن المجتمع , اما في اجهزتنا الاستخبارية , فعندما يريدون أن يضللوا عمله فاقصى مايفعلونه هو بمنحه هوية ضابط آمن او شرطة !!!!.
أن على اجهزتنا ان تدرك ان تقدم الاستخبارات العالمية على باقي الدول ليس بسبب الإمكانيات اونوع التدريب او وجود عناصر خارقة , بل بسبب السرية المطلقة والقابلية على ابداع فكر استخباري وإنتاج برامج ذكية وتوزيع أدوار وتجنيد ذكي والامكانية الكبيرة على ممارسة الخدع والتضليل بشكل كبير ,بالمقابل فإن الاستخبارات المتخلفة او الضعيفة لا يمكن أن توصف بالضعف بسبب التجهيزات - ولو أنها ضرورية - بل المهم هو قدراتها على الابتكار والتحليل ومعرفه خطط وخدع وتضليل الأجهزة الأخرى.
فالميزة في النظرة الاستخبارية الإسرائيلية , هي أن كل يهودي في العالم هو صديق أولا ويمكن تجنيده والعمل معه لصالح اسرائيل , بينما النظرة الاستخباريه العربية , أن كل عربي من جنسية أخرى هو هدف معادي او مشكوك بامره , وحتى ابن البلد هو مطلوب ومشكوك به .
----------------------------------
الخداع الإستراتيجي العام
----------------------------------
يتم الخداع الاستراتيجي من خلال خطط شاملة اقتصادية وسياسية واعلامية وعسكرية , فتعمد الدولة بإخفاء إعدادها للحرب ، واجراءآت إدارة الصراع المسلح , وخداع العدو عن طبيعة استخدام القوات وكل مؤسسات الدولة العسكرية في العمليات القتالية المحتملة، والاحتفاظ بسرية ساعة الصفر , مع الاستخدام الامثل للاذرع الاعلامية من خلال تغذيـة وكـالات الأنبـاء ومصـادر جمـع المعلومـات للعـدو بما تريد ايصاله للعدو من معلومات ناقصة ومخلوطة ومتلاعب بها لغرض تأكيد عملية الخداع , ويلعب الاعلام دوراً محورياً في الخداع الاستراتيجي , فالتضليل الإعلامي هو ممارسة استخبارية هامة في الخداع .
ويجب أن تبدو الأعمال الخداعية كأعمال حقيقية قدر الإمكان لخلق صورة متكاملة وشبه واقعية ومنطقية يتقبلها العدو بالتزامن مع التعامل البارع مع جواسيس العدو , فمن جهة لابد من غض النظر عن تجسسهم على مايراد منهم نقله الى من جندوهم من معلومات واجراءآت خادعة , بالتزامن مع إتـخاذ الإجراءات الفعالة المضادة لأعمال التجسـس على الاعمال الحقيقية وعلى تقنيات الخداع المتبعة .
الخِداع العسكري:
تروي الأسطورة أن الإغريق قاموا بحصار لطروادة دام عدة سنوات، فأستعصت عليهم ، فأبتدعوا حيلة بناء حصانٍ كبيرٍ من الخشب أجوف دخل فيه جزء منٌ المحاربين الإغريق ، أما بقية الجيش فتظاهر بالإنسحاب وقام الإغريق بتقديم هذا الحصان هدية للطرواديين كعرض سلام، وتم إدخاله إلى المدينة في إحتفال كبير, وعند حلول الليل , خرج المحاربون من الحصان وفتحوا بوابات المدينة للسماح لبقية الجيش بدخولها، ومع حلول الصباح كانت المدينة قد سقطت في أيدي الأغريق.
ان الخداع العسكري , هو مجمل الإجراءات التي تتخذ لغرض إخفاء العمليات الحقيقية عن العدو ودفعه إلى التوجه نحو عمليات غير حقيقية ، وتشتيت قواه بشكل يسمح للعمليات الحقيقية أن تحقـق نتائـج فاعـلة فـي خلخـلة تـوازن قـوات العدو ما يـؤدي إلى إنهياره مادياً ومعنوياً .
فلكي تنجح وسائل الخداع في تحقيق الهدف يجب الإعداد الجيد لها من خلال مراقبة العدو ومعرفة امكاناته ومستواه الإدراكي وإسباغ الصدق على المعلومات المرسلة له بأن تكون واقعية وغير مبالغ فيها , وتكون الاجراءات الخادعة مسيطر عليها ومبتكرة ، وأن تصل الاخبار الخادعة إلى العدو عن طريق قنوات متعددة ومنطقية , لزرع يقين العدو بها , والعمل على فرض ستار السرية المموهة، حول مايراد للعدو ان يراه حقيقة .
فنجاح الخداع يكون بخداع عناصر استطلاع العدو واستغفالهم عن مناطق التمركز الحقيقية للتجمعات الضاربـة للجيـش، وتأمينـها مـن ضربات العدو الجوية والاخفاء التام لنظام القيادة والسيطرة على القوات.
وتقوم الاجهزة الاستخبارية حين تشرع بوضع خطط الخداع الاستراتيجي بحصر القنوات التي يستخدمها العدو في الحصول على معلوماته , ومنها وسائل الاعلام ووسائل الاتصال المختلفة بين القوات، والجواسيس، والعملاء والدبلوماسيين، وأقمار الاستطلاع وطائرات التصوير، وعناصر الاستطلاع المعاديـة وعناصـر الاستطـلاع الإلكترونية وغير ذلك من الوسائل .
فتقوم بإرسال ما تريد من معلومات زائفة وقرائن تعطى مؤشرات محددة للخصم تجعله يفسرها وفق مايراد له من خداع , فالاقمار الصناعية تحتاج لخداعها بهياكل دبابات وهمية مثلاً واجهزة الرصد الالكتروني تحتاج الى غض الطرف عن التجسسس عليها واستخدامها لضخ اخبار تستكمل صورة الخداع المطلوبة وهكذا .
وفي المقابل تقوم الاستخبارات بالتقيد الصارم بالسرية التامة، عند التنظيـم والتحضيـر والتخطيـط للعمليـة وحفـظ وثائـق الخـطة والخطـط التكميلية ، إعداد الوثائق المهمة من نسخة واحدة وبخط اليد، مع إعطائها درجة سرية عالية ، التقليل من عدد المشتركين في التخطيط إلى أقل عدد ممكـن ، ووضـع نظـام دقيـق للاتصالات بمختلف الوسائل، فيما يتعلق بالخطة.
يقول الجنرال وفيق السامرائي في إحدى مقالاته ,كان لدى القوة الجوية العراقية جهاز اتصال بعيد المدى , وكان مؤكداً ان الاستخبارات الايرانية تتنصت عليه , فاعتبرناه ثروة استخبارية للخداع , وخضع فورا تحت إشراف مدير الاستخبارات العسكرية , وكانت تصنع المعلومات المظللة وترسل عبره ليتلقفها العدو ابان الحرب , والامر ذاته ينطبق على الكثير من قصص الخداع , كالخداع الاستراتيجي الذي قامت به الاستخبارات المصرية لاسرائيل في حرب اكتوبر من خلال نشر اخبار سفر ضباط الجيش لاداء العمرة في الصحف مايعني ان لا نيّة آنيةٍ للهجوم , انظر الحلقات (احتواء مصادر العدو46 _ المعلومات الموجهة 67 _ الغطاء الاستخباري 81 _ المباغتة 85 _الإعلام والاستخبارا ت 88 _ صناعة الرأي العام 89 ).
الخداع السياسي:
تعتبر الوسائل السياسية هي القنوات الرئيسـة للدولـة لتنفيـذ خـطة الخـداع , و تشترك في تنفيذه كـل أجـهزة الدولـة السياسـية والدبلوماسية، داخل وخارج البلاد ويدار نشاطه عن طريق الخطب والتصريحات والمحادثات الرسمية مع السفراء والوفود الأجنبية، والرسائل المتبادلة والزيارات.
الخداع الإعلامي:
للاعلام دور محوري في الخداع الاستراتيجي , فالعدو يراقب اعلام عدوه بشغف وحذر , ولايسهل ايقاعه في الخداع مالم يتم استخدام الاعلام ببراعة , فينفذ الخداع الأعلامي عن طريق سياسة إعلامية متكاملة وبأساليب علمية دقيقة، بدس الأخبار المزَّيفة ، مع مراعاة التعامل بحذر معها وفي اسلوب طرحها .
ويجب تأمين تطابق الخداع الأعلامي مع التدابير الخداعية الأخرى , لأن العدو لا يركن إلى الخبر فقط ولكنه يسعى إلى التحقق بالمقارنة مع المعلومات الأخرى المتوفرة لديه , وإذا تطابقـت المعلومـات نجحـت خـطة الخداع .
---------------------------------
الخداع واخلاق المعركة
----------------------------------
كما أن هناك خدع مشروعة ، فإن هناك خدع غير مشروعة ويعتبـر من يستخدمها أو من يأمر بها ( مجرم حرب ) , وهي خدع مخلة بالشرف وتتنافى مع الأعراف والقوانين الدولية ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
إستعمال إشارات الصليب الأحمر والهلال الاحمر وما شابهها من مؤسسات إنسانية وإستغلال المحاربين لشــارات المؤسـسات الطبية والإنسانيـة المشابـهة بقصد ضمان عدم تعرض قوات العدو لهم , والإخـلال بالعهـود والمواثيـق كالهجوم خلال الهدنة , والغـدر بأسـرى الحرب عن طريق إعطائهم فرصة للهرب ونصب كمين لإغتيالهم أثناء الفرار وتسميم مياه الانهار والابار وتلويث الاغذية جرثومياً .
-----------
خلاصة
-----------
يعتبر عمود العمل الاستخباري على الخداع والتضليل , فكل اعمال الاجهزة الاستخبارية مموهة , ولاتبين اهدافها الحقيقية لسوى المطلعين , فاعتباراً من ابنية الجهاز الاستخباري وحتى افراد الجهاز كلهم مغلفون بسرية تتيح لهم فيها التشكل كيفما يشاؤون فيما تحرم عليهم قضية واحدة هي الانكشاف امام اي احد غير مخول .
لقد اثبتت الشواهد التاريخية ان اعظم الحروب يمكن الانتصار فيها برغم اختلال القوى من خلال الخداع الذي يسهل المباغتة وبالتالي النصر , وهو امر لم يعهده العراقيون للاسف , فكل معاركهم مكشوفة وساعة الصفر تنشر في الاعلام , وهو امر كلف قواتنا – برغم انتصاراتها الرائعة – دماء عزيزة , الا ان مبدأ استخدام ادوات التضليل والخداع يبقى هو الاسلم والاسرع نصرا والاقل خسائرا , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا