الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإلحاد أم الإيمان؟

رضا الكصاب

2017 / 12 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما يجعل الصراع دائم بين المؤمنين والملحدين هو أن للكون بداية، فقبل اكتشاف (Big Bang Theory) أو ما يسمى بالانفجار العظيم كان يعتقد العلماء في ذلك العصر أن الكون لا بداية له وأن الزمن أزلي (دون الحديث عن التفسيرات الدينية)، والنظرية التي كانت سائدة في ذلك العصر هي أن الكون كان يستند إلى حالة الاستقرار التي تعني أن الكون كان موجود منذ الأزل من دون بداية تتطلب سببا للوجود، إلى أن جاءت هذه النظرية التي غيرت الكثير حول نشأة الكون وقد سميت من قبل بافتراض الذرة الأولية.

وهذا الاكتشاف العظيم يعتبر إنجازا يتوج الفتوحات الكبيرة للفكر البشري في فهم نشأة الكون، منذ الأزل وتطوره في صورة أعداد لا تحصى من المجرات والنجوم والسدم ومساحات شاسعة في أقطار الفضاء. لكن ماذا كان قبل الانفجار ومن تسبب بهذا الانفجار؟ المنطق يجعلنا نرجح كفة وجود مسبب على الصدفة، لأن الانفجار يعتبر هو البداية … لكن هل حقا يوجد مسبب أو قوة عظيمة أوجدت هذا الوجود من اللاوجود؟

كل معادلات أينشتاين تنهار لحظة حدوث الانفجار الكبير و كذلك عند مركز الثقب الأسود، لكن هناك نظرية واحدة تستطيع أن تأخذنا إلى ما قبل الانفجار، إنها نظرية الأوتار، و إذا أصبحت هذه النظرية هي نظرية كل شيء و أصبحت حقيقة علمية، سيستخدم البعض هذه النظرية لكي ينفي وجود الإله أو القوة العظيمة التي يعتقد المؤمنين أنها كانت وراء نشأة هذا الكون، فهذه النظرية وبأبعادها الإحدى عشرة تتنبأ لنا بوجود الأكوان المتوازية و الهدف من هذه النظرية هي الإجابة عن هذا السؤال ( عن ما هي المكونات الأساسية الأولية الغير القابلة للتجزئة وغير القابلة للتقسيم، التي يتركب منها كل شيء في الكون؟ ) والهدف من الإجابة عن هذا السؤال هو تجاوز إحدى كبرى العقبات في تاريخ الفيزياء وهي توحيد القوى الأربع الأساسية في الطبيعة وهي القوة الكهرومغناطيسية وقوة الجاذبية والقوتين النوويتين الصغرى والكبرى وكذلك إضافة إلى أهم فكرة تشغل بال الفيزيائيين منذ عقود طويلة وهي إيجاد إطار يمكن من التوفيق بين ميكانيكا الكم ونظرية النسبية العامة. … نظرية الأوتار تخبرنا أن هناك العديد من الأكوان وأن عند اصطدام كونين ببعضهما يشكلان كونا آخر وهذا ما يعتقد به العلماء أنه الانفجار العظيم، لذلك فالانفجار العظيم ما هو إلا نتيجة اصطدام كونان مع بعض، لهذا فنظرية الأوتار ستطرح أسئلة عديدة وستربك كل شخص يحاول أن يثبت وجود الاله من الانفجار العظيم.

مسألة وجود الإله من عدمه تبقى مسألة فلسفية ولا يوجد لها أي دليل قطعي، فالمؤمن له براهينه الخاصة والملحد كذلك، ولا أحد منهما يستطيع أن يثبت صحة كلامه، الملحد يرى في وجود الإله خرافة لأنه لا يوجد هناك أي دليل حسي على وجوده، أما المؤمن يرى في وجود الإله حقيقة لا نقاش فيها وهذا يرجع لاعتماده على حجج ميتافيزيقية، منطقية، تجريبية وذاتية، فوجود الإله أصبحت مسألة فطرية لديه.

لكن الغريب في الأمر هو عندما تجد المؤمن يقول عبارات لا يعلم أنها تسقط الذات الإلهية من ذلك الإله الذي يؤمن به، فللأسف الشديد ما زالت بعض الناس تقول إن هذا الإله له شكل أو أن لديه أصابع أو أعين أو أنه يجلس على كرسي كبير في السماء وينظر إلينا بأعينه ويراقب ماذا يفعل البشر في الأسفل. أو أنه ينزل ويتنقل من مكان إلى مكان، لكن ما لا يفهمه هؤلاء هو أن الإله هو القوة العظيمة التي كانت قبل الانفجار العظيم، وهذه القوة لا يجب أن تخضع لقوانين المادة ولقوانين الفيزياء، والإله يجب أن يكون أزلي الحدوث وهو الذي يفسر وجود الموجودات، لذلك سيكون من السذاجة أن تتطبق قوانين الفيزياء والمنطق البشري على قوة كانت قبل نشأة هذه القوانين. فحسب نظرية أينشتاين للنسيج الكوني، أن الزمان مرتبط بالمكان بحيث أن أي كتلة مهما كانت مقدارها فإنها تشغل حيزا من الفراغ (المكان) وبما أنها شغلت حيزا من الفراغ، إذن سيجري عليها زمان لذلك من كان يظن بأن الإله الذي يؤمن به موجود في السماء فليتوقف عن التفكير بذاك لأن الإله لا يحويه لا مكان ولا يجري عليه زمان، فما نعتبره نحن حاضر وماضي ومستقبل فالإله لا يدخل في هذه القاعدة بتاتا ولا تطبق عليه …

عبارة أن لكل شيء صانع، قد تبدو لنا منطقية بعض الشيء. لكن عندما نتكلم عن الصانع الذي أوجد الوجود، فعلنا أن نبحث بعمق عن كفيفة ظهور الكون والحياة، وكوننا أننا نجهل بعض الأشياء لا يعني أننها نحتاج أن نأتي بإجابة وهمية خيالية من كتب العصور الوسطى. البحث عن الحقيقة يأتي بالتعمق في قوانين الطبيعة، لأنها هي الخالق الحقيقي. فعند سقوط تفاحة نحن لا نقول أنها سقطت بسبب إله، بل إنها سقطت بفعل الجاذبية، فهذه القوانين هي من تحكم الكون. فعلى سبيل المثال عندما نتكلم عن الانتخاب الطبيعي، فأنت لا يمكن لك أن تسأل من جعله هكذا، بل هو جعل نفسه هكذا، لأنه لا يوجد من أنتجه، لذلك هو عشوائي أنتج مفترسات عديدة، وكي تعيش كائنات يجب أن تموت أخرى، فهل يمكن لنا أن نقول أن هناك إله جعل الأسد يفترس الحمار و يقضي عليه؟ طبعا لا، وهل ستقول أن الله أخطأ و خلق إنسان أعمى أو بدون أرجل؟ وهل ستقول أن الله أخطأ عندما لم يخلق للفقمة أرجل لأنها تعاني من ثقل حجمها !! طبعا لا وألف لا، لذلك فالطبيعة عشوائية.

الإيمان بالإله يجب أن يكون مسألة شخصية، فلا داعي لكي نفسد الحوار ونسب بعضنا البعض من أجل أشياء نحن لسنا متأكدين من صحتها، فمع اختلاف المعتقدات والأديان يقف الإنسان حائر بينهم، باحثا عن الإله الحقيقي الذي أوجد الوجود من اللاوجود … فكل دين يرى الإله بطريقته المختلفة، فهناك أديان تقوم بتجسيد الإله على صورة إنسان، وهناك أديان تخبرنا أن هذا الإله ينزل إلى الأرض وأنه يتكلم مع البشر. المشكل ليس في وجود الإله، بل في الإله الذي يزعم البعض أنه موجود، إله لا يتخلف كثيرا عن البشر، إله يحرض على القتل والعنف في كتب يعتقدون أنها سماوية، إله ينشر الكراهية بين مخلوقاته، لذلك فهذا الإله حتما من صنع البشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل الله مادة أم لا.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 12 / 10 - 09:12 )
أنا كإنسان لم أفهم مما كتبته أستاذ رضا القصاب.
حقيقة أنا أعتقد بخلق شيء من العدم وهذا بتصوري منافي للعقل.
هناك من يقول الله هو الذي خلق الكون،ةياتي آخرون يسألون من خلق الله.
الحقيقة الإسم الكردي لله جلب انتباهي كثيرٱ-;-،وهو مودا( خالق ذاته)
سؤال هل يمكن أن يخلق ذاته من العدم؟ سؤال لم يجب عليه أحد.
مقالة شيقة يفتح العقول بل قل يحركها .

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد