الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادة ومن أوجدها؟ ح4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 12 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عالم واحد متعدد
ننتقل من بعد ذلك إلى تصور متقدم بناء على المعطيات المتحصلة من الكلام السابق، فهناك عالم لا شيء وعالم شيء وهناك قوة تتحرك في الأثنين ناقلة الصورة من هنا الى هنا وبالعكسي، هذه المعادلة الثلاثية الأطراف لا تحل كل المشكلة لأنها تزيد من تعقيد الوصول إلى الجواب للسؤال الأول، هل أن هذه القدرة القادرة على التحرك بحرية بين العالمين الشيئي واللا شيئي تنتمي لأحدهما أو لكليهما أو أنها عالم أخر؟ لو كانت عالما أخر فما هي ماهيته التي أستطاعت أن تسيطر على العوالم الثانية؟ وكيف لها أن تكون فاعلة في محيط لا يجانسها ولا تجانسه في الجوهر؟ وسؤال أخر هل هذا العالم المتحكم كان حينما كان الوجود اللا شيئي موجودا قبله أو معاصرا له فقدر على أن يفهم حركته ومفاتيحها فأستولى عليه؟، أم أنه أقدم منه بالوجود لذا فهو راقب الحركة وفهم القوانين وعليه فلا مشكلة لديه أن يتحكم لأنه شهد الوجود الحدوثي الأول؟.
لو سلمنا بالأفتراض الأخير من أنه أقدم وأسبق من المادة فكيف نوفق بين كون المادة عالم قديم مطلق ثابت ووجوده قديم مطلق وثابت مطلق مع عالم أخر مواز له وقد يكون أقدم منه، والقديم المطلق لا يتقدمه حال متقدم لأن الإطلاق ينفي السبق هنا، إذا أما أن يكونا كلا العالمين قديم مطلق وثابت، وبالتالي فيكون هناك تعاصر في الحدوث والإيجاد الأول ولا فاصل زمني ولا مكاني بينهما، أو أن يكون هناك لحوق للعالم المتدخل للقديم الثابت المطلق بمعنى أن أحدهما أقدم من الأخر فتنتفي المطلقية هنا، فإذا كان كذلك معاصر فلا بد أن يكون إيجدهما في لحظة واحدة عندما أصطدم اللا مطلق بالمطلق واللا ثبوت بالثابت الأبدي نتيجة الأنفلاق الوجودي الأول وأنعدم المسافة الفاصلة بين الحدود.
السؤال كما يقول أحد المختصين فيه مغالطة علمية حين نفترض أن هناك زمان ومكان قبل وجود المادة وبالتالي ما يمكن أن يكون قياسيا هو معدوم أصلا، فلا يقاس بمعدوم ولا ينسب للعدم حدود، الكلام منطقي جدا إذا أردنا أن نبدأ بتحديد نقطة ما على لوح الزمن أو نحدد نقطة في فلك المكان وهذا يحتا لوجود المادة كحركة وحدوث، عندما نقول سابق قدين مطلق لا نريد أن نحدد الزمان بناء على نقطة خارجيى ولا يمكن أن يكون هناك زمن بناء على عدم وجود هذه النقطة، ولكن تحديدنا للقدم يعتمد على نقطة أساسية هي وجود المادة فقط، أي من نقطة الوجود التي حددها الإيجاد الأول وطالما أننا نقول ونؤمن أن المادة لا تستحدث ولا تأت من عدم إذا نحن أمام قدم تأريخي لا يستحدث ولا يفنى.
إذا الزمن هنا مطلق لأنه الوجود أساسا مطلق وأيضا قديم لعدم سبقه من أي حادث وثابت لأنه مطلق ولا بداية له كما لا نهاية له وفقا لقانون المادة وحفظ الطاقة، فالقياس هنا حقيقي وموجود ولكنه متعلق بوعي المقيس فقط، عندما نقول أن الشي (س) في الأمام لا بد أن يكون هناك تصور أن خلفه شيء سواء أكان خلفه حقيقة أو تصور، ولكن هل صحيح أن قولنا مطابق للواقع؟ الجواب بالتأكيد غير صحيح ولا يمكن للمنطق أن يقول به إلا بشرط أن يكون هذا الأمام ثابت والواقع الذي نقيس فيه ساكن وثابت، ولكن لو كان هذا (س) متحرك والحول المقاس فيه متحرك فلا أمام ولا خلف لأننا نتحرك بناء على نقطة متحركة لا يمكن أن نحددها على خارطة الزمن لتكون معيارا وحدا للقياس.
قد لا نأت بجديد حينما ننفي أن تكون هناك حالة قياسية ثابتة وهذا جزء من نظرية النسبية المعروفة، ولكن حينما نقول مطلق وقديم وثابت على وصف الوجود الأول للمادة لأننا بالتأكيد لا نملك نقطة متحركة قبل ذلك ولا نملك نقطة محتملة أو متوقعة بعد ذلك، هنا علينا أن نقر أن النسبية حتى لو من باب الفرض الأحتمالي تجافي المنطق العلمي ولا مجال للقول بها حتى على سبيل أن نثبت أن بالإمكان تصور ما لا يمكن، هنا عدمية ما قبل الوجود الأول واهمة وغير حقيقية كسابق وأقدم من الوجود لتنافي الإطلاق مع النسبية، فمن يؤمن بأن الوجود جاء من العدم كمن يؤمن بأن الخلف جاء من الأمام.
العدم كمفهوم ولد لإبراز معنى الوجود وهو أفتراض على أي حال لا يمكن لنا أن نؤمن به ولا يمكننا أن ننكره على المعنى المتداول فلسفيا، ولكن أيضا لا يصح أن نحيل أمر يراد له أن يكون واقعا أو مضافا للواقع على ما لا يمكن أن يكون جزء من الواقع أو مصداق من مصاديقه، العدم تصور ذهني فارغ أولا من كونه غير حقيقي ولا ثابت بمعنى هناك قدرة على تجسيده فهو غير شيء وغير لا شيء، لأن المعنيين السبقين يملكان مساحة وجودية ممكن إثباتها، أم العدم فهو متخلي ذاتيا من القدرة على التمثل أو الممثالة وحتى لو أثبت أحد ما مماثلة له فهو يحيلية للشيئية والوجود.
هنا نصل لنقطة نقطع بها فكرة قدم العدم وبالتالي فكرة أن الوجود لاحق له وأن اللا شيئية تعني العدم، أو صورة منه لا كمتحيل أفتراضي ولا حتى تصور ذهني خالص، العدم أذن خارج معادلة الزمن وخارج معادلة المكان وما هو خارج عنهما لا يمكن أن يكون حاضرا أو وجودا فاعلا أو منفعلا بهما، النتيجة التي نريدها والتي يجب أن ندعها كما هي بحقيقتها أن نفصل بين المتوهم والمتخيل وبين الواقع كما هو أو كما كان أو يكون، لأن نتيجة الفصل هي من تقودنا إلى أن نعيد ترتيب الفكرة بعقلانية منطقية واقعية قابلة للبناء عليها أو أستثمارها في البحث.
نعود إلى المعادلة الثلاثية السابقة التي تكلمنا عنها وهي عالم المادة بشقيه الشيئي واللا شيئي والفاعل المتدخل بينهما ونحاول أن نجد مشترك جامع بينهما، لو نجحنا بتفكيك هذه العلاقة وسبرنا أغوار الفعل داخلها وهنا الفعل ليس ما حدث خارجا أو ظاهرا بل الفعل الجوهري، يمكننا أن نصل أيضا إلى جذر المسألة، في النص الديني هناك مرتكز علمي يقول {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }الحجر21، هذا النص فيه حقائق علمية يمكن أن نذكر نتها مثلا:
• كل الأشياء في الوجود والتي هي أما مادة أو فعل مادة أو أثر مادة موجود مسبقا قبل الخلق في عالم مخزون مكنون، هذا العالم يحتفظ بأصل الأشياء أو حتى كامل الأشياء بماهيتها الكاملة، فهي لا تأت من عدم ولا تنتهي لعدم لأنها قديمة.
• أن الخالق المتكلم هنا لا ينكر أنه أستحدث الأشياء إبجادا من دون سبق وجود، بمعنى أن الخالق وظيفته فقط أخراج الأشياء من الخزائن إلى عالم الشيئية الموصوفة أو المعلمة أو المحدودة بحدودها الخاصة بلا أدنى شك.
• يثبت النص بلا شك أن فكرة العدم لا وجود لها في فكرة الخالق ولا يستند إليها في تبرير أو تعليل فكرة الخلق والتخليق، وبالتالي نفي العدم إثبات لوجود الوجود على شكل ما وتحديدا في عالم الخزائن.
• معنى الخزائن يفيد أيضا فكرة الحركة والتوسع والأحتواء المادي، فطالما أن الخزائن لم تفرغ ولم تنتهي من إخراج ما فيها بمطلق الكلام النصي فالعالم المادي متمدد ومتوسع ولا منتهي على أي حال.
• يثبت النص ولا ينفي أن المادة (الشيء) ممكن أن يكون في حالات غير التي ندركها لأن النص لا يقول عندنا في الخزائن موجود فقط، بل قال عندنا خزائنه أي مخزونه الأصلي، وبالتالي يمكن أن تكون المادة الأولى القابلة للتخليق مخزنة بصيغة عالية الكثافة فوق حد التصور يمكنها وبالقوة أن تتحول للأشياء الوجودية من خلال حركة الفاعل، وهذا يقودنا إلى فهم أن المادة هذه وبالمواصفات تلك هي أصل العالم الوجودي الحالي الشيئي، ولأنها مخزنة بطريقة البقاء تحت السيطرة الفاعلية، فهي ما زالت خام، بمعنى أنها لا تملك الشيئية المميزة لها، أي أنها لا أشياء محددة ولكنها مجرد خزين قابل للتحول بفعل الفاعل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سورة الحجر
ايدن حسين ( 2017 / 12 / 11 - 08:48 )
استاذ عباس
سورة الحجر

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ
وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ
إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ
وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ

هل يمكن الاعتماد على القران في مثل هذه المسائل المعقدة .. القران الذي يدعي انه جعل في السماء بروجا زينة للناظرين و حفظها من الشياطين و من استراق السمع
و كأن الاله نائم .. و عندما يحس ان هناك شيطان بالقرب من النجوم او الابراج .. حينها فقط يطلق الشهب لكي لا يستطيع الشياطين استراق السمع
اين هو الاله .. عندما ينوي الشيطان الاقتراب ثم استراق السمع .. لماذا لا يوقفه عند حده بمجرد ان ينوي الاقتراب
و احترامي
..


2 - مساء الخير صديقي
عباس علي العلي ( 2017 / 12 / 11 - 19:15 )
بعيدا عن الجزء الذي لا يهمنا من الموضوع والذي قد يكون له قراءة أخرى تتناسب مع العقلية التي نزل في أجوائها القرآن علينا أن نستفيد من الجزء المهم والتصور الذي لا غبار عليه متوافقا مع العلم ولا يتعارض مع القوانين الكونية الثابتة، القرآن كتاب معرفي لا نجزم ولا ننفي أنه نزل من الله الذي هو هنا مدار بحثنا، ولكن ككل النظريات المعرفية التي أنتجها العقل البشري فيه قراءات يمكن الأخذ بها وهناك جوانب إن لم نعقل غير معقولة وغير علمية نتركها للزمن وللعلم وللفهم في
أن يحدد طبيعتها على النحو الذي يصل فيها لها

اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن