الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(7)

حكمت حمزة

2017 / 12 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


دقت ساعة الوحدة المشؤومة، التي أقضيها على فراشي قبل أن أستطيع النوم، ولا أدري ما الممتع في هذا التوقيت بالذات كي تعشقه جميع أنواع المخاوف، وتهبط معا في لحظة واحدة على رأسي الصغير، وتضفي على الليل ثقلا أسوأ من الذي يضفيه البرد على موجات الظلام، حتى الظلام نفسه الذي يبدو خير أنيس ونعم جليس في الدفء، يبدو موحشا ومخيفا في الشتاء، ومع اختلاف تفكيري بشكل جذري بين الماضي والحاضر، وإقلاعي عن إدمان الإله و حبه والخوف منه وجميع المشاعر والاختلاطات التي تتعلق به، إلا أني لا زلت أرى ليل الشتاء كئيبا و يرخي بثقله على قلوب الجميع، يذكرني دوما بموت الأحبة وفراقهم، ربما لأن معظم الغوالي الذين فقدتهم في حياتي، رحلوا في فصل الشتاء، عكس ليالي الصيف التي تحسها خفيفة الظل، ورقيقة الكلمات، فتنعش العاشقين، وتداعب الساهرين بأناملها الذهبية.
جلست متسمرا كالصنم، صورة بدون صوت، وسكونا بدون حركة، أحسست نفسي إحدى قطع الزينة أو المزهريات التي توضع لتزين بها الغرف، مع فارق بسيط، أنك ترى في تلك المزهريات ورودا، ربما تكون اصطناعية وليست طبيعية، لكنها أفضل بألف مرة من الأفكار المخيفة التي تنبت أعلى رأسي في كل ليلة، وتختفي في الصباح الباكر.
مثل العادة، عندما أكون في حالة كتلك الحالة، في تلك الفترة من حياتي، أكون من اللامعين في طرح الأسئلة، دون أن أستطيع إيجاد جواب واحد شافٍ أو مقنع...بدأت تلك الأسئلة اللعينة في البزوغ من كومة الشعر تلك، هل سيغضب الله إذا لم أذهب إلى المسجد؟ هل سأصبح كافرا أو سأطرد من رحمته؟... عم الصمت الفكري داخل جمجمتي قليلا، ثم ما لبثت أن عادت للعمل مرة أخرى، ولكن بشكل أكثر تفاؤلا، وأمل يشع نوار أكثر بقليل من البصيص، ألا يعلم الله أن الطقس بارد جدا هنا؟ من المؤكد أنه يعلم وهو العارف بكل شيء.
تذكرت فجأة أن الرحيم أحد أسماء الله، تزامن تذكر اسمه مع إحدى المجالس الدينية التي كنت أحضرها، وكان الشيخ يشرح عن معنى الرحيم، وكيف أن الله يغفر الذنوب والخطايا الصغيرة والكبيرة لعباده، باستثناء أن تشرك مع الله إلها آخر طبعا...عندها قلت لنفسي: أنا واثق بأن الله سيقدر الظرف هذا وسيغفر لي عدم صلاتي في المسجد بجوف الليل، كيف لا وهو الرحيم، ليس رحيما فقط بل غفور أيضا. أحسست حينها بأني اكتشفت اكتشافا عظيما، وغمرتني سعادة يشوبها عدم ثقتي الكاملة بما توصلت إليه، حينها ارتاح دماغي من الأرق اليومي المعتاد، وبدأت أحس برغبة في النوم، لم أفكر كثيرا بما وصلت إليه من استنتاجات، ولكني صممت بيني وبين نفسي أن أذهب إلى شيخ آخر لأسأله عن الموضوع.
الغريب في الموضوع، أنني تلك الليلة لم أفكر بأبي، ولا برأيه أو حتى بعقابه الذي كنت أظنه أحيانا أقسى من عقوبات الله نفسه، و كأني حذفت أبي من قائمة المراجعة الليلية اليومية...بالنسبة لي طبعا كان ذلك يعني تقدما كبيرا، أشواطا شتى كنت أظن اني بحاجة لسنوات كي أقطعها، وعقبات تحتاج متفجرات من نوع إرادة وتصميم شديد التدمير لتجاوزها، لكن الأمر حدث بسرعة، حتى أنني لم ألاحظ ذلك في تلك الليلة، ولم أنتبه إلا بعد سنين، عندما وضعت شريط ذاكرتي في آلة العقل وراجعته، وبدت لي الفروق الشاسعة، واللحظات المصيرية المفصلية التي شكلت منعطفات فكرية زادت من شدة التجاعيد في قشرتي المخية.
رن المنبه البشري، صوت أبي الذي يوقظني يوميا لصلاة الفجر، والمشكلة مع هذا المنبه أنه لا يملك زرا تضغطه لإيقاف التشغيل، كما أنه لا يعمل بالبطارية كي تنفذ وتريح نفسك قليلا:
- هيا يا حكمت قم كي تتوضأ وتذهب إلى المسجد
- أريد أن أصلي في المنزل اليوم.
- لماذا يا ولد، هل أنت مريض أو ما شابه ذلك.
- لا لست مريضا، ولكن البرد شديد في الخارج، أكاد أموت من شدة البرد ريثما أصل إلى المسجد، لم أعد أستطيع تحمل البرد هذا.
- قم إلى المسجد لعنك الله، أتعتبر هذه حجة لتتخلف عن واجبك تجاه ربك، أم أنك ستصبح متراخيا ضعيف العود وعديم التحمل، أنا عندما كنت في مثل سنك كنت أستيقظ قبل الصلاة لأضع الطعام للأبقار في الحظيرة، وكان البرد أشد قسوة من الآن ورغم ذلك كنت أتحمله، أم لأنك عشت في المدينة ستصبح طريا.
- لا أدري يا أبي، ما أعرفه أني لم أعد قادرا على تحمل البرد وسأصلي في المنزل.
ثارت ثائرة أبي، وبدأ يصرخ ويكيل لي الدعوات بعدم التوفيق والموت من البرد، واستل من شماعة الملابس المثبتة على الحائط حزاما جلديا، وأسعفني بثلاث أو أربع ضربات من العيار الثقيل، وهنا كانت المفاجئة التي انزلقت من لساني دون سبق إصرار أو ترصد:
- ضربك يشعرني بالدفء أكثر، أفضل البقاء والصلاة هنا مع تلقي ضربات حزامك، على المشي خارج المنزل في هذا الصقيع، لا تتعب نفسك فتحمل الضرب أيسر عندي من الوقوف في الخارج لدقيقة.
بما أن الحوار كان يجري، وأنا في فراشي وتحت الأغطية، فقد ساعدني ذلك على تحمل الضربات، أما أبي فكان متفاجئا جدا ومذهولا من جراتي وردي، فهو اعتاد مني الخضوع والاستسلام والذل، شأنه شأن الله الذي لا يحب عبدا إلا إذا كان خاضعا مستسلما وذليلا.
تجمد ابي من هول الحادثة للحظات، ثم تابع ولكن بلهجة أقل حدة:
- هل تريد أن يغضب الله عليك، أتريد أن يعذبك ؟ ها قل لي، أجبني.
تذكرت حينها تلك الأشياء التي اكتشفتها البارحة قبل النوم، قلت لنفسي حان وقت استخدامها فأجبته:
- ألا ترى الطقس شديد البرودة، ألا يكفيني الماء البارد لذي أتوضأ به، ثم إن الله غفور رحيم، يعرف ظروفنا جميعا ولا بد أنه سيسامحني ويقدر ظرفي، إلا إذا كنت لا تعرف أن الله غفور رحيم.
دخل أبي في مرحلة من الصمت، لم يشأ أن يرد، أو ربما لم يدرِ بما يرد، لكنه أخبرني بأن أقوم وأصلي قبل أن تطلع الشمس كي لا يفوتني الوقت، فعاجلته بقول كلمة حاضر.
نسيت الاهانات، ونسيت الضربات، نسيت الألم والبرد، وقفزت فرحا من سريري إلى الحمام كي أتوضأ، و كأني انتصرت في حرب عالمية وسيطرت على نصف الأرض الآخر الذي لم أكن مسيطرا عليه، لأن تلك المرة الأولى التي أفعل ما أقوله، كانت معارك كهذه دوما تنتهي بانتصار إرادة أبي وتنفيذ ما يأمر به (هو الآخر كان أيضا يحكم المنزل باسم السماء) ، المهم هو أني كسبت الجولة الأولى في حياتي، وأحسست حينها أن السكوت والخضوع والخنوع لا يجلبون لصاحبهم السلام، على العكس تماما، فهم يجلبون العذاب، والاهانات، والعصا السحرية التي تقوم بتحويل الخاضع إلى مطية، يركبها من يشاء وقت ما يشاء.
صليت ركعتي الفجر، حمدت الله قليلا وسبحته، مع رشة خفيفة من توابل الصلاة على رسول الله، هذه هي وصفة صلاة الفجر بكاملها، تناولتها كاملة، و انسليت إلى الطبقة الفارغة بين الفراش والأغطية التي ترمي جثثها فوقه...بعد أن كبرت وتركت الدين، أدركت أن تلك الأغطية أفضل من الله، فهي تنذر نفسها وأجسادها لتدفئتنا، أما الله فكل ما يفعله هو لوضعنا في تلك الحفرة التي جميع أبناءها ألسنة من لهب.
أظن أني حتى عندما غفوت يومها فإن الضحكة كانت مرتسمة على شفتي بدون شعور مني، احساسي بذلك الوقت كان كإحساس عمال وفلاحي روسيا حينما خلعوا القيصر، فقد وجهت أولى الطعنات إلى الفكر المستبد، على أمل أن عودي بدأ يشتد وحان وقت تغيير الوضع العام إلى أفضل، فليس من المعقول أن أتحمل هذا الوضع طوال عمري، لا بد أن يبدأ التغيير، ولا بد من انتهاء عصر الظلم وكسر حاجز الخوف.
بعد سبعة و عشرين عاما من الحياة في هذه الحياة، استنتجت أنه ليس فقط الحكام والدول المتخلفة تحكم باسم الدين من قبل سلاطينها وطواغيتها وجلاوزتهم وزبانيتهم، بل حتى الآباء أيضا، فهم يريدون فرض سيطرتهم على عائلتهم بفتوى شرعية أتاحها لهم الدين الاسلامي، و رغم سوء الفتوى، إلا أنهم يزيدونها سوءا بسوء فهمهم وتشددهم في الأمور التي يرونها لصالحهم، فالولد أو الشاب أو الفتاة عندما يطالبون بحقوقهم كبشر لدى أهلهم، فإنهم يواجهون بتزمت الأهل وتعصبهم، كيف لا وسلاح عقوق الوالدين التي تعتبر من السبع الموبقات في يدهم، فلا يحق لك (شرعا) أن تخالفهم في الرأي إلا إذا أمروك بالكفر، وهذه العتبة من السهولة بمكان، تجعل من الأهل أذكى بكثير من تخطيها أو لمسها حتى...إضافة إلى غضب الأهل الذي يعد من الأسلحة المحرمة دوليا بالنسبة لهم، فهو سلاح ردعي ولا يستعمل إلا في الحالات القصوى، ولكنه إن تم استهدافك به في لحظة من اللحظات، يعتبر بالنسبة لك بداية النهاية، لأن حياتك ستبدأ بـ(التدهور) إن (غضب) أهلك عليك، وهذه إحدى نقاط ظلم الإله للكثيرين في ريعان شبابهم، بسبب منحه لهم سلطة مطلقة، وشاملة في إطلاق صاروخ الغضب على دفاعات الأبناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نوافل او توابل للصلاة .... سيان
محمد الربيعي ( 2017 / 12 / 11 - 18:46 )
ستسجل في ميزان حسناتك رشة توابل الصلاة على الرسول اضعافا مضاعفه أستنادا الى الأيه مثقال ذرة خيرا يره .... وبعدين التوابل والبهارات وين اكو احسن منها ... ؟؟


2 - السيد محمد الربيعي
حكمت حمزة ( 2017 / 12 / 11 - 23:16 )
لك نصفها إن تضاعفت....عموما لا شيء افضل من البهارات وخصوصا اذا كانت بنكهة لاهوتية


3 - السيد محمد الربيعي
حكمت حمزة ( 2017 / 12 / 12 - 00:10 )
سأعطيك نصفها اذا تضاعفت....عموما لا يوجد أفضل من التوابل وخصوصا إذا كانت بنكهة لاهوتية

اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah