الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المادة ومن أوجدها؟ ح7_1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 12 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أساطير الأولين هل جاءت من فراغ؟
لا شك أن الحضارات الإنسانية القديمة كان لها تصور مهم وفيه جانب من الحقيقة لو أخذنا زبدة الفكرة فيها دون أن نتشعب بالملتصق بها من الفهم البشري اللاحق، هذا الأمر يدعو الإنسان إلى العودة لبدايات التفكير في مسألة الخلق والوجود ويتابع معها سيرتها التأريخية، فليس كل أسطورة هي وهم وخيال، فمنها من له جذور دينية قد تكون سماوية أو لها مصدر غيبي كمت نؤمن اليوم نحن بأدياننا، ومنها ما هو نتاج التأمل والتفلسف العميق والنظر البشري لإشكالية لم ينفك منها الإنسان لليوم.
الأساطير القديمة ولو تابعنا صورها الجوهرية ومفردات الفكرة بعد تجريدها من اللواحق سنرى أنها جميعا تشترك في قضية واحدة هي مسألة القدم الزمني والقوة المتحكمة على المادة، هذا يعني أن العقل الإنساني لا يغادر هذه المنطقة العقلية ولا يتركها ويقاطعها في نقطة واحدة، فهو في كل مرة ومع كل تجربة تأملية يصل لنفس النتيجة ونفس المخرج لكنه لا يمضي أكثر من ذلك ولا يحاول أن يكسر الجدار الذي يمنعه من رؤية ما بعد الجدار من واقع ومن حقائق.
وحتى لا نستغرق في التفاصيل علينا أن نستعرض أهم الأساطير التي تناولت القضية ونستكشف وحدة الرؤية ووحدة التصور عنها بالرغم من أننا نفترض أن الوسائل العلمية والمسائل التي بين يدي تلك الشعوب قد تكون مختلفة أو هي غير الوسائل والمسائل التي بين يدينا الآن، هنا نعتمد العقل التجريدي بكل قوة لنمارس عملية الأستكشاف والتحري بدون حواجز وبدون تسليمات أو أنكار لوجه من أوجه الحقيقة التي أكتشفتها تلك الشعوب والحضارات السابقة.
نبدأ أو بالحضارة الفرعونية والتي لها من القوة والعمق ما دعانا لأن نقدمها كنموذج واضح وصريح عن رؤية متقدمة زمنية عن غيرها وإن لم تكن هي الأقدم، تقول الأسطورة المصرية الفرعونية (إن قبل الخلق لم يكن هناك شيء على الإطلاق سوى “نون”، والتي تعتبر أصل الموجودات والمخلوقات كلها، والتي يفسرها علماء المصريات بأنها الأم أو الرحم الكونية التي خرجت منها كل الأشياء، يمكننا تبسيط التعريف بشكل أكثر وضوحاً ومنطقية، والقول بأن نون تمثل العدم، السكوت والصمت المطلقين قبل الخلق)، هذه الرؤية العميقة وإن أضاف لها الناقل ما ليس منها بقوله أن نون تمثل العدم وهو قول مجافي للحقيقة في الأسطورة، ولكن تبقى على نقطة مهمة أن الوجود الأول كان قديما وماديا وأنه كان منغلقا على وجوده الذاتي، وإن هذا المنغلق هو مصدر كل الأشياء والموجودان بشكل مطلق.
تكملة الأسطورة والتي تنفي مقولة أن (نون) تمثل العدم تؤكد أن الوجود الأول عبارة عن عالم خاص لم يتم تشكيله ولا إنشاءه إلا من خلال حركة المادة ذاتها التي تمثلها (نون)، فتمضي الاسطورة وتقول (بدأ الخلق في الحضارة الفرعونية بوجود المحيط الأزلي أو المياه الأزلية، والتي تطفو على سطحها بيضة ذهبية ضخمة، وهي البيضة الكونية التي تتبناها أساطير عدة حول نشوء الكون، وبانفجار هذه البيضة خرج منها الإله أتوم الإله الأول، عطس أتوم فخلق بقوة صوته الإله “تشو” إله الهواء، ثم بصق بعدها فظهرت إلهة الندى “تفنوت”، إلى هنا نتوقف عن سرد بقية الأسطورة لأن الموضوع اللاحق لم يكن إلا تفصيلات خلق ما بعد الوجود الأول وهذا خارج بحثنا.
في الأسطورة الثانية وهنا نختار الحضارة الصينية ومنتوجها الفكري المتعلق بقضية الخلق والإيجاد لنجد نفس التصور حاضرا وبقوة، برغم أختلاف التفاصيل الجزئية بينها وبين الأسطورة المصرية ولكن تبقى البيضة القديمة التي ترمز للتوالد والتكاثر هي المحور الذي تدور حوله الأسطورة، ففي محتويا ما أبدعه الصينيون من تأمل للقضية نجد الصورة التالية التي تعبر عن وحدة الفكر الإنساني، فتقول (تدور أسطورة الخلق في الحضارة الصينية حول انبثاق الحياة من بيضة كونية أيضاً، لكن هذه المرة ساكن البيضة بطل بقوى خارقة وليس إلهاً، بطل يدعى “بان قو” والذي استيقظ من نوم طويل دام 18 ألف عام، وعند استيقاظه لم ير حوله سوى الظلام الذي يحيط به من كل مكان، فقرر تحرير نفسه بنفسه من هذا المكان الضيق، وأخذ يدور يميناً ويساراً محاولاً تهشيم هذه البيضة، حتى تحطمت وسقطت المواد الثقيلة بداخلها لتتكون الأرض، بينما تطايرات المواد الخفيفة نحو الأعلى وشكلت السماء).
نرى هنا بوضوح الجانب المشترك بين الرؤيتين برغم البعد الجغرافي وأختلافات اللغة والثقافة بين حضارتين مختلفتين في كل شيء عدى أشتراكهما في كونهما نتاج الإنسان العاقل، نواصل البحث في بقية أهم الحضارت السابقة عن مشترك معرفي في شأن القضية ونبدأ من بلاد فارس حيث تميزت الأساطير فيها بخصيصة الصراع الأول، صراه من أجل السلطة والهيمنة بين قطبين لا يأتلفان ولا يتفقان فكان الحركة العنيفة بينهما على السلطة مصدر الخلق، إنه الصراع بين النور والظلام (صراع بين قوتي جيشين يترأسهما “أهورامزدا” قائد جيش النور، وفي الجهة المقابلة “أهريمن” قائد قوى الظلام، بدأ الصراع بينهما عندما أراد “أهيرمن” نزع السلطة من “أهورامزدا” الذي حكم عالم الأرواح لمدة 3000 عام، أمهل “أهيرمن” “أهورامزدا” 9000 عام للتخلي عن الحكم دون حرب، لكن أهورامزدا رفض تخليه عن السلطة، وخلال هذه المهلة قام بخلق الكون على ستة مراحل، في الوقت الذي اشنغل فيه أهيرمن بخلق الشياطين والمسوخ لمواجهة أهورامزدا).
إذا سر أضطراب الحركة في الحياة السرمدية للوجود ما قبل الخلق هو التناقض وما ينشأ منه من حركة أرتدادية على نفس العالم القديم فيضطرب وتتسارع فيه الأحداث لينقسم العالم إلى فريقين أو عالمين أيضا يحكما قانون التناقض والتضاد الذي يبقى هو سر المحرك الوجودي الذي يطور الحياة ويرتق بها، هذه الصورة نجدها تتكرر في فكرة أخرى وفي رؤيتين شقيقيتين مجاورتين للرؤية الفارسية ولكن بما يتلائم مع واقعها الجغرافي، ففارس بلا جبال وأراض واسعة لا يتخللها ما يعرف بالجغرافية المائية عكس بلاد ما بين النهرين حيث الحياة والوجود والحركة وحتى الثقافة والفكر والمعرفة أرتبطت بالماء ورمزيته، لذا جاءت الأسطورتين البابلية والسومرية قريبة من الماء وفي الماء تحديدا ولد الكون القديم.
تقول الأسطورة البابلية أن الوجود بدأ (كما بدء الكون بالمحيط الأزلي الذي سكنه ثلاثة آلهة، “آبسو” إله الماء العذب، و”تيامات” إلهة الماء المالح، و”ممو” إله الضباب، عاشت الآلهة الثلاثة في حالة سكون مطلق، تعيش بجانب بعضها البعض، إلى أن دبت فيها الروح وبدأت في التناسل، لتتعاقب أجيال من الآلهة، حتى ظهر الإله “إنكي” إله الحكمة بطل الملحمة الأول)، هذا الوجود الساكن اللا منتج لم يخلق الوجود رغم أنه موجود ولكن لن تبلغ فيه حدة الصراع لعدم وجود حركة والعكس صحيح لأن يفعل قانون التناقض والتضاد مفعوله في تبرير التغيير والتمرد على السكون حتى ظهر الأله “إنكي” التي لم تذكر الأسطورة كيفية ظهوره وإن كان كما أظن وأبرر أنا تعبيرا رمزيا لضرورية الحركة التي كانت أصلا تنمو ضعيفة في داخل المحيط المائي الساكن لتنفجر في لحظة وجود نتيجة ضرورات القانون وتسارع الحركة المتراكم.
تستطرد الأسطورة فترسم لنا مشهد الصراع بعد ظهور "إنكي" لتقول أن البركة في الحركة وأن كل صراع في الوجود يعقبة نتاج جديد مناقض للواقع ومسيطرا عليه، فتسرد لنا الرواية (تعددت الآلهة وانتهت حالة السكون الأولى، وتحول الصمت المطلق إلى حياة صاخبة مليئة بالحركة، الأمر الذي عكر صفو الآلهة القدامى خاصة الإله آبسو، الذي قرر إنهاء هذه الحالة العبثية والعودة إلى حالة السكون الأولى، وذلك بالتخلص من الآلهة الجديدة، وبدأ بتنفيذ خطته رغم رفض ومعارضة من تامات، التي لم تستطع التخلي عن أبنائها).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف