الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل حرق الأعلام هو الأسلوب المناسب للاحتجاج؟

كاظم حبيب
(Kadhim Habib)

2017 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


غالباً ما يلجأ المتظاهرون المتحمسون في الدول العربية والدول ذات الأكثرية المسلمة إلى حرق أعلام الدول التي يحتجون عليها لأي سبب كان. وهم يعتقدون بأنهم في ذلك يوجهون إهانة إلى الدولة المعنية. والحقيقة غير ذلك، فهذا العمل يرتد على فاعليه سلباً، إذ يؤكد ابتعاد هؤلاء عن الأسلوب الإنساني والحضاري في التعبير السلمي عن الاحتجاج الشديد وحتى الغاضب منه. فحرق الأعلام ليس عملاً بدائياً فحسب، بل وفيه الكثير من نوع الغضب الذي يفقد صاحبه سوية التعبير عن احتجاجه ويجعل منه مليئاً بالحقد والكراهية، لأنها غير موجهة للدولة المعنية أو لشخصية قيادية فيها، بل هي موجهة إلى الفرد والمجتمع مباشرة، وهما اللذان يرمز لهما العلم. فهي إساءة لا مبرر ولا معنى إنساني لها، إذ بإمكان الاحتجاج أن يعبر عنه بمئات الصيغ دون أن يكون عبر حرق علم هذه الدولة أو تلك، أو حتى حرق صور هذا الرئيس أو ذاك أو طرح شعارات تجسد روحاً عنصرية أو شوفينية.
لقد انتشرت بالدول ذات الأكثرية المسلمة ظواهر سلبية كثيرة وخطيرة، وهي ليست حديثة العهد، بل هي قديمة، والتي اقترنت بممارسات مذلة في الإمبراطوريتين العباسية والعثمانية، ومن ثم في العراق الحديث ايضاً، منها مثلاً القتل وسحل الضحية بالحبال عبر الشوارع والتي، بزَّ بها وتفوق العراقيون على سائر شعوب العالم بعد ثورة 14 تموز 1958. إن هذه الطريقة الوحشية والمزرية لكرامة الإنسان وحرمة الميت، وكذلك ما يحصل في ممارسة التطبير، أي شج الرؤوس بالسيوف، بمن فيهم الأطفال، أو الضرب على الظُهوُر بسلاسل حديدية مزودة في نهاياتها بسكاكين حادة صغيرة، أو اللطم المخزي على الصدور العارية في فترة عاشوراء في كربلاء والنجف وفي عدد من المدن ذات الأكثرية الشيعية، بذريعة إبراز الحزن على الإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب وصحبه الكرام، في حين إنها أكبر إساءة يمكن أن توجه لاستشهاده، والتي استنكرها علماء مسلمون متنورون، أو الصراخ العبثي المعيب "بالروح بالدم نفديك يا صدام، أو يا حافظ أو يا بشار، أو يا سيسي"، والتي لا تعني غير "بالروح بالدم نفديك يا ديكتاتور!!"، أو حرق الإعلام والدوس عليها أو حرق الصور والدوس عليها أو ضربها بالأحذية .. إنها أساليب ليس فقط مستهجنة، بل تعبر عن وعي غير عقلاني عن المضمون السلبي لهذه الظاهرة وردود أفعالها لدى الناس المتحضرين.
لم تبق هذه العادات والتقاليد البدائية المستهجنة تمارس داخل الدول ذات الأكثرية المسلمة فحسب، بل انتقل بها المسلمون من العرب وغير العرب إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأستراليا وكندا وغيرها من الدول، وهو أمر بالغ الضرر والخطورة. إذ إنه لا يقابل بالاستنكار والاستهجان من شعوب تلك الدول فحسب، بل يُعرض فاعليه إلى المساءلة القانونية، بسبب تجسيده لروح وإشاعة الكراهية والحقد وإثارة النعرات والصراعات بين البشر في الدول المضيفة التي لا ناقة لها فيها ولا جمل!
لقد خرجت مظاهرات واسعة في مدن أوروبية كثيرة احتجاجاً على قرار رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامپ بالاعتراف بالقدس عاصمة منفردة لإسرائيل ونقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. إن هذا القرار ليس خاطئاً ووقحاً فحسب، بل عمق الصراعات وشدد من المشكلات القائمة ودفع إلى المزيد من التطرف في التعامل مع القضية وأدى حتى الآن على ضحايا بشرية في الجانب الفلسطيني. وكانت كل تلك الدول الأوروبية وغيرها قد اتخذت موقفاً سليماً، إذ رفضت قرار ترامپ واعتبرته تجاوزاً على الشرعية الدولية وعلى قرارات مجلس الأمن الدولي ومنها 242 و338 ومخلاً بدور الولايات المتحدة باعتبارها الوسيط لحل الدولتين، إسرائيل وفلسطين، واعتبار القدس ضمن الحل النهائي لتكون عاصمة للدولتين. وقد عبروا عن ذلك صراحة لنتنياهو بباريس وبروكسل في لقائه معهم، وكان خروج التظاهرات والتعبير عن الاحتجاج مسموح له في كل الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، وكان ظاهرة حضارية مطلوبة لمن يريد التعبير عن احتجاجه، كما إنها مكفولة دستورياً. إلا إن بعض هذه التظاهرات قد اقترن حتى الآن بقيام بعض الأفراد بعمل غير صائب ومؤذٍ للقضية الفلسطينية وقضية القدس مباشرة. فليس سليماً حرق العلم الإسرائيلي والعلم الأمريكي في وسط ساحات الاحتجاج، إذ إن هذا لا يثير استياء وغضب ورفض مواطنات ومواطني هاتين الدولتين فحسب، بل وشعوب الدول الغربية كلها، إذ تعتبرها أساليب استفزازية ومنافية لدساتيرها وقوانينها، كما إنها تثير الأحقاد والكراهية وتسيء للآخرين بحرق أعلامهم. إن هذا الأسلوب لم يُرفض من شعوب هذه الدول فحسب، بل من كل المتحضرين العرب والمسلمين وغير المسلمين المدركين لخطأ هذا الأسلوب، وهو الذي جعلهم ينسحبون من تلك المظاهرات أو أنهم تجنبوا المساهمة فيها لأنهم كانوا على قناعة بما يمكن أن يحصل فيها.
إن من ساهم بحرق هذا العلم أو ذاك في تلك المظاهرات قد ظهرت صورته على شاشة التلفزة، وهناك دعوات بإصدار قوانين صارمة في هذا الصدد، إضافة إلى المطالبة بتقديم من مارس ذلك إلى المساءلة القانونية، لأنها تعتبر ضمن الأساليب التي تجسد الحقد والكراهية ضد اليهود، ضد السامية، وليس ضد سياسة حكومة إسرائيل وحدها، بل ضد كل يهود العالم، لأن النجمة السداسية هي ليست رمزاً لإسرائيل بل ليهود العالم، وهي التي أحرقها النازيون أيضاً (الهولوكوست، أو الإبادة الجماعية) وأحرقوا معها ستة ملايين يهودي في أغلب الدول الأوروبية، ولاسيما في ألمانيا وبولونيا، على سبيل المثال لا الحصر، كما إنها ليست ضد سياسة ترامپ وحده، بل ضد الولايات المتحدة والشعب الأمريكي. ومثل هذا التفسير الصائب يتطلب أن يعيد هؤلاء الناس بسلوكهم وأن يعالج من جانب منظمي الاحتجاجات، وأن يجري إعادة تثقيف أولئك الذيم ما زالوا يحملون حقداَ ضد اليهود، باعتبارهم يهوداً، وليس اعتراضاً على سياسات حكومة إسرائيل اليمينية أو احتجاجاً على سياسة دونالد ترامپ المثيرة للصراعات وسفك الدماء.
أتمنى على أبناء جلدتي، الذين تورطوا بمثل هذا الأسلوب، أن يكفوا عن ممارسته، لأنه لا يعبر عن مستوى مناسب من الوعي الحضاري في أسلوب التعامل مع الاحتجاج على سياسة ما أو موقف ما، لأنها تحصد العكس ولا تصل إلى قلوب وأفئدة وتأييد الرأي العام العالمي بصورة مناسبة وسليمة، وخاصة لقضية مثل قضية فلسطين والقدس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حرق العلم احتجاج راقي و مدني و عصري
سمير نوري ( 2017 / 12 / 14 - 04:18 )
اولا حضرة الكاتب اختلط بين موضوعين مختلفيين ، موضوع السحل في الشوارع و القتل و الأبادة و الأعدام اساليب بربرية و همجية و اني مخالف لعقوبة الأعدام كليا مهما كانت الضروف و مخالف لكل اساليب الأعدام . لكن حرق العلم يختلف عن ذالك الموضوع و ما اعرف لماذا السيد حبيب اختلط الموضوعين و ما هو اهدافه في ذالك . حرق الأعلام اسلوب مدني راقي و عصري و كل المظاهرات المدنية و الأحتجاجية تقوم بذالك و تعبر عن اعتراض الجماهير ضد الدولة المعنية و الأعتراض على سياستها العدوانية او الرجعية . لماذا وصل الكاتب الى هذه الأستنتاج لانه ابتدأ من منطق خاطيء و هو اعتبار العلم رمز للجماهير او المواطنين و الساكنين البلد الذي قام الجماهير بالأعتراض ضده. العلم رمز الدولة و ليس الجماهير و الدولة ممثلة للطبقة المسيطرة على السلطة و مهما كان طابع الدولة، برلمانية
او جمهورية او شعبية او دكتاتورية...الخ
. في الوقت الحالي كل الدول ممثلة الطبقة البرجوازية و لا تمثل الا قلة قليلة من المواطنين صدام حسين غير علم العراق لصالحه و الحكومة الطائفية _ القومية غير العلم بما ينسجم مع .سياساتهم العلم لا تمثل الجماهير


2 - حرق العلم احتجاج متخلف وبدائي
د. كاظم حبيب ( 2017 / 12 / 14 - 09:37 )
الأخ الفاضل السيد سمير نوري المحترم تحية طيبة
لم يختلط عندي الأمر بأي حال. لقد أوردت مجموعة صغيرة من الظواهر السلبية الكثيرة في بلداننا التي تعبر بهذا الشكل أو ذاك عن تخلف في العادات والتقاليد وعن عنف مباشر وغير مباشر، سواء أكان ضد النفس أم ضد الآخر. العنف ليس الضرب على الرأس أو التعذيب فحسب، بل العنف يتجلى في الكلمة النابية، والنظرة الشامتة أو حرق الأعلام.. أو وضع صورة سياسي على ظهر كلب وتركه يجوب الشوارع، أو وضع اصورة على ظهر حمار..الخ، فهي كلها إساءات لكرامة الإنسان والدولة والمجتمع الذي يحترم رايته. الراية رمز الدولة، مع احتمال عدم قناعة الشعب بهذا الرمز. كما في العراق الصدامي أو الطائفي الراهن. مثلاً هل من الصحيح حرق علم السعودية وعليه اسم الله واسم النبي محمد، فهل في هذا ما يمكن أن يكون مقبولاً بالنسبة للمؤمنين والمتحضرين من الناس . لا تجد هذه الظاهرة في أوروبا ولا يمارسها الأوروبيون أو الأمريكيون أو غيرهم من الدول المتقدمة ، ولكن الذين يمارسونها هم من أبناء الدولة النامية، ومنها العراق أو أبناء الدول النامية المقيمين في الدول المتقدمة. اتمنى عليك إعادة النظر موقفك مع الود، كاظم


3 - حرق العلم احتجاج متخلف وبدائي
د. كاظم حبيب ( 2017 / 12 / 14 - 09:38 )
الأخ الفاضل السيد سمير نوري المحترم تحية طيبة
لم يختلط عندي الأمر بأي حال. لقد أوردت مجموعة صغيرة من الظواهر السلبية الكثيرة في بلداننا التي تعبر بهذا الشكل أو ذاك عن تخلف في العادات والتقاليد وعن عنف مباشر وغير مباشر، سواء أكان ضد النفس أم ضد الآخر. العنف ليس الضرب على الرأس أو التعذيب فحسب، بل العنف يتجلى في الكلمة النابية، والنظرة الشامتة أو حرق الأعلام.. أو وضع صورة سياسي على ظهر كلب وتركه يجوب الشوارع، أو وضع اصورة على ظهر حمار..الخ، فهي كلها إساءات لكرامة الإنسان والدولة والمجتمع الذي يحترم رايته. الراية رمز الدولة، مع احتمال عدم قناعة الشعب بهذا الرمز. كما في العراق الصدامي أو الطائفي الراهن. مثلاً هل من الصحيح حرق علم السعودية وعليه اسم الله واسم النبي محمد، فهل في هذا ما يمكن أن يكون مقبولاً بالنسبة للمؤمنين والمتحضرين من الناس . لا تجد هذه الظاهرة في أوروبا ولا يمارسها الأوروبيون أو الأمريكيون أو غيرهم من الدول المتقدمة ، ولكن الذين يمارسونها هم من أبناء الدولة النامية، ومنها العراق أو أبناء الدول النامية المقيمين في الدول المتقدمة. اتمنى عليك إعادة النظر موقفك مع الود، كاظم


4 - !!لا يوجد شيء مقدسة!!
سمير نوري ( 2017 / 12 / 15 - 02:28 )
تحية طيبة اخ العزيز كاظم الحبيب. اني اتعجب تصدر معلومات من شخص يسكن اوروبا ويقول في الغرب الناس لا يهاجمون الرموز المقدسة. هل نسينا الصور الكاريكاتيرية لشارلي ابدو و الفنانين الأوروبين و منع الرموز الدينة في الأماكن العامة في فرنسا ، الناس يضربون دمية الرؤساء بالأحذية. اخ العزيز حرية التعبير مكفولة في الغرب احد لا يمنعك بالتعبير عن نفسك و باي وسيلة تراه مناسبا بشرط لا توذي الناس و لا تسبب خسارة للاخرين . حرق علم حق الجماهير- الجماهير احرقوا علم داعش و مكتوب عليه -لا اله الا الله- و الجماهير و الناس لهم الحق في حرق ذلك العلم الذي تحته بيعت الاف النساء في سوق النخاسة و ذبحت مئات الشباب ، هل برأيك الناس ليس لهم الحق حرق ذلك العلم ولما يحرقون ذلك العلم هل هم رجعيون و متخلفون.!! بالعكس الناس يحرقون علم السعودية لانه يشكل اكثر البلدان رجعية. لماذا الأعلام موجودة و ما الهدف منها؟ للتفرقة بين بني البشر هناك كرة ارضية و احدة و انسان واحد بالأوطان و الأعلام البرجوازية خلقت تفرقة بين كل الناس على الكرة الأرضية. لا يوجد شيء مقدس فقط الأنسان مقدس و الانسان له كامل حرية التعبير الا مشروط.


5 - 9hogc3u
Abdulserry ( 2017 / 12 / 22 - 12:16 )
http://verteamsvime.blog.free.fr/index.php?post/2017/12/20/Applications-of-Lipases-as-Biocatalysts-download-epub Applications of Lipases as Biocatalysts

اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير