الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أنا يازمن؟

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 12 / 12
الادب والفن


أرحل إلى الطفولة، ثم الشباب، والشيخوخة، أعكس الطريق فأمرّ من الشيخوخة إلى الطفولة، ولا شيء مميّز يشدّني إليه. ذلك الشغف العميق بالحياة، والحبّ، والأمل يصاب بانتكاسة على الدوام، أسير في درب غير الدرب الذي أردت، ولا أزرع ما حصدت، فخيباتي كانت غير مرئية إلى أن انفجرتْ بعد أن تضخّمت إلى حدّ الموت.
من أنا يا زمن؟ لم أكن أحمل ذاتي التي أراها اليوم. هي أجمل من ذاتي السّابقة فقد كانت مرهونة، مغتصبّة، مقهورة، و كانت أبوابي متاحة أمام الرّياح، وأكثر الرياح التي دخلت منها هي رياح السموم.
من أنا يا زمن؟
أعرفني. أحبّ الحياة، واعتلاء الموج. أحبّ الحضور، أعرّف عن نفسي بلغة سهلة بجسدي الطموح ،ولغة عيناي الذابلتين، وتكون حكاياتي المنسيّة عائقاً أمام القدر، فلا هو يمرّ، ولا أنا أستطيع العبور.
يعيّرني الزّمن بأنّني لا أكفّ عن الطّلب. متطلّبة في كلّ أموري. نعم. خلقت لأعيش، وكلّما رأيت الجمال قطفت منه، لا أرغب أن أصبح قديسة تعيش في معبد فغداً يغمرني التّراب، وتبقى روحي تحلّق في أماكن أحببتها، ولم يتح لي الحضور فيها. لم أكن أفهم لعبة العيش، ولا أدّعي أنّني فهمتها اليوم . أشعر أنّني في متاهة لا أستطيع حلّ لغزها، لأنّني لم أجربها، ويمرّ الغير منها، وكأنهم يمشون على خريطة مرئية أراهم وقد غادروها. أناس لم أكن أعتبر أنّه يمكنهم قراءة حتى اسمهم، وإذ هم يتمتّعون بذكاء يفوق ذكائي. صحيح أن سيماء التّخلف بادية على وجودهم، لكنهم لم يطمسوا أناهم بل جعلوها أعلى من كل المقدّسات، بينما لازلت أبحث عن القيم في حاوية قديمة.
هل فعلاً كنا نحمل قيماً حقيقيّة؟ بالطبع لا. جميعنا نتحلى بقيم جوفاء، لكن البعض يدّعي أنه يمارسها عندما يتخلى عن المزاج العام، ويبدو ثائراً ، ويقدم نزواته تحت اسم القيم. أما نحن- أصحاب القيم الجوفاء-فقد ربتنا أمّ واحدة على الاستقامة الزائفة، فكان المجتمع كلّه زائفاً.
من أنا يا زمن؟
عندما أرتحل إلى عوالم غير مرئيّة، أمرّ على القلوب، أتخاطر معها، تبدو متفحمّة من نار الغلّ والحقد. أبكيهم. أتمنى لو أنهم لم يحرقوا قلوبهم بل فتحوها لنسيم الحياة، ثم أعود إلى عالمي، وأنا أسألني: هل سوف تصلحين العالم؟ نعم أحياناً أعتقد أنني سوف أصلحه. بل أنا واثقة من مقدرتي على إصلاحه. لكنك زمن صامت لا تشير إليّ، ولو بشكل عابر، فلطالما علّمتك تدوين الذكريات على مفكرة الأيّام؟
يمر الزمن من حولي، من فوقي، من تحتي، ويشيخ من كثرة الدوران، أراقبه وأنا ألمع في عزّ الشباب. لم يستطع أن يحني رأسي. فقط يداي ترتجفان عندما أكبت فرحي. لذا أفتح الباب على مصراعيه للفرح، ويهبّ عليّ الفرح من كل صوب، فتنزل دموعي كالأنهار.
من أنا يا زمن؟
سوف أعرّفك بي. هويتي مفتوحة دون زمان ، أو مكان. أحبّ جميع الأماكن التي أعيش فيها، وكلّما انتقلت إلى مكان أشعر أنه المكان المناسب لي لعدة سنوات، ثم تبدأ نفسي تقلقني. ترغب في الرحيل إلى أماكن جديدة، ولا أستطيع صدّ رغباتها، أحمل حقيبة شبه فارغة، وأسافر مملوءة بروح المغامرة والبحث عن كلّ جديد في هذا الكون. هذه هي أنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا