الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاموات يحكمون الاحياء

عادل صوما

2017 / 12 / 14
كتابات ساخرة


في آخر ايام حكم الرئيس محمد مرسي العياط، عمت مصر مظاهرات حملت يافطات تندد بحكم المرشد مكتوب عليها "يا مرشد الاخوان..الازهر مرشدنا من زمان" و "يسقط.. يسقط حكم المرشد"، ما أدى إلى سقوطه تحت وطأة قرار شعبي نفذه جيش مصر، بقيادة رجل وقف ضد إرادة دولية عظمى كانت وراء وصول محمد مرسي رئيساً بتزوير فاضح في الانتخابات، لكن كل الوقائع تقول أن حكم المرشد سقط سياسيا فقط، ولم يزل المرشد يحكم مصر من سجنه مع الامام حسن البنا وسيد قطب من قبريهما، وهو أمر يدل على قوة تمويل وحنكة الاخوان المسلمين وصرامة تنظيمهم ووضوح هدفهم ووقاحة أساليبهم، ويشير بدون أي لبس إلى خطورة سقوط مصر مرة ثانية وأخيرة تحت حكم الاخوان، ليس سياسيا بل فكرياً، فالفكر الإخواني هو المسيطر على المشهد العام في مصر، ولا يقف ضده سوى بعض الابطال من العلمانيين المهددين بالإغتيال من هذه المؤسسة المعتدلة المنفتحة المسالمة كما وصفها الغرب.
من المفترض أن جوهر الانتفاضة على حكم المرشد هو رفض حكم الدولة الدينية واختيار العلمانية أساسا للحكم، لكن الخلطة العجيبة في العالم العربي، خصوصا مصر لأنها ميزانه، هي سيطرة الأحزاب الدينية على عقول المواطنين، والتنديد في الوقت نفسه بدولة المرشد الدينية. ارتداء الحجاب وإطلاق اللحي والدعوة إلى عدم التمييز. تكفير الآخر والمناداة بالانفتاح وتعدد الثقافات. الحديث عن لزوم تعديل وتجديد الخطاب الديني ومطاردة الكُتّاب بتهم العيب في الذات الإلهية أو إزدراء الاديان أو نشر الإلحاد.
لم يزل الرأي العام المصري يميل في معظمه إلى رفض التنوير، وتجاهل الواقع سياسيا كان أو علميا أو حتى إقتصادي، وتأثيم الفكر العلماني واتهامه بالإلحاد لأن حقائق ووقائع العلم والتاريخ والفلك وعلم التشريح تناقض تماما ما ورد في الادبيات الإبراهيمة كافة، بل يسعي الرأي العام نفسه إلى ثقافة وفن خاضعيّن إلى حكم الدين والشريعة، وهو أمر مستحيل تماما لأن الثقافة والفن لا يخضعان إلى نصوص مقدسة وإلا تحولا إلى تفاسير وفقه وعلم الكلام!
عصران وعقليتان
برأت النيابة الدكتور طه حسين في ما نُسب إليه سنة ١٩٢٦ من تهمة الطعن على الدين الإسلامي، لأن الرأي العام المصري لم يكن قد تأخون أو توهبن أو تسلفن (من الاخوان والوهابية والسلفية) بعد، كان علمانيا على دين ملوكه الذين نحّوا الدستور بعيدا عن الشريعة، وجاء في ملحق قرار النيابة بنص النائب العام المصري محمد نور "ومن حيث إن العبارات التي يقول المبلغون إن فيها طعناً على الدين الإسلامي إنما جاءت في كتاب في سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذي أُلف من أجله، فلأجل الفصل في هذه الشكوى لا يجوز انتزاع تلك العبارات من موضوعها والنظر إليها منفصلة، وإنما الواجب توصلا إلى تقديرها تقديرا صحيحا بحثها حيث هي في موضوعها من الكتاب ومناقشتها في السياق الذي وردت فيه وبذلك يمكن الوقوف على قصد المؤلف منها وتقدير مسؤوليته تقديرا صحيحا".
ما كتبه النائب العام المتنور محمد نور لا يجرؤ أن يقوله نظيره اليوم، لأنه هو نفسه جزء من الرأي العام الواقع تحت ضغط غيبيات ووعيد وعقاب وأساطير لا وجود لها سوى في الكتب.
يقوله العلمانيون فقط، ومنهم على سبيل المثال الاساتذة إبراهيم عيسى وسيد القمني وحامد عبد الصمد، وهم مهددون مع أمثالهم من المتربحين من الاسلام بالقتل لأنهم يقتتطعون أقوالا مما يقولوا ويتهمونهم بالكفر. لا يهم إذا كان مصدر هذه الاقوال التاريخ أو علم الاجناس أو علم الفلك أو حتى تاريخ تطور اللغة العربية نفسها أو علم الحديث.
القاعدة الذهبية
القول الفصل القاطع عند كل المتربحين من الادبيات الإبراهيمية كافة: لا تصدق كل ما يقوله التاريخ والعلم والجغرافيا والفلك وقوانين الكون إذا كانت يتعارض مع النصوص، لأنها نزلت من اللوح المحفوظ وفيه الخبر اليقين عن كل شيء.
التوراة تقول أن الله أوقف حركة الكون لكي لا تغيب الشمس لينتصر يشوع بن نون في معركة كادت أن تتوقف عند الغروب. ويجب ان نصدق ذلك ولا نصدق علم الفلك الذي يقول ان توقيف حركة الكون مستحيل.
الانجيل يقول ان المسيح أقام العازر بعد أن ثلاثة ايام وكان العفن ينهشه. يجب أن نصدق ذلك ولا نكترث بمراحل تحلل الجثة واقعيا وعلميا.
القرآن يقول أن الرسول أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، رغم أن عمر بن الخطاب بني بعد وفاة الرسول المصلى الذي تحول في ما بعد إلى المسجد الأقصى. يجب أن نصدق ذلك لأن كبار المفسرين يقولون أن آدم هو الذي بنى المسجد الأقصى. وحسب تفاسيرهم، آدم كان مسلما ويتحدث العربية كما الملائكة، رغم أن اللغة العربية إبتكار جاء من لغات أخرى بعد آدمهم بحوالي مائتي ألف سنة، وعلميا كان الإنسان آنذاك يصدر أصواتا مثل الحيوانات.
هواء الحرية
في الوقت نفسه تقريبا الذي برأت فيه نيابة مصر الدكتور طه حسين، اشتركت الفنانة منيرة المهدية في تحرير المرأة، كما تزعمت حركة وطنية عن طريق مسرحها وفنها الغنائي الأصيل، وقامت بتأسيس مقهى بحي الأزبكية أطلقت عليه اسم "نزهة النفوس"، وكان كبار السياسيين والأدباء في مصر وبلاد الشام والسودان يجتمعون فيه وفي بيتها، وأطلقت الصحافة المصرية اسم "هواء الحرية" على مسرحها، ورغم ذلك لم تستنكف منيرة المهدية أن تقدم أيضاً الكثير من الأغاني الجريئة من بينها أغنية "بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة" من كلمات يونس القاضي وألحان محمد القصبجي وتقول فيها :
"مستنظراك ليلة التلات بعد العشا
تلقى الحكاية موضبة
بإيدي قايدة الكهربا
واقعد معاك على هواك
ولا فيش هناك غيرنا
وبلاش كتر الخشا".
لم تقم النيابة العامة المصرية بإلقاء تهمة نشر الفجور على منيرة المهدية، ولم يتبرأ منها كبار السياسيين والادباء، لأن الرأي العام كان متنورا ويعلم أن هذه الاغاني الجرئية جزء من الفن، تماما مثل التماثيل العارية. وهي تعبّر عن الشهوة الحيوانية داخل الانسان فلماذا النفاق والانكار؟
المطربة التونسية حبيبة مسيكة قدمت في عشرينات القرن الماضي عددا من الاغاني الجرئية قالت في إحداها:
"أعطيني بوسة
وعلى سرير النوم دلعني"
في ستينات القرن العشرين لم تتهم النيابة المطربة السورية مها عبد الوهاب عندما أطلقت على نفسها "مطربة السكس" وغنت "هزه يامحبوبي" و"هلأ جينا"، ولم تلاقي أغانيها أي إتهامات بنشر الفجور لأن التربّح من الاسلام لم يكن منتشرا بعد وعدوته لم يكن مستفحلة بين الناس.
بعد إنتشار الاذاعة في العالم العربي بدأت موجة تلك الاغاني الجرئية بالانحسار، ففي معظم البيوت راديو واحد يسمعه الجميع بما فيهم أطفال، كما بدأ الناس يتأثرون بجيل الكبار من الرواد لدرجة أن أم كلثوم وعبد الوهاب غنيا قصائد تحتاج إلى استاذ لغة عربية متضلع لشرحها، ما جعل الجمهور نفسه يطلق نفاقا على مطرب مصري مشهور جدا "حمار الاذاعة"، لأن من يسمع العمالقة من المفترض أن يكون من "السمّيعة" والصفوة وعلية القوم، لكن مع بدء عصر الانترنت بدأت موجة الأغاني الجريئة تظهر مرة أخرى نظرا لخصوصية متابعة الانترنت من شخص واحد، بعكس الراديو الواحد في منزل أربعينات حتى نهاية القرن العشرين.
القبول والرفض
بشكل عام الدولة العلمانية تقبل كل شيء. قبلت الدولة المصرية العلمانية ناهد شريف في أفلام ظهرت فيها شبه عارية وعارية تماما. وتقبّلت نادية لطفي في نهاية الستينات بمايوه بيكيني. وتقبلت عادل إمام وهو يمازح عمر الحريري في خروج عن النص يسخر من تناقضات القدر"ده ربنا عليه حاجات ياجدع". تدخل مقص الرقيب احيانا، ثم تدخل المقص المتزمت دائما لدرجة أن مشهد البار والراقصة إختفيا من الفيلم المصري.
تقبّل الرأي العام فريد الاطرش وهو يقول:
"وحياة عينك وهي عندي
مثلما الايمان عندك"
وعبد الوهاب وهو يغني:
"جئت لا أعلم من أين".
وعبد الحليم حافظ وهو يقول:
"قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه"
لم يتدخل المتربحون من الاسلام أو النيابة مثلما يحدث في عصر "الاخوانو وهبو سلفية". شعار من الاخوان والوهابية والسلفية.
مفهوم أمر تدخل المتربحون من الاسلام سياسيا، لكن تدخل النيابة في الاغاني والمشاهد الجرئية غير مفهوم، لأن النيابة إختراع علماني لم يكن في صدر الاسلام ولا أيام الخلفاء كافة. هي علمانيا نائب عن المجتمع وممثلة له وهي المختصة دون غيرها بتحريك الدعوى "الجنائية" وليس "الاباحية"، وهي التي يُناط بها وحدها مباشرتها وذلك بإجراء التحقيق بنفسها أو بمن تندبه لذلك من مأمور الضبط القضائي أو أن تطلب ندب قاضي للتحقيق أو بتكليف المتهم بالحضور أمام المحكمة الجزئية المختصة لمحاكمته على ضوء المحضر الذي حرره مأمور الضبط وبمتابعة سيرها حتى يصدر فيها حكم نهائي.
حكم قانوني علماني قابل للنقض وليش شرعيا نهائيا. هكذا تقول دساتير أوروبا التي إقتبستها دول الشرق الاوسط.
لكننا اليوم في عصر "الاخوانو وهبو سلفية" نرى محكمة جنح النزهة، برئاسة المستشار أحمد بهجت تحكم على المطربة شيما، ومخرج كليبها، الهارب فزعا من تهمة التحريض على الفسق ونشر فيديو خادش للحياء، بالحبس سنتين وغرامة 10 آلاف جنيه، بعدما استمعت لمرافعة دفاع المتهمة شيماء أحمد عبد الرؤوف الشهيرة ب"شيما" ومخرج الكليب لاتهامهما بالتحريض على الفسق والفجور، ودفع المحامي ببطلان إذن النيابة بالقبض والتفتيش، تأسيسا على بطلان تحريات المباحث.
ضغوط المتربحين من الاسلام جعلت المطربة الجرئية تحضر الجلسة بنقاب، تماما مثلما حضرت الراقصة دينا بحجاب إلى التحقيق في نشر فيديو فاضح. والضغوط نفسها جعلت العامة يستقبلون المطربة الجريئة اللبنانية ميريام كلينك بميكروفونات تذيع القرآن بصوت عال جدا. ما يعني أن الحالة عامة في أهم بلدين كانا منبرين للثقافة والفن في الشرق الاوسط.
المرشد هو نفسه رغم الخلافات المذهبية العميقة بين السُنة والروافض، ونتائج تعاليمه تناقض تماما إنتشار القنوات الفضائية الاباحية في عصر الحجاب والنقاب واللحى، عصر "الاخوانو وهبو سلفية".
وهنا يجب أن أعدّل إسم العصر إلى "الاخوانو وهبو آياته سلفية".
هل وصل المسلمون إلى عصر كاريكاتوري ينتمي إلى الكوميديا السوداء مثل هذا العصر؟ كوميديا سوداء لأن المتربحين من الاسلام لم يحركوا حتى الان أي نيابة للتحقيق مع أصحاب القمر الصناعي التركي الذي يبث أفلاما بورنوغرافية، وهي حقيقة من يدعو إلى نشر الفسق والفجور وإدمان رؤية الفاجرات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي