الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الحسين الشيخ موسى الخطيب ونداء الجراح(3) .....

هاتف بشبوش

2017 / 12 / 14
الادب والفن




عبد الحسين الشيخ موسى الخطيب ونداء الجراح(3) .....
هاتف بشبوش
عبد الحسين حتى في سفره يتطلّع الى الجمال وهذا ديدن الشاعر أنى حط وارتحل فهو باحث دائمي عما يدور في فلك النساء ولذلك قال عن العذراوات الكرديات العفيفات اللواتي صادفهن وهو في كفري أبياتا تدفيء كوامن العاشقين كما في أدناه (من عذارى الجاف ....1949 كفري) :

خطرت تعطو بأبراد الدلال تخجلُ البان بقدٍ واعتدال
خطرت اي والذي ارسلها فتنة تفتن آلاف الرجال
بقوام ضعفه في خصره عاجزُ عن حملِ أردافٍ ثقال

أبهجني الشاعر عبدالحسين هنا في غزلياته ... فأدب الغزل والآيروتيك أدب رفيع ، قديم قِدَم اكتشاف الإنسان لقيمته الإنسانية ، حفلتْ به الكتب السماوية قبل الكتب الأرضية .. إنه وجه من وجوه فلسفة الجمال والإثارة .. الآيروتيك ليس الخلاعة أو " الستربتيز " ... إنه صلاة الجسد في أسمى تجلياته وتماهيه . ولذلك جاء البيت الأخير من الشذرة أعلاه ليذكرني ببيت غزل شعبي ( من تمشي جنهه اثنين جاسمهه الحزام .... مثل اليعد ليرات يانكل الجدام ) .
ثم في مجالٍ آخر يغض الشاعر نظره عن إحداهن لما فيها من الغريزة الفياضة المكبوتة والتي تريد أن تغري بها الآخرين لكنها لاتنفع رجلا شاعرا عفيفا كما عبد الحسين . لننتمعن ماقاله عبدالحسين وهو يغض الطرف عن جميلة من الجميلات الحسان في نص ( إحداهنّ ) :

تبالهتُ عن نهدك الثائرِ وأغضيتُ عن طرفك الفاترِ
وشاغلتُ نفسي بخوض الضنون مخافة مبسمك الماكرِ
تحديت كل جمال خليع وارعدت من صدرك الفاجرِ

هذه المرأة لم تتصرف إعتباطا في نظر المنظرين والفلاسفة الفرويديين وغيرهم من الذين كتبوا عن أسرار النساء والغرائز الجنسية وثورة الجسد وما يتطلبه لإشباع غروره وجماله . الإغراء هو البحث عن الحب وحين يكون في أشد إغرائه كما في القصيدة أعلاه فهذه تعني البحث عن الجنسانية . الروتين والملل يحكم ديمومة الجنسانية وأكثر الأمراض النفسية تأتي نتيجة خفوت هذه الجنسانية التي يغوي بها الرب عباده حتى في الحياة الآخرى حيث الحديث عن الحوريات ولكن اذا ماكانت الجنسانية في مراحلها العظيمة وعلى طول خط الحب الدائر بين طرفي المعادلة الجنسية فهذا هو ضرب من الخيال واذا حصلت فيحسد عليها الطرفين ويتوجب عليهم القيام بالإحتفال الذهبي لزواجهم أوعشقهم على مروره خمسين عام كما يفعل الغربيون . ورغم ذلك هناك من يقول من ان المشاعر والأحاسيس هي الغالبة في كلا الأحوال والمنتصرة على التعامل الإغرائي والإثارة بين طرفي المعادلة الجنسانية ) . ثم هناك من النساء في الغرب تقول لحبيبها( مشاعري و قلبي وأحاسيسي وجسدي لك دائما).. واذا حصل وضاجعت أحدهم فلاضير في ذلك من قبلها بإعتبارانّ مابين أفخاذها لها . وهذه الحالة ضئيلة جدا بين أوساطهم لكنها موجودة .
في القصيدة أعلاه أيضا نرى انّ الشاعر يدعو للتصوف الوقتي أو الحيادية عن إغرائها وبسط جسدها المثير ، أي أنه عفّ عنها في تلك اللحظة التشاكسية الإغرائية. هناك مثل شائع يقول (أعطِ المجرّب واترك المحتام ) انّ المحتام هنا اقصد العازب مثلا الذي لم يدخل تجربة اللذة والانتشاء اما المجرّب المفطوم فهوالأكثراشتياقا للحب والجنس الغريزي لأنه قد ذاقها واكتوى بنارها وهو العارف بعذابها اكثر من العازب فعلى المرء ان اراد التصوف ان يمر بالتجربة اولاً ثم يقرر ماهو الفرق في التمتع بجسدها الجميل أو من عدمه . حتى رابعة العدوية المتصوفة التي مثلت شخصيتها بفلمٍ ممتع الفاتنة (نبيلة عبيد) ، فهي مرت بتجارب الجنس والحب الكثيرة واهتزت بالجماع تحت جسد الرجل لكنها في النهاية قررت العشق الالهي والتصوف . وهنا نرى الشاعر عبد الحسين لم يكن محتاما أبدا بل كان متزوجا مجربا فهو حين عف عنها كان مثالا للشجاعة والرجولة التي قلّ نظيرها لا كما أولئك الشّبقون الرّاكعون إلى سيقانِ النّساء أكثر من الدّخول إلى قلوبهنّ ، فأولئك قد خبا الإنسان في دواخلهم و مات .أو أنه ليس كما ذلك الأمير السعوديّ القذرالمولـعٌ بحبوبِ الكابتاغون كيْ تكون لهُ القدرةً الهائلة مع زيجاتهِ الأربع و محظياتهِ التّسعةِ والتّسعين كيْ يمارسَ الجنس الدّائم بإحليلٍ قائـم . ومع هذي وتلك نرى الشاعر عد الحسين لايمكنه أن يبتعد عن جمالات المرأة التي خلقها الرب له فهي ضرورة حتمية في كل مساريب حياته الشقائية أوالمترنحة فأعطانا نصه الجميل بحقها ( سكرة ) :

كم سكرنا على القبل سكرة تذهب الخجل
وأدرنا كؤوسنا من رضابٍ هو العسل
هي تملي لي ثغرها من لماها بلا ملل
وأنا أحتسي به ذاك جامي فلا تسل

يتوجب على المرء ان يجرّب كيف يكتوي بنار الحب ، يتوجب عليه ان يذوق الجنس الغريزي ويصعق بكهرباء اول قبلةٍ من حبيب عرفه وأعطاه شفتيه كبراعم ناعمة ولذيذة الطعم ، عليه أن يجرب كيف يتعرى ، أمام الحبيب في اول عرسٍ له لكي يعرف قيمة الجمال الحقيقي لجسده ، و يعرف ماهي النعومة التي خلقها الرب الرحيم لدى النساء وما هو هذا التوحيد بين الطرفين أثناء هزة الجماع الحقيقية التي هي بمثابة صلاة يؤديها الطرفان للمعبود الخالق في لحظة غياب حقيقي نحو السعادة الكبيرة والأورجازم .

الميلاد والموت لدى الشاعر عبد الحسين الخطيب......

من خلال الحب ولدنا ومن خلاله ترعرعنا ووصلنا الى مانحن فيه وكتبنا أشعارنا في الأوان أوبعد حين ، وهاهو الشاعر عبد الحسين المحب والعاشق للمرأة أو لفلذة أكباده يكتب لنا نصا ناجما عن الحب بوجهه الأبوي أو عن التماهي في ولادة إبنه علي عبد الحسين الذي أصبح هو الآخر شاعرا معروفا في الأوساط الأدبية والذي قام بمهمة طباعة ديوان أبيه هذا الذي بين أيدينا( نداء الجراح) ، فهذا الشاعرُ الإبن ...من ذاك الأبِ اللغوي الصادح بالشعر . لنقرأ نص( تأريخ ولادة علي ..1951) :

أعطاني الله ونعم العطاء فالحمد لله على ما أفاء
في يوم عيد المصطفى أحمد شعشع في بيتي بدر السماء
لله من يوم جميل به نلت على رغم العدا ما أشاء

الولادة فيها الكثير من المعاني فهي تعني علاقتنا بالمرأة لأنها الأخت والحبيبة والزوجة والأم التي قال عنها الشاعر عبد الحسين في ديوانه هذا ( وإسمكِ يا أماه لحن بديع / الصخرُ من رقته يطربُ ) . الولادة هي يوم جديد وزيادة نسل عكس الموت الذي يمضي بنا الى نهاية حتوفنا وتناقص أعدادنا وانقراضنا ..الميلاد هو ديمومة البقاء والأمل الذي يعطينا جرعة زائدة من مصل الشجاعة ضد الموت . ولذلك نجد الشاعر بهذا الخصوص ومن باب الوجدانيات يكتب نصا الى صديقه الدكتورعبد الكريم عبد المطلب 1990 في مستشفى اليرموك حيث الشاعر عبد الحسين يرقد هناك مريضا ويشكو اليه بألم وحرقة ، وهذا النص هو بمثابة الخوف من الموت الذي أرّق جميع الأدباء والعلماء والمبدعين لنرى الشاعر أدناه ماذا يقول بخصوص مرضه :


يابن الأكارم لم أشعر بفائدةٍ وقد ذويت ولم أشعر تحسينِ
هلا تداركني ياخير مقتدرٍ على العلاج وباسم الله تشفيني
فلا أذوق الكرى والسهدُ يقتلني ولاسميرُّ سوى الآهات تشجيني
طوراً أئنُ وطوراً أصطبر خجلاً وصار جسمي نهباٍ للسكاكينِ

ثم يستمر الشاعر فنفهم انه مات بمرضٍ عضال ...

دائي خبيثُّ ولا أرجو الشفاء له الا إذا شاء ربي ذاك أو رحما
الموت حق وحتم لامرد له مصير كل امريْ ان جد او قدما

مرض العضال هذا الرهيب الذي أصاب ملايين البشر وشكّل قصصا حملت التراجيديا المبكية ذات الصدى الحزين ، وفي يوم وأنا أنظر لشاشة التلفزيون واذا بي أرى لقاءا تلفزيزونيا مع الممثل وكاتب الأغنية الشهير ( باتريك سويزي ) الذي رأيناه في مسلسل جميل للغاية عن العبيد واليانكي والعنصرية أنذاك ، باتريك وهو في عمر الخامسة والخمسين ذلك الشاب الوسيم الذي هدّه مرض سرطان البنكرياس فتحول الى هيكل عظمي وكأنه في عمر التسعين وفي وقتها كان يعد الأيام لموته المحتوم وبالفعل بعدها مات بأيام تلك الميتة التي شكلت منعطفاً تراجيدياً في عالم نجوم السينما .
الشاعر عبد الحسين هو الآخر له لقاء ولكنه ليس لقاءاً تلزيونياً ، بل مع ربه الرحيم فيناجيه وهوعلى فراش المرض كي يرحل الى رواق الموت هادئا راضيا شاكراًعلى طريقة عمر الخيام... فيقول :

أجرني وانْ اغرقتني الذنوب وضيعتُ فيها طريق المصير
أجرني دعوتك انّ الدعاء هو الاعتراف بذنبٍ كبير
دعوتك يامن لديكَ الدعاء يجابُ وانْ كان جرمي خطير

ثم يوصي ان تكتب الأبيات التالية على قبره ....

وها انذا راحلُ مثلهم ويخلدُ في ألأرضِ سر المماة
فمابين سرّين عمري إنقضى وثالثُّ سرٍ سابقى كذات

الموت هو حلم العدالة السرمدي ، يموت المرء لكن النوع يبقى فما من خلود وهذه متتالية ازلية لاتنتهي الا بانتهاء الأكوان .. ويبقى بياض الكفن مثلما قال الشاعر المصري اليساري الراحل أمل دنقل هو البياض الوحيد الذي تتوحد به سائرُ البشر . يموت المرء مهما يملك ومهما كانت سلطته فالحياة (إمرأة تستحم بدموع عشاقها وتتعطر بدماء قتلاها ...جبران خليل جبران) . الحياة قاسية في جميع تفاصيلها لكننا نناضل في سبيل أن نعيشها حتى آخر رمق وهذا هو السر الكامن الذي ليس له جواب .

كلمة أخيرة بحق الشاعر .......

الشاعر عبد الحسين الخطيب بالنسبة لي بمثابة ذكرى عظيمة أعلقها في عنقي...شرف لي أن اكون بهذه المستوى فيحق لي أن اكتب عنه . أنا فخور بهذا الشاعر الفنار والسراج بالنسبة لي ، فهو الذي وصل الأسماع في كرمه واخلاقه أولا ثم إبداعه ثانياً .... هو الذي كان يجود أبدا عن الشغيلة والمعدمين بأشعاره التي رسمت خطاها وظلت مدوية حتى اليوم . عبد الحسين مثل والت وايتمان الشاعر الأمريكي الذي لايصمت أمام الحواجز التي تحول بين حب الإنسان ورفيقه وبين الزوج والزوجة والمدنية بالمدينة والميلاد بالمولود....هو الذي تغنى بجمال الطبيعة وأفيائها وورودها والماء الذي يسقيها فهي كتاب الفن الخالد وقاموس الحب وقصيدة الوجود الأزلية . هو الذي صب إهتمامه الكبير في مديح علي والحسين( عليهما السلام ) من خلال الردات الحسينية الثورية التي شغلت االسلطة الغاشمة في ذلك الزمان السبعيني ، هو الذي كان وفيا لإخوانه المبدعين أو من عامة الناس حيث كتب لهم نصوصا لكي يبقوا معه في صفحات التأريخ أمثال الشاعر السيد شاكر البدري ، عبد الواحد كاظم ، سعد صالح جريو ، الشيخ عبد الحميد السماوي وغيرهم من السادة الأشراف .
وفي النهاية أرى من أنّ الشاعرعبد الحسين الخطيب كما عرفته في تلك ألأيام ولكثرة علاقاته الطيبة مع الآخرين وسماحته كأنه يرفع شعار( البيركامو) الكاتب الفرنسي الشهير( لاتمشي ورائي انا لستُ قائدا ولاتمشي أمامي أنا لست تابعاً ، إمشي بجانبي وكن صديقي ) .

هاتف بشبوش/عراق/دنمارك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع


.. سر اختفاء صلاح السعدني عن الوسط الفني قبل رحيله.. ووصيته الأ




.. ابن عم الفنان الراحل صلاح السعدني يروي كواليس حياة السعدني ف


.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على




.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا