الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادة ومن أوجدها؟ ح3

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 12 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وفقا لما في ضمون وقصديات النص الديني وردت كلمة لا شي ببناء أخر قد يفهم منه أن الدلالاتان فيهما مختلفتان، فمثلا النص التالي يطرح فكرة الجزم بالنفي القاطع {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً }مريم9، أي أن النص وبما يجزم به أما أن المخاطب بالكلام كان عديم الوجود بالأصل وهنا اللا شيئية تكون مرادف للعدم، أو أنها تشير على أن الشيئية التي تتكلم عنها هي مستحدث متحول من عالم أخر أو وجود أخر مختلف ولا ينفي العدمية، الرأي الثاني هو القاطع بدلالة نفس النصوص مثلا {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }آل عمران59، وأيضا{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }الروم20، وغيرهما من عشرات النصوص، إذا الأحتمال الأول العدمي لم يكن حاضرا في النصوص ولم يكن حقيقيا أن نخرج بهذا المنطق.
إذا من منطق التسليم بالنتيجة هنا تكون اللا شيئية تنصرف إلى شكلية أو وصفية أو إدراك للماهية الموضوعية الراهنة والمخلقة بالتحويل أو التبديل، فلا مناص أن نكون أمام عالمين مختلفين ليس في ذات الموضوع بل في الظاهر المدرك أو المحسوس أو المعلوم، ولكنهما يجتمعات ويتحدان عند حد الوجود، بمعنى أن عالم (لم تك شيا) هو ذات العالم الذي جعل الشيء موجود ولكنه معدل بتدخل إيجابي ساهم في تغيير المظهر دون الجوهر، وهذا يقودنا إلى حقيقة أن وحدة الجوهر بينهما وحدة حقيقية لا غبار عليها والأختلاف مرده الوعي بحدود الموضوع خارجا فقط.
هناك سؤال قد يكون في طرحة إلقاء الضوء على معنى متداول ولكننا لا نعرف بالتحديد مصدر المعنى منه تماما، السؤال متعلق في مدلول كلمة لا شيء أو الشيء ما هو مصدره اللساني؟، هل هو من أشاء يشاء فهو مشاء له ؟ أم أن له مصدر وجذر لغوي أخر؟ في كل القواميس العربية لم ترد أجابة حاسمة تقطع الشك باليقين ما عدا ما ذكرته في الحاشية هنا، أذن فالمعنى الوحيد الذي يمكن الأعتماد عليه هو أن الشيء مصدر من أشاء فقط، عليه فكل موصوف أو معروف أو محدد أو حتى له صورة ذهنية يمكن تصورها لا بد أنه قد حدث نتيجة إشاءة ما، واللا شيء هو تماما المعنى المعاكس الذي دل عليه مصدر ما يشاء أو شاء، فهنا نحن أمام إشكالية بالمعنى قبل إشكالية في فهم المعنى على حقيقة ما تم التعارف عليه.
لو رجعنا إلى القواميس اللغوية التي عرفت الشيء على أنه (اسم لأيّ موجود ثابت متحقّق يصحّ أن يُتصوَّر ويُخبر عنه سواء أكان حسِّيًّا أم معنويًّا (يُطلق على المذكَّر والمؤنَّث) تأخّرت عنه شيئًا قليلا، انتابني شيء من الخوف، { قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} - { لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}: شرًّا، شيئًا بعد شيء / شيئًا فشيئًا: على سبيل التدريج، تباعًا، بالتوالي، - شيء ما : شيء غير محدَّد ، - شيء من كذا : قليل مِنْ...)، هذا المعنى لو تم أستخدامه في تفسير أو تدبير آية منصوص عليها في القرآن الكريم والتي تقول (خلقتك من قبل ولم تك شيا)، هل هذا يعني أن اللا شيء الذي خلق لاحقا من عالم اللا شيئية لم غير موجود وغير ثابت لا يصح أن يتصور ولا يصح أن يخبر عنه بأي صورة كانت؟ إذا كان كذلك كيف لنا أن نؤمن أن الله خلق الأشياء من عالم غير موجود وغير ثابت، بمعنى أن الله خلق الشيء من العدم وهذا ما لا دليل لا من نص ولا من تلميح منه على أن الخلق مصدره عدم أو كان عدم أصلا.
هنا علينا أن نختار أما أن اللغة ذاتها لم تستوعب المعنى كاملا لمفردة الشيء، وذهبت به نحو الأعتبار المتداول الأعتباطي حين خلطت بين معنى ونفيه في آن واحد، وبتلك النتيجة فقد النص الديني مدلوله القصدي التام وجوهر الفكرة، أو أن هناك إلتباسا في بناء النص حين خلط بين معنى العدم واللا شيء، وجعلهما واحد في تصور ذهني عام وبذلك يناقض العلم وقانون المادة وحفظ الطاقة، إذا لا بد من الأختيار الحقيقي بين أن نعيد بناء المعنى وفقا لنتائج التساؤلات هذه، أو نمضي مع أحد الخيارين أما نسلم لمفهوم النص بأن اللا شيء هو مثيل العدم وبالتالي نتجاوز قانون المادة وحفظ الطاقة، أو نسير مع مفهوم النص بوجود عالمين مختلفين يدور بينهما الخلق والتخليق.
طالما نحن في عالمين مختلفين فأحدهما قديم والأخر جديد بناء على سبق الوجود، فالقديم لا يفنى ولا يستحدث لأنه قديم بذاته وليس له بداية كما ليس له نهاية، أما الجديد فهو المتحرك المتغير المفعول به، وبما أنه غير قابل لأن يستحدث ولا يفنى فأنه سيكون الثابت المطلق الذي لا مطلق غيره ولا يسبقه حدوث ولا يلحقه فناء، عليه فهذا الثابت وإن كان في جوهره هو كذلك فإن ظاهره التحول مع بقاء الجوهر كما هو بدون تغيير، بمعنى أن المادة الأولى التي هي لا شيء ظاهرا والتي عبر عنها المدرك باليقين العلمي أنها الذرة البسيطة أحادية التكوين هي المطلق الثابت الذي لا يستحدث ولا يزول.
هل هذا هو مضمون ما أراده النص الديني وإن كان مضمرا في طيات القصد، إذا كان كذلك فهو يوافق مذهب العلم ونظرية المادة ولاخلاف إذا بينهما وعلينا أعادة إدراك معنى الخلق من هذه الكلية، أي أن فعل الخالق ليس خارج نطاق تحريك معادلات القوة والحركة داخل المادة لينشأ منها نشأ أخر وتشيئتها وفقا لما هو مخطط لديه، وبالتالي فمعنى الخلق ليس الإيجاد الأول مطلقا بل هو منح المادة حدودا وماهية ومظهر دون التدخل في الحركة الذاتية لها، هنا ما هو موقف الفكر الديني من النتيجة والتي لا يمكن مطلقا أن يسلم بها لأنه مؤمن منذ البداية أن الله هو أوجد المادة وأوجد تفاعلاتها وأحدث حركتها لأنه يؤمن بأن اللا شيء هو ما قبل الوجود دون أن يقدم تفسير لمعنى ما قبل الوجود أو يبرهن على ماهيته الخاصة.
ننتقل من بعد ذلك إلى تصور متقدم بناء على المعطيات المتحصلة من الكلام السابق، فهناك عالم لا شيء وعالم شيء وهناك قوة تتحرك في الأثنين ناقلة الصورة من هنا الى هنا وبالعكسي، هذه المعادلة الثلاثية الأطراف لا تحل كل المشكلة لأنها تزيد من تعقيد الوصول إلى الجواب للسؤال الأول، هل أن هذه القدرة القادرة على التحرك بحرية بين العالمين الشيئي واللا شيئي تنتمي لأحدهما أو لكليهما أو أنها عالم أخر؟ لو كانت عالما أخر فما هي ماهيته التي أستطاعت أن تسيطر على العوالم الثانية؟ وكيف لها أن تكون فاعلة في محيط لا يجانسها ولا تجانسه في الجوهر؟ وسؤال أخر هل هذا العالم المتحكم كان حينما كان الوجود اللا شيئي موجودا قبله أو معاصرا له فقدر على أن يفهم حركته ومفاتيحها فأستولى عليه؟، أم أنه أقدم منه بالوجود لذا فهو راقب الحركة وفهم القوانين وعليه فلا مشكلة لديه أن يتحكم لأنه شهد الوجود الحدوثي الأول؟.
لو سلمنا بالأفتراض الأخير من أنه أقدم وأسبق من المادة فكيف نوفق بين كون المادة قديم مطلق ثابت ووجود قديم مطلق وثابت أخر مواز له وقد يكون أقدم منه، والقديم المطلق لا يتقدمه قدم لأن الإطلاق ينفي السبق هنا، إذا أما أن يكونا لا العالمين قديم مطلق وثابت وبالتالي فيكون هناك تعاصر في الحدوث والإيجاد الأول، أو أن يكون هناك لحوق للعالم المتدخل للقديم الثابت المطلق، فإذا كان كذلك معاصر فلا بد أن يكون إيجدهما في لحظة واحدة عندما أصطدم اللا مطلق بالمطلق واللا ثبوت بالثابت الأبدي نتيجة الأنفلاق الوجودي الأول وأنعدم المسافة الفاصلة بين الحدود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران