الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منزل الحاجة رخيصة

فاروق عطية

2017 / 12 / 13
سيرة ذاتية


ذكرت في المقال السابق أنني بعد النجاح في الثانوية العامة، وأن مكتب التنسيق وجهني لكلية طب أسنان. كان علي أن أتوجه للقاهرة الكبري خاصة مدينة الجيزة للبحث عن سكن مناسب للإقامة علي ألا يكون بعيدا عن مقر الكلية "11 شارع السرايا بالمنيل"، وفي نفس الوقت ألا يكون مرتفع الإيجار. نصحني العارفين ببواطن الأمور أن أبحث عن ضالتي في المناطق الشعبية مثل شارع أبو هريرة المتقاطع مع شارع المأمون بالجيزة، يذلك يمكنني السير إلي الكلية مشيا عبورا بكبري عباس دون تجشم عبء مصاريف المواصلات. بالطبع كان علي أن أستقر قبل بداية الدراسة (منتصف سبتمبر) بمدة كافية. سافرت من مدينتي إلي القاهرة في بدايات أغسطس ونزلت ضيفا لدي خالي رحمه الله الذي حاول أن يثنيني عن البحث والبقاء معه بشقته السكنية في عمارة بشارع الجيش القريبة من ميدان العتبة حيث يمكنني ركوب الترام أو الأوتوبيس من أول الخط متوجها للكلية بيسر، لكنني فضلت أن أكون مستقلا وبدأت مشوار البحث عن ضالتي.
في شارع أبو هريرة أثناء بحثي تعرفت بالصدفة علي أخوين، أسامة عبد المنصف وأخوه الأصغر حمزة، علمت منهما أنهما طالبان بمدرسة السعيدية الثانوية منتقلان معا إلي السنة الثالثة (كان نظام التعليم قد تغير وأصبحت المرحلة الثانوية ثلاث سنوات، بعد استقطاع السنتين الأولتين منها وضمهما للسنة الأخيرة من المرحلة الابتدائية وأطلقوا عليها المرحلة الإعدادية، وصارت المرحلة الابتدائية ثلاث سنوات فقط). ساعدني الأخوين علي الحصول علي غرفة علي سطح منزل بقّال يدعي رياض بالقرب من مستشفي أم المصريين، وكان أيجارها الشهري جنيهان. وساعداني أيضا علي شراء المستلزمات المطلوبة كالسرير والمكتب ومنضدة صغيرة وعدد من المقاعد. استمرت صداقتنا وكنا نلتقي يوميا في غرفتي ونجلس خارجها ليلا للاستمتاع بالهواء لنتسامر ونستمع لأغاني المطرب الناشئ عبد الحليم حافظ. وكثيرا ما اصطحباني إلي منزلهما، حتي اعتبرت والديهما كوالدي آخذ رأيهما في كل ما يخصني. وعرّفاني بصديقين حميمين لهما هما سيد كامل وإميل زكي، والأصدقاء الأربع في نفس السنة الدراسية بنفس المدرسة، وصرنا خماسي لا يفترق حتي بدأت الدراسة فصارت مقابلاتنا في أيام الجمع، وأحيانا يحضرون جميعا أو أفرادا إذا احتاجوا شرحا لأحد المواضيع في الكيمياء أو الفيزياء. وبعد فترة عرضا علي أن أشارك قريب لهما (علي سلامة) طالب بكلية أصول الدين السكن، بحثنا عن شقة سكنية من عرفتين فوجدناها في شارع متبولي المتفرع من شارع أبو هريرة (قريبا من مساكن الأصدقاء الأربع) بمنزل الحاجة رخيصة. ومنزل الحاجة رخيصة مكون من ثلاث أدوار، كل دور به شقتان، والدور الربع به شقة واحدة فقط أمامها فراغ "سطح"نظيف. كان جميع سكان منزل الحاجة رخيصة من العزّاب (غير متزوجين) موظفين أو طلاب، وكانت شقتي أنا وعلي سلامة في الدور الرابع، وإيجارها الشهري 4 جنيهات نتقاسمها سويا.
كان زميل السكن رغم أنه يدرس أصول الدين وعند تخرجه سيعمل أمام لأحد المساجد ليصلّي بالناس ويعظهم، لكنه كان بصباصا مولعا بالنساء، وكثيرا ما نصحته أن يحترم دراسته ويقوّم نفسه قبل أن يقوم الناس وكان يرد علي قائلا: هذه نقرة وتلك نقرة وإن لبدنك عليك حق، أيضا كان رعديدا يخاف البقاء بالشقة بمفرده لأنه سمع من الجيران أن سيدة كانت تسكن بشقتنا وقد انتحرت حرقا، كان يخاف أن يطلع له عفريتها. وكان يجبرني أن أترك باب غرفتي مفتوحا عندما نذاكر ليستأنس بوجودي. ذات يوم أراد أن يرعبني، عندما عاد من دراسته مساءا راح يطرق الباب بعنف ثم يختبئ، كرر ذلك مرتين وفي المرة الثالثة كمنت له خلف الباب وقبل أن يطرق الباب طرقته أنا من الداخل بعنف فأصابه الهلع وصرخ عاليا، ففتحت الباب وحاولت تهدئته، في تلك اللحظة سمعت الحاجة رخيصة الجلبة والصراخ وكانت شقتها بالدور الأرضي، فأرسلت فتا كان لديها ليستطلع الأمر، وقبل أن يصل الدور الثلث ألقمته بقطعة من الطوب فهرول عائدا وسمعته يقول لها: مفيش حاجة يمكن الجلبة من عند الجيران.
كان يسكن بالشقة أسفل شقتنا (الدور الثالث) جاويش شرطة أعزب من الشرقية، وكانت أخته في زيارته لعدة أيام. وذات يوم جمعة وكان الجو مشمسا فخرجت خارج الشقة ومعي مقعدا وجلست استدفئ شمس الشتاء، صعدت أخت الجاويش أيضا لنفس السبب، ألقت عليّ تحية الصباح ثم طلبت مني أن أكتب لها رسالة لخطيبها في الزقازيق، أحضرت لها مقعدا، راحت تملي علي ما تريد كتابته، وفجأة حضر شقيقها وحين لم يجدها في الشقة صعد إلي السطح فوجدها بجواري وأنا أكتب خطابها، ظن أننا في جلسة غرامية فاشتاط غضبه وجرّ أخته من شعرها، وهو في طريق نزوله قال لي مهددا: أما انت ياسي روميو حسابك في القسم عما قليل. في نفس الوقت حضر سعيد "الشقيق الأصغر لصديقي سيد كامل"ليري إذا ما كنت في حاجة لشيئ يؤديه لي كعادته، فقلت له أسرع ألي شارع المأمون واخبر الباعة الصعايدة أن واحد صعيدي يتعرض للضرب ويحناج المساعدة، لم تمر عشر دقائق حتي كان شارع المتبولي مليئ بالصعايدة المدججين بالشوم يصيحون قائلين: فين النطع اللي عاوز يعتدي علي راجل صعيدي، إن كان جدع وراضع من بز امه يورينا خلقته، فخرجت لهم شاكرا وأكدت لهم أنه قد اعتذر، فطلبوا أن يسمعوا اعتذاره، فطلبت من سعيد أن يطلب من الجاويش أن ينزل بسرعة قبل حدوث ما لا يحمد عقباه ففعل، وظهر الجاويش وعلي ثغره ابتسامة ووضع يده علي كتفي وقال لهم: خلاص يا رجالة.. كانت ساعة شيطان وانتهت علي خير واحنا سمن علي عسل، فقالوا له مهددين: خللي بالك ده ولد عمنا واللي يمسه بالمية نقطعوه والدبان الأزرق ميشوفلوش جتة. شكرتهم وانصرفوا بسلام ولم أر من الجاويش بعد ذلك غير كل احترام.
كانت الحاجة رخيصة تضع عدادات الكهرياء لجميع الشقق بشقتها وتبيع لنا الكهرباء بجنيهان شهريا، وحتي لا نستهلك الكثير كانت تقطع النور في الواحدة صباحا. كنت أيام الدراسة أقضي طوال النهار في الكلية من الثامنة صباحا حتي السابعة مساءا "بعد انتهاء المحاضرات والمعامل" وأعود مرهقا لأنام بضع ساعات استيقظ بعدها لآكل ثم أبدأ المذاكرة، وفي الساعة الواحدة صباحا تنقطع الكهرباء، فأسرع هابطا وأطرق باب الحاجة رخيصة أرجوها إعادة التيار، فتقول لي كاذبة: معلهش يا ابني الفيشة وقعت لوحدها، وتعيدها. ولما تكرر الأمر مرات عديدة، وفي نفس الوقت كنت قد حولت دراستي إلي كلية العلوم بالعباسية، أنذرتها بأنني سوف أترك الشقة بعد أسبوعين"حسب القانون" فظنت أنني مستاء من قطع الكهرباء. فقالت لي: خلاص يا ابني متزعلش ومش هاقطع الكهربا من شقتك تاني وكمان هابسطك.
في حوالي الثانيةعشر ليلا سمعت طرقا علي الباب، وحين فتحت وجدت فتاة جميلة ترتدي قميص نوم أحمر شفاف يظهر كل تقاطيع جسدها اللدن، حاولت الدخول. قلت لها: من أنتي وماذا تريدين ؟. قالت لي في دلال: أن حسنية وانتم اللي عاوزيني. قلت لها: مين قال لكي أننا عاوزينك ؟. قالت: أبلتي الحاجة رخيصة هي اللي قالت لي، وقالت لي أبسطكم وماخدش منكم ولا مليم وهي اللي هتدفع لي. حاول علي سلامة جذبها للداخل فمنعته وأخذته للداخل وهمست في أذنه: لا تتهور ربما رخيصة مدبرة لنا مكيدة هي والجاويش مصطفي، وإذا كنت مصرّ أن تنالها ليكن علي السطح خارج الشقة. حاولت أن أطردها وأقفل الباب، فأجهشت بالبكاء وهي تقول: إذا لم تدخلوني المعلمة تقطع عيشي ؟. سألتها: من المعلمة ؟. قالت: الحاجة رخيصة هي المعلمة اللي بتسرحنا وإذا رجعت سوف تعاقبني. قلت لها ممكن نعطيكي حصير وبطانيتين تنامي علي السطح وفي الصباح ترجعي للمعلمة وتقولي لها كله تمام. فوافقت وباتت ليلتها خارجا. وهذه الحادثة فسرت لي سبب عدم موافقة الحاجة رخيصة أن تسكّن أي من شقق منزلها لعائلات، وتفضل عليهم العزّاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل