الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب القديمة وتشابه الأساطير

طلعت رضوان

2017 / 12 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



يُجمع علماء علم الإنسان ( أنثروبولوجيا) أنّ جدود جدود البشرية، الذين سطــّـروا أول فصل فى تاريخ المجتمعات الإنسانية، على مسرح كوكب الأرض، خلقوا معتقداتهم، التى تطوّرت إلى عقائد تــُـلخـّص نظرتهم إلى الطبيعة المُحيطة بهم، ثمّ الانتقال إلى مرحلة خلق تصوريتجاوزالطبيعى إلى (ما وراء الطبيعة) وهى المرحلة التى شهدتْ ميلاد فكرة ال (توتم) Totem وأنه ((حيوان خرافى لاوجود له يعتقد أفراد العشيرة أنهم انحدروا منه)) وكذلك اخترعتْ الشعوب القديمة معتــقد ال (تابو) أى الأشياء ((المقدسة الـتى لايخطرعلى الناس الاقتراب منها خشية تدنيسها مما يُعرّض الشخص نفسه للخطر)) ويرى العالم الكبيرسيجموند فرويد فى كتابه عن (التوتم والتابو) أنّ أقرب ترجمة للكلمة هى ((الخوف المقدس)) وقد أخذتْ هذه المعتقدات فى النموإلى أنْ وصلتْ (عبرآلاف السنين إلى فكرة خلق الآلهة، فى المجتمعات الإنسانية القديمة. وأنّ دورهذه الآلهة يرتكزعلى محوريْن: آلهة لجلب الخيروأخرى لتجنب غضبها. وفى طورآخرمن أطوارالبشرية، وكتطويرللجانب الميتافيزيقى الذى شغل البشرمنذ فجرالتاريخ الإنسانى، ابتكرجدودنا المصريون القدماء، فكرة البعث ووجود حياة أخرى بعد الموت. وفكرة الحساب والثواب والعقاب..إلـخ أى أنّ البشرية قطعت آلاف السنين كى تــُـدعّم معتقداتها فى الغيبيات التى تدرّجتْ من ال (توتم) إلى ال (تابو) إلى الأساطيرإلى الأديان.
ويحفل تاريخ الإبداع الأدبى بالعديد من الأعمال التى تجلى فيها دورالدين فى حياة الفرد والمجتمع، بدءًا من الإنتاج الأدبى الذى تركته الشعوب القديمة وحتى لحظتنا الراهنة.
ولم تكن مصادفة أنّ ما ورد فى كتب الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) عن بعض الأحداث الخارقة للطبيعة (مثل الطوفان) وردتْ فى تراث بعض الشعوب قبل كتب الديانة العبرية، والمثال الأشهرلذلك ماورد فى ملحمة جلجامش البابلية. وكما ورد ذكرالطوفان فى ملحمة جلجامش، ورد ذكره أيضًا فى ملحمة (اتراحاسس) بل إنّ الأساطيرالتى كــُـتبتْ حول جلجامش وصلتْ إلى بلاد اليونان عن طريق الفينيقيين، فكلا البطليْن من أصل إلهى، وكلاهما اتخذ صاحبًا وصديقــًا حميمًا: انكيدوبالنسبة لجلجامش، ويولوس Iolaus بالسبة إلى هرقل، وأنّ سبب الكوارث بالنسبة لكل منهما المرأة: عشتاربالنسبة لجلجامش، والإلهة هيرا بالنسبة إلى هرقل. وكل من هرقل وجلجامش تغلبا على قتل الأسود وعلى الثيران السماوية المقدسة. وكما عثرهرقل على العشب السحرى للخلود، كذلك حدث مع جلجامش. وكما زارهرقل جزيرة الموت، كذلك أبحرجلجامش عبر(بحرالموت) وكما ارتدى هرقل جلود الأسود كذلك فعل جلجامش. ومن رأى الباحث (روبرت كريفز) أنّ هوميروس استقى الكثيرمن أحداث ملحمة جلجامش بالنسبة إلى أحد أبطال الالياذة (أخيل) حيث أنّ صديق أخيل (بتروكلوس) هوالمقابل لصديق جلجامش (أنكيدو) وأم أخيل (الإلهة ثيتس) تـُقابل أم جلجامش (الإلهة البابلية ننسون)
يرى بعض علماء الآثارأنّ أحدث نسخة من ملحمة جلجامش ترجع إلى القرن السابع قبل الميلاد وهوالزمن الذى يرجع إليه القسم الأكبرمن نصوصها، فى الألواح الطينية التى تـمّ العثورعليها فى داركتب الملك الآشورى (آشوربانيبال- 668- 626 ق.م)
قصة الطوفان فى ملحمة جلجامش وتشابها مع الديانة العبرية:
فى السطرالأول ذكركاتب الأسطورة البابلية ((ركب جلجامش وأور- شتابى فى السفينة. أنزلا السفينة فى الأمواج. وبلغ أور- شنابى (مياه الموت) وقال لجلجامش: حذارأنْ تمسّ يدك مياه الموت. وكان (أوتو- نبتشم) قد أبصرالسفينة من بعيد..فأخذ يخاطب قلبه ويقول: علام دمرت (صورالحجر) الخاصة بالسفينة؟ (باقى النص تالف) ثم ورد فى النص الواضح، قال أوتو- نبشتم لجلجامش: إنّ الموت قاس لايرحم. متى بنينا بيتــًا يقوم إلى الأبد؟ متى ختمنا (= حرّرنا) عقدًا يدوم إلى الأبد؟ وهل يقتسم الأخوة ميراثهم ليبقى إلى آخرالدهر؟ وهل تبقى البغضاء فى الأرض إلى الأبد؟ (وهذا البيت يقابله ما ورد فى سفرالجامعة 9: 5- 6) وهل يرتفع النهرويأتى بالفيضان على الدوام؟ ولم يكن دوام وخلود منذ القدم (وهذا البيت فى ملحمة جلجامش يقابله ما ورد فى سفرالجامعة 1: 4- 11) إنّ الأنوناكى (= مجمع الآلهة) الآلهة العظام تجتمع مسبقــًا ومعهم (ماميتم) صانعة الأقدار، تــُـقـدّرمعهم المصائر. قسّموا الحياة والموت (قارن سفرالتثنية 30: 19) إنّ الآلهة العظام قد حملتهم قلوبهم على إحداث الطوفان. اجتمعوا وكان معهم أبوهم (آنو)
وبعد عدة أبيات ذكركاتب الأسطورة: اسمع يا كوخ القصب وافهم يا حائط. يا رجل (شروباك) يا ابن (أوبار- توتو) قوّض البيت وابن لك فلكــًا (= سفينة) (قارن سفرالتكوين 6: 14) تخلّ عن مالك وانشد النجاة. انبذ المُـلك وخلــّص حياتك. واحمل فى السفينة بذرة كل ذى حياة (قارن سفرالتكوين 6: 19- 20) وسينزل عليكم وابلامن المطرغزيرًا. ومن مجاميع الطيروعجائب الأسماك..وفى المساء سيُمطركم الموكل بالزوابع بمطرمن قمح. واحضروا إلىّ أضاحى من ماشية مراعى البرارى..وتـمّ بناء السفينة فى اليوم السابع..فكان عليهم أنْ يُبـدّلوا ألواح القاع فى الأعلى وفى الأسفل..إلى أنْ غطس فى الماء ثلثاها..وحملتُ فيها كل ما أملك..وكل ما عندى من فضة ومن ذهب..وحملتُ فيها كل ما كان عندى من المخلوقات الحية (سفرالتكوين 6: 21- وفى القرآن- سورة هود- من 37- 45) ثم يواصل كاتب أسطورة جلجامش قائلاعلى لسان بطله ((وأركبتُ فى السفينة جميع أهلى وذوى قرباى.. وأركبتُ فيها حيوان الحقل وحيوان البر(انظرسفر التكوين 7 : 7- 8) وضرب لى الإله شمش موعدًا وقال لى: حينما ينزل الموكل بالعواصف فى المساء مطرالهلاك..ادخل فى السفينة واغلق بابك.. وبلغتْ رعود الإله (أدد) عنان السماء فأحالتْ كل نورإلى ظلمة..وحطمتْ الأرض الفسيحة كما يتحطم الكوز. وظلتْ زوابع الريح تهب يومًا كاملا..وازدادتْ شدة فى مهبها حتى غطتْ الجبال.. وفتكتْ بالناس كأنها الحرب..وصارالأخ لايُبصرأخاه..وحتى الآلهة ذُعروا من عباب الطوفان.. فهربوا وعرجوا إلى سماء (آنو) واستكان الآلهة وربضوا كالكلاب خارج الجدار..وصرختْ عشتاركما تصرخ المرأة فى الولادة..انتحبتْ سيدة الآلهة وناحتْ بصوتها الشجى: وا حسرتاه..لقد عادتْ الأيام الأولى إلى الطين..لأننى أنا نطقتُ بالشرفى مجمع الآلهة..لقد سلطتُ الدمارعلى شعبى.. سجدتُ وجلستُ أبكى..وتطلعتُ إلى حدود سواحل اليم (= المياه) فرأيتُ جزيرة واستقرُالفــُـلك على جبل (نصير) ولما حلّ اليوم السابع أخرجتُ حمامة وأطلقتها..طارتْ الحمامة ثم عادتْ (أنظرسفر التكوين 8 : 8-10) رجعتْ لأنها لم تجد موضعًا تحط فيه..وأخرجتُ السنونووأطلقته..وعاد لأنه لم يجد موضعًا يحط فيه..ثم أخرجتُ غرابًا وأطلقته (انظرسفرالتكوين 8 : 7) فذهب الغراب ولما رأى المياه قد انحسرتْ..أكل وحام وحط ولم يعد..وعند ذاك أخرجتُ كل ما فى السفينة إلى الرياح الأربع.. وقرّبتُ قربانـًا..وسكبتُ الماء المقدس على قمة الجبل (انظرسفرالتكوين 8 : 19- 20) وعند ذاك فتح الإله (ننورتا) فمه وقال للبطل (أنليل) من الذى يستطيع أنْ يُديرمثل هذا الأمرغير(إيا) أجل إنّ الإله (إيا) هوالذى يعرف خفايا الأمور..وقال الإله (إيا) للبطل (إنليل) أيها البطل أنت أحكم الآلهة..فكيف لم تــُـبصرعباب الطوفان؟ حمّـل صاحب الخطيئة وزرخطيئته..ولكن ارحم..ولوأنكَ بدلامن إحداثك الطوفان سلطتَ السباع..فقلــّـلتَ بعض الناس وبدلامن الطوفان لوأنك أحلــّـلتَ القحط فى البلاد.. وبدلامن الطوفان لوأنّ إيرا (إله الوباء والطاعون) فتك بالناس))
(اعتمدتُ على ترجمة الباحث العراقى طه باقر- مديرية الثقافة العامة بالعراق- عام 1971- أما بالنسبة للتشابهات العديدة بين ملحمة جلجامش والعهد القديم فيمكن الرجوع إلى سفرالتكوين من الإصحاح 6- الإصحاح 9- وكذلك بعض إصحاحات سفرالحامعة وسفرالتثنية. أما فى القرآن فيمكن الرجوع إلى السورالآتية: هود، المؤمنون، الشعراء، العنكبوت، الفرقان، الذاريات، النجم، القمر) ولكن أهم ما فى هذه التشابهات تلك القسوة التى حلــّـتْ بالبشر، بسبب خطيئة البعض– كما جاء فى الأسطورة وكما جاء فى كتب الديانة العبرية- فإذا كان البعض قد أخطأ وارتكب (الخطيئة) فلماذا يكون العقاب الجماعى؟ خاصة وقد جاء فى الأسطورة أنّ الإله (إيا) قال لبطل (لإنليل) ((حمّـل صاحب الخطيئة وزرخطيئته)) وهوذات المعنى الوارد فى القرآن ((ألا تزروازرة وزرأخرى)) (النجم/ 38) ورغم هذا الكلام الصريح عن (المسئولية الشخصية) فإنّ القرآن وردتْ به عدة آيات أنّ (الله) هوالذى بيده الهداية أوالضلال ((فيضل الله من يشاء ويهدى من يشاء)) (إبراهيم/4، وسورة النحل/93) أما كاتب أسطورة جلجامش فقد وقع فى التناقض الشديد عندما كتب على لسان الإله (إيا) لبطله: لوأنك بدلامن الطوفان كنتً سلطتَ السباع فقلــّـلتَ من عدد الناس، أو أرسلت القحط والطاعون إلخ، والسؤال البديهى هو: ما الفرق بين قتل الناس بالطاعون أوالسباع أوالقحط؟ وبين الطوفان؟ وهكذا كان الإبداع البابلى (خاصة فى أسطورة جلجامش) شديد التناقض وشديد القسوة بالإنسان، ثم جاءتْ كتب الديانة العبرية وكرّرتْ أسطورة الطوفان، وهوما يؤكد على وجود علاقة بين تراث الشعوب القديمة والديانة العبرية.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التطور قانون اجباري
عباس السماوي ( 2017 / 12 / 14 - 19:36 )
سيأتي يوم وهو ليس ببعيد وتظهر مدونات وربما مخطوطات وتأتي الابحاث والدراسات والنتائج الواضحه والجليه لتبين حقائق الاديان وبشريتها بشكل يقنع حتى الطفل الرضيع .... وسيدرك الناس بان القرود بعد مليون سنه ستصبح بمستوى الانسان الحالى من حيث الفهم والادراك اما البشر فانهم ربما سيصبحون كمخلوقات لا يمكن ان تدركها عقولنا الان


2 - تشابه القصص يعود إلى نكوص الناس عن الإيمان
مصطفى خروب ( 2017 / 12 / 14 - 23:16 )
رد المتدينين معروف : تشابه القصص يعود ليس إلى نسخ البعض عن الآخر وانما إلى إرتداد ونكوص الناس عن الإيمان مع الزمن ، ولذلك وجب إرسال أنبياء كل فترة لإعادتهم إلى الصواب

اخر الافلام

.. هنية: نرحب بأي قوة عربية أو إسلامية في غزة لتقديم المساعدة ل


.. تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل




.. العقيدة النووية الإيرانية… فتوى خامنئي تفصل بين التحريم والت


.. العالم الليلة | ليست نيتساح يهودا وحدها.. عقوبات أميركية تلا




.. شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ