الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد سقوط النظام السوفيتى: حاضر ومستقبل روسيا (1-2)

سمير أمين

2017 / 12 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



مثلت ثورة 1917 قطيعة فى تاريخ شعوب الاتحاد السوفيتى، وهى شعوب الإمبراطورية القيصرية سابقاً. فلا يصح اعتبار أن هناك مسيرة متواصلة فى تاريخ «روسيا الكبرى» مرت بمرحلة «سوفيتية» قبل أن ترجع لأصولها «الروسية» بعد انهيار المشروع الشيوعى. فتقع الأسئلة الصحيحة التى طرحتها ثورة 1917 فى مجالات أخرى تماماً، وهى: أولاً، ما هى الأسباب التى أتاحت انطلاق الحركة نحو الاشتراكية من روسيا «المتأخرة» وليس من أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية «المتقدمة»؟ وثانياً: ماذا حققت الحقبة السوفيتية وماذا ما لم تحققه؟ أكتفى هنا بالقول إن المجتمع السوفيتى أقيم بالفعل على أساس رغبة منهجية فى «بناء الاشتراكية» على أراضيه. ولكن النظام استتب فى شكل «اشتراكية دولة»، ثم تحجر فلم يتخط هذه المرحلة الأولى، الأمر الذى أتاح انقلابه فى نهاية المطاف لصالح العودة إلى الرأسمالية.

أضيف نقطة تبدو لى رئيسية لإدراك ما حدث بعد انهيار النظام فى مجال العلاقات بين الأمة الروسية والأمم الأخرى المكونة الاتحاد السابق. لم تواصل السياسة السوفيتية ممارسات النظام القيصرى فى هذا المجال فأقيم الاتحاد على قاعدة تعترف وتحترم تنوع القوميات، بل أكثر من ذلك أقيم النظام الاقتصادى السوفيتى على قاعدة إعادة توزيع فوائد التنمية المشتركة لصالح المناطق الأقل نمواً، علماً بأن الشعوب «غير الروسية» هى التى استفادت من هذا الخط العام الجديد. فانتقل استخدام الفائض المستخرج من المناطق الأكثر تقدماً (روسيا الغربية، وأوكرانيا وجمهوريات البلطيق) للاستثمار فى المناطق الأقل نمواً (سيبيريا، آسيا الوسطى، الجمهوريات جنوب القوقاز). وساد نظام تماثل ومساواة الأجور والحقوق الاجتماعية. وهو مبدأ يناقض تماماً المبدأ الذى يحكم الرأسمالية، وهو التفاوت فى مستوى الأجور بين المراكز والتخوم. بعبارة أخرى اخترعت السلطة السوفيتية مبدأ «المعونة» الحقيقية، وهو مبدأ لا تزال الرأسمالية تتجاهله فى ممارساتها الواقعية، بالرغم من كلامها حول «المعونة الدولية»!

أرجع إلى الموضوع الذى أود أن أتناوله هنا: وصف سمات النظام السوفيتى فى مرحلته الأخيرة، قبل السقوط. أقصد إذن وصف النظام «المتحجر» لعصر حكم برجنيف.

أولاً : نظام «كوربوراتي»

المقصود هنا هو تكوين «تكتلات» مصلحية تجمع معاً أصحاب القرار والعمال الفاعلين فى قطاع إنتاجى معين. على سبيل المثال: تكتل يضم أصحاب القرار فى الصناعة المعدنية والعمال المستخدمين فى هذا القطاع.

فأصبح كل من هذه التكتلات «مركز قوة» يدخل فى التفاوض (لعل كلمة مساومة تعطى المعنى!) مع مراكز القوة الأخرى من أجل تصميم أهداف الخطة العامة وتوزيع الفوائد المستخرجة منها: وصارت الجوسبلان (مفوضية التخطيط) المكان الذى حلت فيه هذه «المفاوضات- المساومات». وصارت النقابات جزءًا من المنظومة بصفتها المؤسسة التى تتناول مسئولية إدارة الشئون الاجتماعية والفوائد المستخرجة منها لصالح العمال (مدارس، مستشفيات، سكن، معاشات الخ).

لعب هذا المبدأ الموصوف هنا دوراً حاسماً، فحل محل «الربحية» التى تتحكم فى إعادة تكوين التوسع الرأسمالى. فتجلى عمل هذا المبدأ فى «السوق السوفيتية» وأعطى لها طابعاً مختلفاً عما هو عليه واقع عمل السوق فى الرأسمالية. علماً بأن الطابع «العقلانى» للخطة الناتجة عن هذه المساومات الجماعية يظل موضوع تساؤل. أدى العمل طبقاً لهذا المبدأ فى ظروف تحجر النظام إلى صعود تناقضات جديدة بين مختلف الأقاليم الجغرافية المكونة الاتحاد.

ثانياً : نظام سلطة أتوقراطية

أقصد هنا غياب ممارسة الديمقراطية فى إدارة السياسة العامة، سواء كانت طبقاً للنمط الغربى (القائم على الانتخابات المتعددة الأحزاب) أم للنمط المتفوق الذى تصورت إقامته ثورة 1917.

على أن هذا القول لا يرادف قبول نظرية «نظام التوتاليتارية» (الشمولية) الذى تكرر وسائل الإعلام الغربية الحديث عنه بلا ملل. فقد اختفى وراء «الأوتوقراطية» الظاهرة فى اتخاذ القرار تفاوض حقيقى بين التكتلات التى مثلت تنوع المصالح الجماعية ومراكز القوة.,وبدلاً من الحديث المجرد والمبسط عن «الأتوقراطية» أقول إن النظام تجلى فى هرم من السلطات المتجسمة في مؤسسات إقليمية (ولا سيما فى توزيع ممارسة القرار بين مختلف الجمهوريات). وقد يسر هذا الوضع انفجار الاتحاد فى نهاية المطاف.

ثالثاً: استقرار النظام الاجتماعى

لا أنكر على الإطلاق وجود ممارسة العنف فى واقع التاريخ السوفيتى. وتعددت مصادر العنف المعنى.

انفجرت الموجة الأولى من العنف بمناسبة التعارض الصاعد بين هؤلاء «الواقعيين»- الذين أعطوا الأولوية للحاق أى إنماء قوى الإنتاج- وأولئك الذين تمسكوا بتنفيذ الوجه الآخر من المشروع، وهو إقامة علاقات اجتماعية جديدة ذات طابع اشتراكى صحيح. علماً بأن هذا التناقض لم يكن مفتعلاً، بل انعكاس لواقع تناقض صحيح صاحب انتصار الثورة فى منطقة تخومية سابقاً فى المنظومة الرأسمالية العالمية.

تلت هذه الموجة الأولى ما ترتب على انتصار النظرة «الواقعية»، وهو استخدام العنف من أجل استعجال عملية التصنيع. علماً بأن وسائل عنف شبيهة قد استخدمت فى تاريخ التراكم الرأسمالى! اذكر هنا شُح الإسكان وغيرها من ظواهر الفقر.

وللحديث بقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سمير أمين هذا الرجل !
فؤاد النمري ( 2017 / 12 / 9 - 13:11 )
من الصعوبة بمكان أن يصدق المرء أن هذا الرجل كان ماركسياً يوماً ما
هو يعتقد أن الإشتراكية السوفياتية انهارت بسبب الجمود وغياب الديموقراطية
بينما ماركس علمنا أن التاريخ لا يتحرك إلى الأمام أم إلى الخلف إلا بسبب الصراع الطبقي
في النظام الاشتراكي السوفياتي كان هناك طبقتان البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة

لينين قال في العام 1922 أن العدو الرئيسي للإشتراكيين في الاتحاد السوفياتي هو البورجوازية الوضيعة
هل العمال هم الذين عادوا عن الإشتراكية ام البورجوازية الوضيعة ؟
نترك السؤال لسمير أمين كي يجيب عليه


2 - الدرس الثاني الذي على سمير أمين أن يتعلمه
فؤاد النمري ( 2017 / 12 / 9 - 15:32 )
وهو أن الثورة الإشتراكية لم تمت ولن تموت
فهي التي ما زالت تمنع على العالم بجميع السلطات البورجوازية فيه أن تبني اقتصادا قائماً على الذات في كل العالم
منذ سبعينيات القرن الماضي انهار قانون القيمة الرأسمالية واستعاظ العالم عنه بالدولار الذي لا بديل له
غدا سينهار النظام العالمي المعتمد على الدولار الكاذب
فأي نظام سيحل محله !؟

سمير أمين ليس لديه الجواب
وهو ما يعني أن الثورة البلشفية لم تمت
وما زالت تمسك بخناق العالم




































































3 - محاولات جادة
حميد فكري ( 2017 / 12 / 9 - 17:53 )
من المفيد في دراسة تجربة الاتحاد السوفيتي الاشتراكية ,بل ولكل تجربة سياسية ,ليس فقط الاكتفاء بالتحليل النظري المتكون على أهميتة البالغة ,بل ايضا الاعتماد على التحليل الملموس ,لمعرفة (خصوصية )كل تجربة في شروطها التاريخية العيانية ,وهنا تكمن الجدة والاضافة النوعية ,التي بامكانها اغناء كل معرفة نظرية كانت ام سياسية .هذا ما يحاوله السيد سمير امين ,وفي هذا فضيلته .


4 - السيد حميد فكري
فؤاد النمري ( 2017 / 12 / 9 - 22:42 )
من يشرع في انتقاد التجربة الإشتراكية السوفياتية يتوجب عليه أن يلمّ بكل تفاصيل تطور التجربة الاشتراكية السوفياتية
في الندوة التي عقدها الاتحاد السوفياتي على مستوى الأخصائيين والقادة في العام 1951 كان موضوعها الوحيد هو الصراع الطبقي في الاتحاد السوفياتي

سمير أمين ليس لديه أي علم بالصراع الطبقي في الاتحاد السوفياتي ولذلك راح إلى البيرةوقراطية وغياب الديموقراطية

لعلم حميد فكري أن الحضور في تلك الندوة المشار إليها قد انقسم إلى قسمين، قسم يطالب بتضييق الخناق على الطبقة البورجوازية الوضيعة وخاصة الفلاحون وقسم آخر يقوده ستالين ينادي بتوسيع العلاقات مع البورجوازية الوضيعة وهو ما يعني توفير سعة الديموقراطية والحريات للبورجوازية

من لا ينسب انهيار الاتحاد السوفياتي للصراع الطبقي ليس له أدنى علاقة بالماركسية، كذلك هو سمير أمين الذي له تاريخ طويل في معارضة ماركس
ليس إلا لمعارضته لماركس خصصت له جامعة لندن كرسيا

كان أحد الصحفيين قد وجه إليه سؤالاً يقول .. بعضهم وصفك بأنك ألقيت راية الماركسية في الوحول فماذا تقول ؟
صمت ولم ينبس ببنت شفه

عدو الشيوعيين اليوم هو الشيوعيون المفلسون الخونة


5 - لا خلاف بيننا الا على مستوى القراءة
حميد فكري ( 2017 / 12 / 10 - 01:36 )
( من لاينسب إنهيار الاتحاد السوفياتي ,الى الصراع الطبقي ليس له أدنى علاقة بالماركسية ) وهذا صحيح كليا ,السيد فؤاد النمري .لكن الصراع الطبقي ,يجب تحديده ملموسيا في كل بنية
اجتماعية .ربما يكون الاختلاف بيننا في قراءة مايكتبه السيد سمير امين .ففي حين تراه انت يغيب منهج الصراع الطبقي في تحليل تجربة الاتحاد السوفييتي ,اراه انا على العكس تماما حتى وإن لم يفصح عنه اصطلاحيا ( انفجرت الموجة الأولى من العنف بمناسبة التعارض الصاعد بين هؤلاء «الواقعيين»- الذين أعطوا الأولوية للحاق أى إنماء قوى الإنتاج- وأولئك الذين تمسكوا بتنفيذ الوجه الآخر من المشروع، وهو إقامة علاقات اجتماعية جديدة ذات طابع اشتراكى صحيح. علماً بأن هذا التناقض لم يكن مفتعلاً، بل انعكاس لواقع تناقض صحيح صاحب انتصار الثورة فى منطقة تخومية سابقاً فى المنظومة الرأسمالية )العالمية هذه الفقرة تقول ان مفهوم الصراع الطبقي كان حاضرا في فكر سمير امين .


6 - البروليتياريا السوفيتة
عبد الحسين سلمان ( 2017 / 12 / 10 - 10:22 )
يقول السيد النمري

في النظام الاشتراكي السوفياتي كان هناك طبقتان البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة.......

وقد عرف إنجلز طبقة البرولتياريا في الطبعة الانكليزية للبيان الشيوعي 1888 ما يلي:
By proletariat, the class of modern wage labourers who, having no means of production of their own, are reduced to selling their labour power in order to live
ونعني بالبروليتاريا طبقة العمال الأجراء العصريين، الذين يُضطرون، لعدم امتلاكهم وسائل إنتاح، إلى بيع قوة عملهم ليتمكنوا من العيش .

السؤال الان:
هل تعريف إنجلز لطبقة البرويتياريا , ينطبق على البروليتياريا السوفيتة ؟

وتحيح للزميل حميد فكري , ذو الخلق الرفيع في المحاورة و النقاش


7 - البروليتاريا السوفيتيه
عبد المطلب العلمي ( 2017 / 12 / 10 - 16:02 )
استغرب استشهادك بقول لانجلز و في نفس الوقت تعتبره احد المهرجين الذين دفنوا الماركسيه.على اي حال سبق ان تناقشنا في الموضوع قبل عده سنوات و اخبرتك حينهاانه يستعمل بحكم العاده و ليس من منطلق نظري و انه بعد انتصار الثوره البروليتاريا في روسيا القيصيريه تغيرت تسميتها.فلم يعودوا يبيعون قوه عملهم الى الراسماليين.لقد اصبحوا عمالا سوفييتيين،و رغم ان الكثيرين بحكم العاده يستعملونه(بروليتاريا) فان استعمالها لا يعني انه مصطلح صحيح يصور العلاقات الطبقيه في الدوله السوفياتيه.
البروليتاري هو الفرد المنضوي إلى فريق اجتماعي يقوم بإنتاج قيمة استعمالية مقابل أجر
، ديكتاتورية البروليتاريا هي دولة العمال الذين كانوا بروليتاريا ولم يعودوا بروليتاريا
العمال السوفييت لم يعودوا بروليتاريا لأنهم ليسوا مأجورين فالمعاش الذي يقبضه
العامل نهاية الشهر ليس أجراً ولا علاقة له بما ينتج.


8 - الزميل العلمي
عبد الحسين سلمان ( 2017 / 12 / 10 - 17:12 )
الزميل العلمي
تحية

وشكراً لك على هذه الجملة التالية و التي عسى ولعل عمنا النمري يفهمها جيداً:

العمال السوفييت لم يعودوا بروليتاريا لأنهم ليسوا مأجورين فالمعاش الذي يقبضه العامل نهاية الشهر ليس أجراً ولا علاقة له بما ينتج.

اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز