الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هي ذي «وانغاري ماثاي»

فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)

2017 / 12 / 14
المجتمع المدني


تعرفت على وانغاري ماثاي (Wangeri Maathai) وعلى أفكارها وأنا أطالع مؤلفها البديع «أفريقيا والتحدي». وأمام اندهاشي من التجربة الحياتية المذهلة لهذه السيدة، قررت أن أعَرٍّف بها هنا. ففي حياة الآخرين الكثير من الدروس لنا جميعا، كمهتمين بالنهوض بواقعنا المعيشي والثقافي. إنها حياة ناشطة مدنية من العيار الثقيل.
بدأت السيدة ماثاي حياتها كقروية من كينيا (ولدت سنة 1940 بـ «نييري») وتوَّجها بالحصول على جائزة نوبل للسلام (سنة 2004). ماذا قدمت هذه السيدة لتستحق هذا الاحتفاء.
انطلق ارتباط ماثاي بالمجتمع المدني الكيني في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. ومن خلال اتصالها بالنساء القرويات، بدأَت في البحث عن الروابط بين الفقر والتدهور البيئي وفقدان الثقافة، إلى أن وصلت إلى أهمية الثقافة الوطنية والمحلية في تحريك عجلة التنمية المستدامة. حيث تقول: «اعتقدت أن كل ما هو مطلوب لتشجيع الناس على المحافظة على النظام البيئي واستعادة الأمن الغذائي هو تعليمهم كيفية زرع الأشجار وإيجاد روابط بين بيئتهم المتدهورة والصعوبات التي تواجههم. ومع ذلك، فبمرور السنوات بدأت أُدرك أن إعادة اكتشاف الثقافة لم يكن شيئا شخصيا ببساطة، لكنه ضرورة سياسية واجتماعية، وأن إعادة ارتباط المرء بجذوره كان يعني محاولة تقبل كل ما لها من ثراء وتناقضات وتحديات في التوافق داخل العالم الحديث.»
العمل البرلماني
في العام 2002، دخلت البرلمان الكيني عن دائرة «تيتو» الانتخابية. فأشرفت على المخصصات المالية لـ «صندوق تنمية الدوائر الانتخابية » لفائدة دائرة تيتو. ولتحديد المشاريع التي ستحظى بتمويل هذا الصندوق، عملت ماثاي من الأسفل إلى الأعلى كخطوة لإشراك السكان المحليين. حيث انتقلت إلى المواقع الفرعية (أصغر وحدات إدارية في البلد) داخل دائرتها فأحدثت بها لجانا فرعية وحصرت مهمتها في تحديد الأولويات والمشاريع. وهكذا صعودا. وقد ساهم الهيكل الذي أحدثته، رغم البطء الذي عرَفه، إلى وضع تصورات واضحة لما يجب القيام به (استراتيجيات) والابقاء على الفساد في مستويات دنيا ورفَع كفاءة الأداء وتحقيق الكثير من المشروعات لفائدة السكان المحليين (في مجالات التعليم، الصحة، المياه، محاربة الفقر، التأهيل المهني،...) وعن طريقهم هم أنفسهم.
العمل مع الأمم المتحدة
عمل دؤوب في خدمة البيئة والتنمية: «حركة الحزام الأخضر» ومبادرات أخرى
تمثل حركة الحزام الأخضر مثالا رائعا لقدرة المجتمع المدني الإفريقي. عملت هذه الحركة على تمكين الفقراء اقتصاديا وسياسيا من خلال مشاريع تشرك المعنيين في زراعة الأشجار وتنظيم الحلقات الدراسية للتعليم المدني والبيئي. ولم تتوقف هذه المشاريع على تحقيق هذا الهدف (أي التمكين)، بل تعدته إلى «تشجيع هؤلاء الفقراء أيضا على استبطان شعور بالعمل لما هو أكبر من المصلحة الشخصية والالتزام بالعمل من أجل المصلحة العامة». وقد انطلقت هذه الحركة من وعي عميق لدى ماثاي بتعقيدات علاقة البيئة بالتنمية وبالسلام. تقول، استنادا إلى معيانتها للفقر والهجرات البشرية المستمرة والنزاعات في الصومال، تشاد، السودان، إثيوبيا، كينيا،..: «البيئة في حاجة إلى أن تكون في صميم السياسة والممارسة المحلية والدولية. وإذا لم تكن كذلك، فلن تكون لدينا فرصة لتخفيف حدة الفقر بأي طريقة ملحوظة. كما أننا لن نخلق للشعب الإفريقي قارة يمكن تحقيق الأمن والتقدم فيها... وغالبا ما يسألونني: هل هناك مقايضة بين البيئة والتنمية؟ ودائما ما أقول لا. فنحن نحتاج ولا بد لنا أن نمتلك كليهم؛ والمهم هو وجود توازن جيد بين الاثنين».
وهكذا، أطلقت الحركة، بشراكة مع الحكومة الكينية، مشروعا لإصلاح الغابات المتدهورة في جبال الأبردير وجبل كينيا. وبعد سنوات من العمل، تحديدا في نهاية سنة 2007، بدأ تعافي هذه الغابات، الأمر الذي أدى إلى بداية إعادة تأهيل نظام بيئي كامل في المكان (ارتفاع في الأمطار، تقوية الغطاء النباتي، إعادة صحة التربة، تقوية الأنهار، إحياء الجداول، زيادة المياه الجوفية، الحفاظ ودعم التنوع البيولوجي، تحسين نظافة المياه،...).
وتمكنت هذه الحركة من زراعة، منذ العام 1977، ما يزيد على 30 مليون شجرة في أنحاء كينيا. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، فإن الأشجار التي تقوم حركة الحزام الأخطر بزراعتها ستستحوذ على 375 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2017.
وقد لعبت هذه الحركة عقب انتخابات 2007 دورا مهما في تأكيد رفض الصراع الدموي العرقي بين المتنافسين السياسيين ودعت إلى السلام والحوار وتقاسم السلطة بين رئيس كينيا «مواي كيبالي» وزعيم المعارضة الرئيسي «رايلا أودينغا»، ونظَّمت العديد من الفعاليات المدنية لدعم السلام الأهلي.
كما أن مثابرة ورعاية ماثاي، إلى جانب أمير موناكو؛ ألبرت الثاني؛ لحملة «ازرع نبتة من اجل الكوكب»، بشراكة مع مجموعة من المنظمات الأممية والحكومات والمنظمات غير الحكومية والجمعيات، أفضت إلى بلوغ هدف زرع مليار شجرة في العديد من أنحاء العالم بحلول أكتوبر من سنة 2007.
العمل مع الاتحاد الإفريقي
في العام 2005، عينها الاتحاد الإفريقي مسؤولة رئاسية عن تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وقد اعطي المجلس صلاحية رفع التقارير مباشرة لرؤساء الدول والحكومات، حيث تحددت مهامه في: 1/الاتيان بأصوات الشعوب الإفريقية إلى عمليات صنع القرار بالاتحاد، 2/تعليم الشعوب الإفريقية بشأن كل جوانب الشؤون الإفريقية (سياسة، اقتصاد، ثقافة، صحة)، 3/تشجيع المجتمع المدني في أنحاء القارة على العمل من أجل رفاهية الشعوب الإفريقية. وقد أشرفت عن انتخاب ممثلي المجتمع المدني لدول الاتحاد وانطلاق المجلس كهيأة كاملة في سبتمبر 2008. وقد عُد هذا المجلس – كما رأته هي نفسها - بمثابة «إقرار، ولو جزئيا، بالحاجة إلى أن يعمل المجتمع المدني والحكومات معا».

دور المجتمع المدني التنويري والبنائي:
حددته في التالي: «للمجتمع المدني دور حيوي يؤديه. فمن ناحية، يجب أن يضمن مساءلة الحكومة [الحكومة المركزية والمجالس أو الحكومة المحلية] عن احتياجات الشعب. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يتواصل أيضا مع الشعب عندما تتبنى الحكومة سياسات نافعة. وهذا أمر مهم بشكل خاص في بلد نامٍ حيث يكون تفكير الناس شديد المحلية، بسبب افتقارهم إلى التعليم والمكاشفة». «الحقيقة هي انأن كثيرا من الشركات والمؤسسات والحكومات لا تفعل الشيء الصحيح دائما. ولذلك، فمن الضروري العمل للمساعدة في إحداث تغيير إيجابي بشكل فعال في الحياة اليومية للسكان المحليين...».
تقدير الذات الفردية والجماعية، الثقة في النفس، الاعتناء بالتراث واحترام الآخر، العمل الدؤوب، تحمل المسؤولية، ضمان الشفافية، ... هذه هي وصايا وانغاري ماثاي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تدعو بريطانيا لمراجعة قرار ترحيل المهاجرين إلى


.. هل واشنطن جادة بشأن حل الدولتين بعد رفضها عضوية فلسطين بالأم




.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب


.. ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال




.. French authorities must respect and protect the right to fre