الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعونا نفهم فكرة الإله(3)

حكمت حمزة

2017 / 12 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تطرقنا في الموضوع السابق إلى غاية خلق الإله لنا، وناقشنا بشكل مبسط الاحتمالات الممكنة والأسباب المعقولة التي جعلت الإله يخلقنا ويجعلنا نعيش هذه الحياة، وفق النظرية الابراهيمية طبعا. سيناقش هذا المقال، احد أهم الدواعي التي جعلت الاله يضعنا على هذه الأرض، وفقا لما جاءت به الأديان، وسأحاول قدر الامكان، الالمام بهذه القضية وفق ما يقتضي العقل والمنطق. الجدير بالذكر أن المقال السابق تطرق لهذه النقطة، ولكن بشكل بسيط وسريع، مر عليها مرور الكرام.
العبادة، عبادة الإله الخالق طبعا، هي أيضا أحد الأشياء المشتركة بين الأديان الابراهيمية الثلاثة، وبغض النظر عن اختلاف طبيعتها وأسلوبها وحيثياتها، لكنها تشترك بالمضمون والهدف، وهو عبادة الإله على خلقه لنا، والنعم التي أغدقها علينا، وإن كنت أشك في أن النقم التي ابتلينا بها، أكبر بأضعاف مضاعفة من النعم، ورغم أن المتدينين ينسبون النعم إلى الله والنقم والشرور للإنسان، إلا أني سأتجاوز هذه النقطة مؤقتا في هذا المقال، وسأفرد لها مقالا خاصا في الأيام القادمة.
العبادة بالمفهوم العام، هي أمور وأشياء وحركات وكلمات يتم فعلها وترديدها، الغاية منها التقرب إلى الله، وشكره على ما أعطانا كما أسلفت سابقا، وتخزين رصيد من الحسنات، يؤدي بالإنسان إلى التأهل للأدوار النهائية في الجنة، حيث النعيم، والرفاهية، والعيش الكريم، وأفخم أنواع الطعام، والشراب، والحوريات (كما في الاسلام)، وجميع هذه المكرمات تشترك بصفة واحدة، ألا وهي الأبدية، فلا موت في الجنة، ولا مصاعب حياة، ولا مشاكل.
يختلف أداء العبادات بين دين وآخ وطريقتها وعباراتها بين دين وآخر، لكنها بالمجمل تعتبر هي الطرق الأفضل للتقرب من الإله (كل دين يدعي أنه الأصح)، سوف نتجاوز هذا الفارق أيضا، وندخل في موضوع العبادة كفكرة مجردة.
إذا، فقد خلقنا الاله لنعبده، ويدعي متبعو الأديان أن العبادة هي فائدة للعبد وليس الإله، أي أن الإله لن ينقص شيئا ولن يزيد، سواء عبدناه أم لم نعبده، وسواء شكرناه على (نعمه) أم لا، كل ذلك عند الإله لا يشكل فرقا، فهو الإله الكامل المنزه عن كل شيء، بما فيها الحاجة إلى من يعبده.
لكن العقل عندما يتداول أمورا كهذه، لا يستطيع تقبلها واستساغتها بسهولة، بما أن الإله لا يستفيد من عبادتنا شيئا، فلماذا يصر على هذا الموضوع إصرارا شديدا؟. بشكل عام لا أحد يحشر نفسه بشيء معين، أو يطلب من أحد شيئا ما، إلا في حال كان الموضوع يهمه ويؤثر فيه، أو يتأثر به، أو يحتاجه. ربما الفضول يدفع بصاحبه إلى التدخل وحشر نفسه في شتى الأمور سواء كانت تهمه أم لا، لكن حاشى للإله أن يكون فضوليا، فالفضول يعتبر انتقاصا من قدر الاله، كامل الأوصاف.
نحن هنا أمام خيارين اثنين: إما أن الإله يتأثر ويهتم بعبادتنا له، ويحتاجها، أو إنه لا يتأثر بالعبادة، ولا تشكل عنده فرقا يذكر... فإذا كان يحتاجها ويريدها منا، ذلك يعني أن الأديان تزيف لنا مفهوم الإله، وما تنقله لنا عن الاله أِشياء مختلقة، و هذا يفتح الباب أمام تيار من الشكوك حول مصداقية الأديان أولا، كما يثير التساؤلات عن ذاك الإله الذي يحتاج عباده، لأن الذي يكون بحاجة لخلقه لا يستحق مرتبه ولا وصف إله، إنما كيان عادي، يحتاج أشياء وتنقصه أشياء.
أما إذا كان الإله لا يحتاج عبادتنا، ولا يتأثر بها، فلماذا يطلب منا أن نعبده؟ ولماذا تشكل العبادة علامة فارقة بين الناس، وذلك إن أخذنا بعين الاعتبارات بعض التيارات الدينية مختلفة المشارب التي تدعي بأن الإله لن يعذب أحدا، أو أن هناك من تكفل بذنوب البشرية كلها.
الجزاء لمن تقرب منه أكثر، هل هذه سياسة إلهية، أم سياسة إقطاعية، أو سياسة الملوك والسلاطين الذين يجزون شعراء البلاط الذين يتملقون لهم ويمدحونهم بالكلام، و لنضع ألف خط أحمر تحت المدح بالكلام، لأنها التعريف المبسط للعبادة. المهم أن الإله في هذه الحالة، يميل إلى من عبده وتملقه أكثر، ويكون ودودا، عطوفا، معطاء أكثر مع من عبده، وبالتالي فإن هناك اختلاطا وتفاوتا في مشاعر الإله تجاه خلقه، وهذا ينقض مفهوم الإله بالإضافة إلى أن امتلاك الله لمشاعر يحطم صورته الدينية المرسومة.
توجد فجوة كبيرة بين مفهوم العبادة والإله، فإما أن يكون مفهوم العبادة خاطئا، و مختلف جذريا عما نعرفه اليوم، أو أن الإله نفسه مختلف جذريا عما وصل إلينا، وإذا تجاهلنا فكرة اختلاف تعاليم الأديان عن بعضها، واختلاف مضمون كتبها، سنتوصل إلى فكرة بسيطة مفادها أن عبادة الإله لا تقتصر على ما تدعيه الأديان، لأنها تحصر الموضوع في نطاق ضيق جدا، ومفارقات عديدة بين دين وآخر، وهنا تطرح فرضية حرية طريقة العبادة نفسها وبقوة، كبديل أفضل وعقلاني أكثر، لأن الإله أرقى بكثير من هذه التفاصيل (حال وجوده)، واصراره على طرق معينة في العبادة هو انتقاص من قدره وقيمته كإله خالق ومتحكم في هذا الكون، أو ربما أن الإله لا يريدنا أن نعبده البتة، يريدنا فقط ألا نؤذي بعضنا، ونعيش بسلام، نحب بعضنا ونعطف على بعضنا، نتآزر في الأفراح والأتراح، وإن كان هذا فعلا هو المطلوب من البشر، فأستطيع أن أرفع القبعة للإله بهذه النقطة حصرا، فهكذا يكون الإله الذي يحترم نفسه وخليقته، أما إذا كان لا يرضى إلا بأساليب معينة أو طرق معينة، فذلك يعني أنه لا يستحق العبادة، ولا يستحق الشكر، بالإضافة إلى أنه يشير إلى إصابة الإله بانفصام شخصية، فهو في كل رسالة يبعث بها للبشر، يطلب منهم شيئا معينا، و أصعب ما في الأمر هو صحة دين ما دون آخر، فهذا الشيء لا يمكن لأي انسان في الدنيا أن يتحقق منه، وهنا ستختلط الأوراق كلها، وينطفئ المشعل ونضل السبيل، فهو لم يرسل أي مؤشر يدل على صحة دين ما دون آخر، وبهذا لن يكون له الحق في حسابنا على أي شيء. فهل بقيت العبادة بأشكالها الحالية، وسيلة للتقرب من الإله، أم وسيلة لإضاعة الناس وتفريقهم وحربهم مع بعضهم، كما حدث ويحدث.
ربما يقول البعض أنك لا تستطيع أن تحصل على شيء بدون مقابل، فلا يمكنك الحصول على النقود وشراء حاجاتك بلا عمل...الخ ويقومون بمقاربة العبادة بهذه النقطة، وتشبيهها بهذه الصورة، بمبدأ أن الإله لن يجزيك ولن يعطيك إذا لم تقدم مقابلا لذلك، أو أنه عليك بذل مجهود أو وقت لتحصل على العطاءات الإلهية، والرد على هذه النقطة هي أن العمل العادي ليس علاقة أحادية الجانب، ففي الحياة العادية، صاحب العمل بحاجتك بنفس القدر الذي أنا بحاجته، لأن صاحب العمل لا يعطيني لمجرد أني أعمل فقط، بل لأنه بحاجة لعملي وما يتمخض وينتج عن عملي، أما في حالة الإله، فهو كما تدعي الأديان ليس بحاجة لنتائج عبادتنا، إلا إذا كان يحتاج ذلك، وهذا يعيدنا إلى الاحتمالين الأولين الذين بدأ بهما موضوعنا.
بالعودة قليلا إلى الإرادة الحرة للإنسان، والعلم المطلق للإله، (إذ أن هذه النقطة من الأهمية بمكان، تجعلنا نتطرق إليها، أو بالأحرى تجبرنا على التطرق إليها كلما تحدثنا عن الغاية من وجودنا وخلقنا)، نجد أن الإله عندما خلقنا، إما أنه كان يعلم مسبقا بمن سيعبده ومن لن يعبده، من سيصلي ويصوم ومن لن يفعل، فإن عملية العبادة كلها تصبح بلا معنى، فما معنى أن اعيد مشاهدة فيلم بوليسي إن كنت أعلم نهايته أعرف تفاصيله بدقة، إلا إذا كنت أستمتع بهفي كل مرة، وبالتالي فإن وجودنا في هذه الحياة هو مجرد فيلم يستمتع الإله بمشاهدته فقط، ولا غاية له سوى امتاع نفسه فقط. أما إذا كان الإله لا يعلم من سيعبد ومن لا، هنا تصبح العبادة فقط ذات معنى، ولكن الاله نفسه سيفقد ألوهيته بفقدان إحدى أهم ركائزها، ألا وهو العلم المطلق.
بالمختصر، لا معنى للعبادة بوجود إله، و لا إله بوجود عبادة، ومن منظوري الشخصي أرى بأن العبادة والإله بالمعنى العام والمعروف بالنسبة للجميع، هما أشبه بالنقيضين، لا يمكن أن يتواجدا معا، إلا إذا كان مفهوم العبادة لدينا خاطئا، أو مفهوم العبادة خاطئا، أو كلا المفهومين خاطئين، فحري بنا أن نعرف المعنى الصحيح لهما، للتوصل إلى صيغة يتلفق عليها العقل والمنطق، وليس ليتفق عليها فلان وعلان، فلا شيء ينفعنا سوى العقل الفعال، غير الملوث والمؤدلج بهذه المفاهيم البالية الدنيئة، التي وصلت بها النذالة إلى حد جعل شعوب تقتل بعضها لأجل أوهام لسنا قادرين على التحقق من وجودها رغم الكم الهائل من التطور الذي تشهده البشرية في القرن الحادي والعشرين.
كما أننا بحاجة إلى الرقي بأفكارنا وآرائنا ونظرتنا تجاه الآخرين، فالحياة لن تصبح أفضل باستمرار النزاعات اللاهوتية، فلا يمكن لأي نظام ديني مهما كان يحترم نفسه، ويحترم الآخرين، أن يكون عادلا ومنصفا على الجميع، لأن هناك قائمة شروط مسبقة موجودة في ذهنه، تنطبق على أشخاص معينين دون غيرهم، وهذا سيخلق فوارق بين الأِشخاص مهما حاول الانصاف، وهذه هي الأسباب التي تدفع أمثالنا لكتابة أفكار وسطور في نقد الأديان، ليست نظرية مؤامرة ولا ماسونية عالمية ولا غرب كافر يدفع لنا لنقد الأديان، وأنا شخصيا ليس لي ثأر عند الإله، كما أنني لست ناقما على من يتعبد إلهه، ولكن هذه النقاط هي أساسية لا بد من الحديث عنها لمن يريد توضيح ماهية الأمور، وكما تلاحظون، فإني أحاول تجنب الحديث عن دين بعينه ومعتقد بعينه كي لا أكون مثل المتدينين عندما ينقدون معتقدات بعضهم، فأنا أقف على مسافة واحدة من الجميع، كما أن الإله وتوابعه ومشتقاته، على اختلاف جزئياتها بين دين وآخر، إلا أنها تشترك بالبداية والنهاية والغاية والهدف، و من منطلق أننا منذ القدم، ولتاريخ كتابة هذه السطور، لم نستطع إيجاد دليل واحد يثبت وجود هذا الإله، فلا بد من السعي لحياة أفضل، ومآسٍ أقل، و التحول إلى نظام ديموقراطي علماني، يعتبر الانسان والانسانة هي مقياس التفاضل، وليس الصلاة إلى الجنوب أو إلى الشرق.
وكنصيحة أخيرة، قبل أن تقرأ سلسلة (دعونا نفهم الإله) حاول أن تنزع القدسية لفترة وجيزة، فقط لتنتهي من قراءتها، إن كنت ستقرأها بالعقل المغطى بوشاح معتقدك، لا تتعب نفسك، اقرأ بعقلك المجرد، وليس بعاطفتك التي تم توجيهها منذ ولادتك دون أدنى حرية أو تدخل منك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أربعة ديانات ابراهيمية وليس ثلاثة.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 12 / 13 - 19:51 )
هذا ليس مهمٱ-;- أن ذكرت الصابئة المندائية أو لم تذكرها أستاذ أحمد،المهم الفكرة التي اتيت بها،واعتقد إنك اصبت الهدف،حول حاجة الاله للعبادة،وقدرة الله الكلية والتي تفندها الأديان الإبراهيمية قبل الملحدين.
ما دام الله كلي القدرة وكن فيكون فليس للمتدين العابد فضائل فيها وليس للملحد المنكر لله جزاء فيه لأنه هو المخرج وكاتب السيناريو والمصور والمؤلف،وهو الذي ينيط الأدوار للبشر.
اتذكر مرة سألوا المرحوم توفيق الذقن،لماذا ادوارك ظائمٱ-;- شريرة،قال اسألوا المخرج واضاف أن محمود المليجي أكثر شريرٱ-;- مني ولكن المخرجين يكلفوني بالأدوار الشريرة،اذٱ-;- الله هو المذنب وليس البشر.
أنا معك في كل كلمة كتبتها.
وهل الإنسان مخير أم مسير،وفي الحالتين حتى المؤمن يظهر غير مؤمن،اذا قال مخير فهو ليس بحاجة إلى هذه العبادة،واذا قال مسير فليس له إثم فيما يرتكب لأنه مسير من قبل الخالق.
هذا يذكرني بطرفة،رجل كلما أتاه إبن يتوفى فذهب إلى إمام مسجد فقال له سمي موسى فاتاه إبن سمى موسى توفى وثم قال سميه عيسى فمات ثم قال سميه محمد وكل مرة يقول للإمام مات فلان،واخيرٱ-;- قال له الإمام سميه الله والله حي القيوم،فسمى القادم الله ومات الطفل.


2 - تتمة.
خليل احمد ابراهيم ( 2017 / 12 / 13 - 19:56 )
جاء الرجل وهو حزين وقال للإمام مات الله وكان الإمام يصلي فنهض وقال ها قد ارتحت من الصلاة والعبادة ما دام مات الله.
فيا عزيزي الله ميت في قلوب الذين يدعون التقرب اليه قبل الملحدين والدليل الفساد الذي ينخر كل الدول التي تحكمها الأحزاب الدينية.
مرة أخرى عشت لنا لهذا المقال القيم.


3 - الأستاذ خليل ابراهيم أحمد
حكمت حمزة ( 2017 / 12 / 13 - 20:33 )
أستاذي تكمن المشكلة في أن الموضوع يمر بعقل المتدينين بكل سلاسة ويسر، كأن الوضع طبيعي بأن يعرف الله كل شيء وأنت حر الإرادة بنفس الوقت.
جميلة جدا هذه الطرفة، أضحكتني من قلبي مشكورا، بالفعل إن الإله بالنسبة لهم كأي حاكم مستبد، يبجلونه بوجوده، وعندما يتيقنون رحيله ينسونه وينسون كل شبر ذكر فيه، ربما أكثر من ذلك أيضا.
وشكرا لمروركم الكريم

اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل