الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ذكراه69-أي تجسيد عملي له؟-

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2017 / 12 / 10
حقوق الانسان


يحتفل العالم اليوم بالذكرى الـ69 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الموافق لـ10ديسمبر 1948، ويلاحظ على هذا الإعلان تركيزه على الحقوق السياسية دون الاجتماعية، ويشبه كثيرا ميثاق حقوق الإنسان والحريات الذي أعلنته الثورة الفرنسية في1792، لكن رغم ذلك لم يتخلص بعض الغربيين من "المركزية الغربية" التي فضحها عدة مفكرين، ومنهم غارودي في جل كتاباته، وتعد هذه المركزية أحد أسباب عدم احترام الغرب لحقوق الشعوب الأخرى، بل أن هذه المركزية الأوروبية قد دفعت بعض الأوروبيين عند صياغة ميثاق الحريات وحقوق الإنسان بعد الثورة الفرنسية على طرح نقاش وسؤال: إن كانت هذه الحقوق تخص كل البشرية أم الإنسان الأوروبي فقط، ولعل هذا التفكير هو الذي يختفي وراء الكثير من المساس بحق الإنسان إلى حد اليوم من الغرب ذاته ومن الأنظمة الموالية له في دول منطقتنا، فلولا هذا الدعم الغربي أو السكوت منها خدمة لمصالحه، لما وقع ما يقع من مساس بهذه الحقوق، كما عانت الإنسانية من المظالم الاستعمارية الأوروبية بسبب الرغبة في السيطرة والاستغلال، ومن هؤلاء الضحايا نجد الشعب الجزائري الذي تعرض لحرب إبادة من فرنسا التي ترفض الاعتراف بجرائمها إلى حد اليوم.
ومادام نتحدث عن الشعب الجزائري، فلنشر أن مواثيق ثورته التحريرية كإعلان أول نوفمبر1954 وأرضية الصومام 1956 أستدركت خلل هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بربطها ربطا وثيقا بين الحقوق الإجتماعية والحقوق السياسية بالقول أنها تستهدف "إقامة دولة ديمقراطية وإجتماعية" متجاوزة بذلك هذا الإعلان العالمي الذي أهمل الحقوق الإجتماعية، فهذه الثورة نصت في مواثيقها على الجمع والمزج بين الديمقراطية والعدالة الإجتماعية، فلامعنى لديمقراطية لاتخدم المحرومين، ولامعنى لعدالة إجتماعية تقمع الحريات والتعددية، لكن للأسف لم يفكر قادتها فيما بعد في وضع ميكانيزمات ومؤسسات عملية لتحقيق وتجسيد ذلك ميدانيا، ولو فكروا في ذلك لأعطوا للعالم نظاما بديلا، يكرس عمليا قيم الديمقراطية والعدالة الإجتماعية التي نادت بها هذه الثورة، والتي كان بالإمكان تخليدها وتحويل الجزائر إلى قوة ناعمة بنموذجها، لأن الثورات تخلد بأفكارها ونموذجها التي تعطيه للعالم، فلم تخلد الثورتين الفرنسية والأمريكية بسرد أحداثها ووقائعها، بل بإعطائها للعالم نموذجا سياسيا ومؤسساتيا ناجحا نسبيا بعد ما مهدت لذلك بثورة ثقافية وفكرية تنويرية.
لكن بدل قيام الجزائريين بذلك، تم تحريف ثورتهم بإسم الثورة، لتسود ممارسات تمس بحق الإنسان وكرامته مناقضة بذلك الأهداف والقيم التي قامت من أجلها هذه الثورة، لكن بإمكانهم إستدراك ذلك اليوم، فتتحول هذه الثورة إلى قوة ناعمة بصياغة وإعطاء نموذجها للعالم، فهذه المهمة ملقاة اليوم على الجميع حكاما ومحكومين، وبالأخص المثقفين والمفكرين، وقد حاولنا المساهمة في ذلك بكتابنا "ربيع جزائري لمواجهة دمار عربي" الذي لقي إقبالا كبيرا من القراء.
ونشير أيضا إلى محاولات شخصيات مسلمة، ومنهم الرئيس أحمد بن بلة الذي كان أحد الذين أنتهكوا حقوق الإنسان في فترة حكمه الجزائر مابين 1962و 1963 صياغة “الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان” في1981، لكننا نضع ذلك ضمن ظاهرة الاستخدام المفرط للعناوين الإسلامية، وقد كان المفكر مالك بن نبي الضليع في الحروب الفكرية من أشد الرافضين لهذا الإستخدام، لأنه يرى في شخصنة الإسلام في هيئات وتنظيمات وأحزاب وغيرها سلاحا استعماريا لتسهيل ضربه وتشويهه، وهو ما نراه اليوم بجلاء، لكن هل ضمنت فعلا هذه الإعلانات كلها كرامة وحقوق الإنسان؟.
قد أعطى الغرب أساسا فلسفيا لحقوق الإنسان انطلاقا من اعتبارها حقوقا طبيعية له، وهو ما يشبه مقولة سيدنا عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، لكن هل أثر ذلك في تكريس هذه الحقوق؟. نعتقد أنه لتكريسها فعلا يجب إقامة مؤسسات تضمن ذلك كالفصل بين السلطات، خاصة إستقلالية القضاء ووجود مجتمع مدني مستقلن وعلى رأسها المنظمات الحقوقية، ويمكن دعم ذلك بترسيخ تربية إحترام حقوق الإنسان لدى الطفل خاصة والإنسان عامة في المدرسة ودور العبادة ووسائل الإعلام وغيرها، ويمكن الإستناد في هذه التربية بالإنطلاق من تأويل تنويري للدين، فنستخرج منه تصورات قرآنية موجودة في كل الأديان السماوية، وتخدم الإنسان وحقوقه وكرامته قبل أن يختطف هذه الأديان سياسويون، ويستغلونها بتأويلاتهم في حروب وجرائم تستهدف التسلط والاستغلال، فخلقوا عداء وكراهية بين أتباع هذه الديانات رغم اشتراكها في قيم وتصورات كثيرة.
فكل الأديان السماوية تدعو في جوهرها إلى السلام والمحبة لدرجة أن كل تحياتها هي السلام(سلام عليكم في الإسلام، شالوم في اليهودية وsalut في المسيحية)، ونحن المسلمون نختم كل صلواتنا بإعطاء السلام إلى كل البشرية، لكن تتحول الأديان إلى دعوات للكراهية والإرهاب بعد ما يختطفها السياسويون والإستبداديون والإستغلاليون، ويوظفونها لخدمة مصالحهم بالتحالف مع رجال دين وكهنوت يأولون النصوص الدينية بشكل مغرض ومناف لروح وجوهر تلك الأديان التي يجب تحريرها من كل هؤلاء، إضافة إلى تحريرها مما تراكم عليها من خطابات كل هؤلاء عبر التاريخ، وذلك بتفكيك كل ما سمي أنه تراث ديني أنشأه في الحقيقة هؤلاء لتخدير الشعوب، مما يسهل إستغلالها، فكي نكتشف الجوهر الحقيقي للأديان، يجب علينا الغوص والحفر والتفكيك لكل هذا الركام الذي أبعدها عن جوهرها الحقيقي المسالم، فهل من المعقول انه إذا سألت اليوم أي مسلم مامعنى إنهاء صلاته بالسلام، يجيب بأنه تسليم على الملائكة، وكأن الملائكة تحتاج إلى سلامنا عليها، فلم يكن وراء هذا التحريف إلا أيديولوجيي وكهنة بني أمية والذين جاءوا بعدهم بإختطافهم الإسلام وتحويله إلى أداة لخدمة توسعاتهم وتسلطهم وإستغلالهم، فقد خشي هؤلاء المتسلطين، بأنه لو بقي المفهوم الحقيقي لذلك السلام في نهاية كل صلاة أن يرفض المسلمون القبول بتوسعهم الأمبرطوري وعدوانهم على الشعوب بإسم الجهاد ونشر الإسلام البريء من ممارساتهم تلك.
نعتقد أن الحل الجذري لمشكلة حقوق الإنسان ينطلق من مؤسسات تضمن هذه الحقوق كما سبق لنا ذكرها آنفا، إضافة إلى ترسيخ تربوي في ذهن الطفل لمجموعة تصورات مثل ما أشرنا إليه حول مفهوم السلام المردد بقوة في الأديان، ومنها ديننا الإسلامي، إضافة إلى تصورات أخرى تجعله يبجّل كل إنسان مهما كان لونه ودينه ولغته وغيرها، ومن هذه التصورات: إن الله تعالى خلق كل ما في الكون من أجل الإنسان بالمطلق (أقرأ البقرة 29-30)، وأن خلافة الإنسان الله معناه مواصلة تعمير الأرض لخدمة الإنسان على نفس طريقة خلق الله كل شيء لهذا الإنسان، فبذلك ستكون خدمته محورا لكل نشاطاتنا، وأن الإنسان مقدس بسجود الملائكة له، كما تسجد لله، وأن احتقار أي إنسان صفة إبليسيه، فلم يطرد الله إبليس من رحمته لأنه عصاه، بل لتكبره على الإنسان، فالعصيان يمكن التوبة منه، كما وقع لسيدنا آدم (أقرأ سورة ص 75-76)، لكن الكبر وإحتقار الإنسان وممارسة العنصرية ضده كما فعل أبليس الذي قال لله سبحانه وتعالى "أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين"، أي أفتخر وتكبر عليه، ولهذا السبب لم يغفر له الله إطلاقا، وهو ما يعني أن أي ممارسة شبيه بذلك معناه جرم كبير جدا ولايغتفر، دون أن ننسى بأن الله مصدر كرامة الإنسان (أقرأ الإسراء70 ).
فترسيخ هذه التصورات في ذهن الطفل كفيلة لدفعه في المستقبل إلى احترام أي إنسان كان، وجعل خدمته محورا لنشاطاته، مادام أن الله تعالى أكرمه، وخلق كل شيء لأجله، وهذا ما أسماه محمد أركون بـ"الأنسنة في الإسلام".
أننا لاننطلق من فراغ، بل من تجارب أتت بثمارها، فلنجرب لنرى، فقد آن الأوان لنوظف التصورات الفلسفية القرآنية في خطاب ديني جديد، نصنع به إنسانا فعالا، تترسخ في عمق ذاته محبة الإنسان وتبجيله والشعور بأن أي مساس بحرياته وكرامته أو إستغلاله هو جرم كبير لايغتفر.
أعلم بأن البعض سيعترض على ذلك، لأنهم يرون بأن أحد أسباب الحروب والكراهية والمساس بالحريات وحقوق الإنسان هي الأديان ذاتها، لكن فلنميز بين جوهر الأديان كما أتت في أصلها والتأويلات والتراث الديني الذي أنشأه كهنة وأيديولوجيو الإستبداد والإستغلال، ففي الحقيقة أي نص ديني يحتمل تأويل تنويري وتقدمي، كما يحتمل تأويل رجعي ومتخلف، وتتحكم في ذلك عدة عوامل كالثقافة والإنتماء الطبقي والمستوى التعليمي ومدى التفتح على العالم وغيرها، فليعلم هؤلاء بأن حتى مؤسسو الديمقراطية الأوائل في أوروبا قد أستندوا على تصورات فلسفية، أخذوها من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتأويل تنويري لنصوصه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا.. مشاريع لمساعدة المهاجرين القاصرين لإيجاد عمل وبناء


.. مصادر فلسطينية: عمليات اعتقال إسرائيلية جديدة شملت قلقيلية و




.. الجيش الإسرائيلي يحذر النازحين من العودة إلى شمال غزة


.. يونيسف: نحو 4 ملايين طفل دون الـ 5 يعانون من سوء التغذية




.. مراسل الجزيرة: أي غارة إسرائيلية على رفح توقع شهداء وجرحي لت