الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهور الفيسبوك العراقي والمصري..مقاربة سيكوبولتك

قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)

2017 / 12 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


جمهور الفيسبوك..العراقي والمصري
مقاربة سيكوبولتك
أ.د.قاسم حسين صالح
مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية
ما كان في توقعات جامعة هارفرد ان يتحول موقعها الألكتروني الخاص بطلبتها الذي ابتكره مارك زوكربيرج و داستين موسكوفيتز وكريس هيوز في 2004 الى وسيلة تواصل اجتماعي يستخدمها أكثر من مليار في قارات العالم.وما خطر ببال المناضلين العراقيين في اربعينيات وستينيات القرن الماضي ان يأتي زمن يستغنون فيه عن رسائل كانوا يلفونها لف سيجارة (المزبن) فيما هي تصل في اللحظة الى من يريدون ابلاغه في موعد تظاهرة او اجتماع حزبي.
وكان زمن الفيسبوك العربي هو العام 2011،وكانت الدهشة (المعجزة) أنه اسهم في الاطاحة بأقوى ثلاثة أنظمة عربية دكتاتورية فاسدة.والمفارقة أن الثورات في التاريخ ارتبطت بأسماء اشخاص،زعماء،قادة،ابطال،الا ان بطل ما حدث للعرب في (يناير، فبراير، 2011) كان بائع خضار راح يشكو حاله الى الحكومة لتساعده في قوت أسرته،فصادرت بضاعته ودفرت عربته برجلها شرطية مع صفعه بيدها الى وجهه مصحوبة بتحقير ومسبّه.وما كان لـ" بو عزيزي" الذي احرق نفسه في( 17 كانون الأول/ديسمبر 2010) ان يكون بطلا ويحظى بالشهرة لولا الفيسبوك!
وكان بامكان الفيسبوك ان يطيح ايضا بأفسد وأفشل حكومة في العراق او يجبرها ،في الأقل،على تحقيق مطلب واحد من مطالب المتظاهرين..اصلاح القضاء مثلا دعك من محاكمة الفاسدين الذين وصفتهم المرجعية بالحيتان واللصوص.

فما السر او السبب الذي عطّل وظيفة الفسيبوك في تحقيق مطلب في العراق يعدّ ثانويا بالمقارنة مع ما حققه في مصر؟
كنا اجرينا استطلاعا بتاريخ( 4ايلول 2016 ) نشر في المدى بعنوان (العراقيون والفيسبوك الذي خذلوه)،واعدنا الأستطلاع نفسه في (4 كانون الأول 2017) لنتقصى واقع (الفيسبوكيين) العراقيين ومقارنته بواقعه في مصر للوصول الى مقاربة سيكولوجية سياسية بين الجمهورين،فوجدنا في الفيسبوك العراقي ان الذي ينشر صورته الشخصية يحصل على مئات التعليقات والاعجابات،فيما الذي ينشر موضوعا سياسيا او ثقافيا يحصل بالكاد على عشر تعليقات وبقدرها او يزيد قليلا من الاعجابات.ولقد تبين ان جماعة منهم مصابة بعلتين سيكولوجتين:النرجسية الاستعراضية والسعي الى الشهرة بهدف التباهي بكثرة المعجبين من خلال نشر صور باوضاع مختلفة تتكرر لدى البعض اسبوعيا دون ذكر المناسبة!.
وباستثناء المناسبات الاجتماعية الهادفة،فان أهم النتائج التي خرجنا بها هي ان الفيسبوك صار لدى اغلب العراقيين وسيلة تنفيس وتفريغ عما اصابهم من احباطات وخيبات،بعد ان مارس في البدء دور الناقد والناصح للحكومة والبرلمان،ثم التحشيد ضدهما،وانتهى في آب 2016 الى ان يتخلى اغلب العراقيين عن وظيفته في التحريض المشروع،ليتحول الى ممارسة السخرية والاستهزاء من اشخاص في الحكومة والبرلمان،ونشر فضائح او افتراءات عن هذا وذاك في السلطة..ظنا منهم انها ستؤدي الى تسقيطهم سياسيا.
ولقد اعدنا الاستطلاع في الشهر الأخير من عام 2017 ،فكان الحال ذاته،مع نتيجة غاية في الأهمية،هي أن السخرية من اشخاص في الحكومة والبرلمان التي كانت شائعة في الفيسبوك قبل سنة ونصف،تحولت الآن الى السخرية من الشعب العراقي!.والمؤلم انهم ما عادوا يهتمون حتى بالقضايا التي تتعلق باوضاعهم البائسة. فعلى سبيل المثال،احدثت قضية احالة نواب رئيس الجمهورية الى القضاء في( 3 كانون اول 2017) ضجة اعلامية وحكومية وشعبية،ومع ذلك فان المنشور الخاص بهذا الحدث حصل ستة تعليقات و25 اعجابا،فيما حصل منشور يخص تناول غداء بين اثنين على 95 تعليقا و225 اعجابا،ما دفعنا الى أن نتوجه بهذا التساؤل:
( لو ان مثل هذا الحدث حصل في مصر قبيل ثورتها،فكيف سيكون الفسيبوك،مع ان العراقيين يعيشون الآن بداية ثورة ضد الفاسدين؟)..اليكم نماذج من الاجابات كما هي:
• دكتور،اعتقد الأحباط اصاب كل العراقيين سبب لنا حالة من اليأس
• ان الملل وفقدان الامل من الذي حصل ويحصل على مدى عدة سنوات جعل الكثير يسمع اكثر مما يتكلم وينتظر الاخر يتصرف ليتفرج وهنا الكارثة
• او ليس هذا هو التدهور الذي اكتسح الشخصية العراقية!
• واقع مجتمع مرير لا يلفت انتباهه في مواقع التواصل الاجتماعي سوى المظاهر البراقة
• هذا مؤشر على احباط يعيشه الفرد العراقي ويعكس حالة القنوط
• الظاهر نحن لا نريد الحياة والا ما جعلنا هؤلاء يحكمون بلدنا
• التجهيل وابتعاد المثقفين عن تنوير الشعب بما يجري
• اذا فرضت على الانسان ظروف غير انسانية ولم يتمرد فسيفقد انسانيته شيئا فشيئا (جيفارا).
والمؤلم ان كثيرين وصفوا الشعب العراقي بأنه (همج رعاع ينعقون وراء كل ناعق / شعب الشعليه/خاضع وخانع للحكام منذ نشأته / ننتظر الجندي الأمريكي لتخليصنا من هذه الشرذمة الفاسدة التي خربت ودمرت وعاثت فسادا لأن الشعب لا فائدة منه / سيعيدون انتخابهم لأيمانه بأن الشين اللي تعرفه احسن من الزين اللي ما تعرفه / المثقفون او المدعون بالثقافة ..معظمهم انتهازيون بلا ضمير يلطمون بكل عزاء.
جمهور الفيسبوك المصري
من بين عشرات المقالات ،اخترت لحضراتكم مقالة نشرتها The New York Times) )
بعنوان How an Egyptian Revolution Began on Facebook)) تؤكد فيه أن الفيسبوك(لعب دورا تنظيميا أساسيا في اسقاط رئيس اكبر دولة عربية،وان شرارة الثورة انطلقت على يد شباب من مواقع التواصل الاجتماعي ). وتروي الصحيفة كيف تم اعتقال مؤسس صفحة الفيسبوك المصرية (وائل غنيم، 29 سنة) بعد يومين من اندلاع الثورة، وصفحة (كلنا خالد سعيد، 28 سنة) الشاب (الاسكندراني) الذي مات تحت التعذيب..وكيف استطاع الفيسبوك ان يحشد ملايين المصريين في ساحة التحرير ليكون هو بطل (ثورة 25 يناير/كانون الثاني2011)،التي اندلعت احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة ،وعلى ما اعتبر فساداً في ظل حكم الرئيس محمد حسني مبارك، مع انه لم يكن بحجم فساد قادة احزاب الأسلام السياسي في العراق!
المقاربة:
يكمن السبب الرئيس في تركيبة الشخصيتين المصرية والعراقية.وبالصريح فان الاحداث ولّدت لدينا الشعور بان المصريين يحبون مصر اكثر من حب العراقيين لوطنهم العراق..وهذا يعود الى ان (المواطنة) متأصلة لدى المصري اكثر من تأصلها لدى العراقي..لعدة اسباب اهمها:
- ان المصريين هم الذين اسقطوا نظام حسني مبارك،فيما اميركا هي التي اسقطت نظام صدام حسين..وشتان بين الحالين،فالأول يوحّد الشعور بحب الوطن ويعزز لدى اهله دافع التحدي لأسقاط أية حكومة تنفرد بالسلطة وامتيازاتها،فيما الثاني يضعف هذا الشعور.وبالتحليل السيكولوجي فان الجماهير التي تنجح في اسقاط حكم مستبد فاسد يتعزز لديها فعل التمرّد وروح التحدي وتنجح في اسقاط نظام حكم يليه يفشل في تحقيق المطالب التي ثار من اجلها..وهذا ما حصل للمصريين في اسقاطهم حكم الأخوان،فيما عجز العراقيون عن احالة فاسد واحد للقضاء نهب المليارات.
- يوحّد غالبية الشعب الشعب المصري مذهب اسلامي فيما يتوزع العراقيون بين مذهبين اسلاميين،ما يعني أن الحاكم الفاشل الذي يثور عليه نفس افراد طائفته لا يجد لفشله تبريرا طائفيا،فيما الحاكم في العراق يغذي الشعور االطائفي ويشيع الخوف فيهم ان ازيح عن الحكم .
- ان السياسيين العراقيين محميين من قوة عالمية هي اميركا ومحصنيين امنيا بمساحة 10 كيلومتر مربعا ،فضلا عن ان لدى كل مسؤول كبير فوج عسكري يحميه ،فيما السياسيون المصريون وجها لوجه امام الشعب.وهذا يعني سيكولوجيا ان الشخصية المصرية ما عادت تخشى حكومتها وان تنامي الشعور بالمواطنه لدى المصريين صار يخيفها ،فيما شعرت الشخصية العراقية بالعجز من اصلاح الحال عبر تظاهرات بدأت من شباط 2011،وصاروا يتبادلون عبارات التيئيس وان (الوطن انباع).
ان الخطيئة الكبرى التي يمارسها جمهور الفيسبوك العراقي هي انه يحمّل الشعب العراقي بقاء سوء الحال ويصفه بأنه غبي،مع ان دراسة اجنبية حديثة توصلت الى ان الشعب العراقي هو اذكى شعوب المنطقة.وتصرفه هذا يعني سيكولوجيا انه يمارس آلية (الترحيل) بتحميل الشعب تهمة الخنوع وتبرئة ذاته مع انه من هذا الشعب،فضلا عن خطيئة ثانية يمارسها مثقفون في اشاعة الأحباط بين جمهور الفيسبوك.
على ان الرهان يكون بممارسة جماهير ساحات التحرير وشوارع الثقافة (المتنبي..) بخلق فيسبوك يشيع روح التفاؤل،وأن(لا يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه)،وعليهم ان يستنهضوا بمنشوراتهم الكامن في الشخصية العراقية،فمن قبل الاسلام وصف العراقيون بعنفوانهم وانهم (ما استسلموا لضيم ولا رضخوا لظالم ولا انبطحوا لسلطة!).
12/12 / 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا