الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الازمة المصرية، كفرصة ذهبية !

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2017 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


كيف يرى النظام المصرى، الازمة الشاملة التى تواجهها مصر، والمتصاعدة على مدى العقود الست الماضية؟!.

لا ترى سلطة يوليو الممتدة، فى نسختها الاحدث، الازمة الشاملة المتصاعدة ، فى كل اوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية .. الخ، لا تراها باعتبارها ازمة سلطة، ازمة ناجمة عن ايديلوجية حكم فاشلة يجب تغيرها، وانما ترى الازمة باعتبارها فرصة ذهبية لتحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه من قبل!. فرصة لتحقيق المزيد من السيطرة المنفردة الشاملة والتامة على كل اوجه الحياة المصرية. هكذا تعتقد انه سيستقر الامر.


الازمة المصرية، كفرصة ذهبية للسلطة !

فى لحظة تاريخية درامتيكية، (امتدت من 25 يناير 2011 الى 30 يونيه 2013)، وجد قطاع عريض من الشعب المصرى نفسه امام شحنة عاطفية هائلة، لتتحق اخيراً احلامه واماله فى حياة انسانية كريمة، لن يجبر فيها عن ان يتنازل فيها عن واحدة من ابسط حقوقه، لتحقيق الاخرى، اما الحرية، واما العيش "الخبز"!. لقد وجد اخيراً من "سيحنو عليه" بعد طول حرمان، يعده بدولة مدنية ديمقراطية حديثة، فاذا به "يصدم" منه بالذات، باجراءات سياسية واقتصادية وامنية واعلامية، لم يشهد مثل قسوتها من قبل، حتى ممن ثار عليه!.

ان التغيرات المفاجئة السريعة والمتلاحقة التى شهدها المجتمع المصرى من تداعيات ما بعد 25 يناير 2011، مثلت فرصة ذهبية لنظام سلطة يوليو الممتدة، فى اتخاذ حزمة من الاجراءات شديدة القسوة على المستويات السياسية والاقتصادية والامنية والاعلامية، فى حزمة واحدة متعاضة، تدعم كلً منهم الاخرى. مستغلة فى ذلك حالة "الصدمة" وماخلقته من حالة تخبط وانقسام وتشوش سواء لدى قطاعات الشعب او النخب على حدً سواء. ليستعير النظام شعار ثوار يناير الابرياء "النوبه دى بجد مش حنسبها لحد"!.

لتتحول انتفاضة يناير الكبرى من فرصة محتملة لتحقيق، ولو الحد الادنى، من طموحات "الشعب الذى لم يجد من يحنو عليه"، لتتحول الى فرصة ذهبية لتحقق سلطة يوليو الممتدة، من خلالها، على ايدى نسختها الاحدث، وفى غيام الغبار الناجم عنها، ما لم يكن لها ان تستطيع تحقيقه من قبل!. ففى ظل غبار المعارك والاحداث الكبرى، يمكن تحقيق ما لا يمكن تحقيقه فى اوقات السلم الرمادية، فتصادر بالمعنى الحرفى كل السلطات فى يدها منفردة، لتحقق رغبتها العميقة الانانية الضيقة فى الانفراد بالثروة والسلطة، ولكنها بذلك تعمق فى نفس الوقت ازمتها الايديولجية المزمنة منذ استيلائها على السلطة فى منتصف القرن الماضى!.



فشل قوى التغيير المزمن !

ان الفشل المزمن الذى تعانى منه قوى التغيير المستمر على مدى اكثر من ستة عقود، والذى ابرز سماة قوى التغيير المتصدرة للمشهد السياسى "الانتهازية السياسية"، فى مواجهة سلطة شمولية مستبدة تجمع بين ايديها كل السلطات، ذلك على المستوى الوطنى، وصعود اليمين المدنى والدينى على المستويين الاقليمى والدولى، وهو ما يمكن ان يفسر فى جانب منه، لماذا وصل اليمين الدينى المصرى الى السلطة خلال السنة البائسة لحكم الاخوان لمصر، بغض النظر عن طريقة "سيناريو" ايصالهم الى الحكم فى سياق مواجهة "التفاف" السلطة حول تسونامى يناير 2011.

تحليلياً، يمكن اعادة استمرار الفشل المزمن الذى تعانى منه قوى التغيير، الى عاملين رئيسيين:

الاول: العامل الذاتى، المتمثل اساساً فى انقسام قوى التغيير ذاتها الى فريقين لكلً منهما ايديولوجية متناقضة مع الاخرى، الاولى، قوى مدنية يسارية تقدمية، ذات ايديولجية طبقية متناقضة جذرياً مع ايديولجية النظام الحاكم، فصراعها الرئيسى مع السلطة صراع ايديولجى، صراع على السلطة بطبيعة طبقية مناقضة. اما القوى الثانية الساعية للتغيير، فهى قوى مدنية ودينية يمينية محافظة، لا تختلف ايديولجيتها الطبقية جذرياً مع الايديولجية الطبقية للنظام، حيث ينحصر صراعها مع النظام، على السلطة فقط، ولكن على نفس الاسس الايديولجية الطبقية. انه صراع مصالح فى اعلى صوره، صراع الاستيلاء على السلطة بنفس طبيعتها الطبقية.

الثانى: العامل الموضوعى، فيعود الى درجة "تأخر" التطور "المادى" للمجتمع المصرى نفسه، وانعكاس "تأخر التطور" المادى على تخلف تطور الجانب الامادى للمجتمع، العادات والتقاليد والثقافة .. الخ، فمازال طور المجتمع ما قبل "المدنية"، من بقايا للعلاقات الانتاجية والملكية الاقطاعية، تسيطر على مساحات واسعة من الجغرافيا السياسية المصرية. اى تاخر تطور وسائل وعلاقات الانتاج نحو المجتمع الصناعى "المدنى"، فيما عدا سنوات قليلة استثنائية منذ عام 1952، سنوات خلال ستينات القرن الماضى. وبالتالى تأخر تطور الجانب الامادى للمجتمع المصرى، الذى يشكل حال توفره البيئة الحاضنة والمهيئة والقابلة لفلسفة وقيم التغيير.



الازمة المصرية، كفرصة ذهبية لقوى التغيير !

كيف تواجه قوى التغيير، الازمة الشاملة المتصاعدة التى تواجهها مصر؟.

مازال التناقض الجذرى بين ايديولجيتى قوى التغيير اليسارية واليمينية، من ناحية، وتخلف التطور المادى والامادى للمجتمع المصرى، من ناحية ثانية، هما المهمتان الرئيسيتان المطلوب ايجاد مخارج "اهداف" تكتيكية ومبتكرة قابلة للتحقق، فى اتجاه انجاز التغيير الاستراتيجى المطلوب، فى مواجهة انانية السلطة الشمولية المستحكمة.

لقد حددت السلطة الحالية، وفقاً لطبيعتها، موقفها من الازمة المصرية، بالمضى قدماً فى نفس الاتجاه السابق لها، ولكن بمعدلات فائقة السرعة والحدة، لاحداث "الصدمة" التى تمكنها من انجاز ما لم تتمكن من انجازه من قبل. لانجاز المزيد من السيطرة المنفردة الشاملة والتامة على كل اوجه الحياة المصرية. هكذا تعتقد انه سينجح الامر.

ينجح ذلك، فيصبح الناس مرتبكين وقلقين وخانعين ينتظرون الاوامر، ويتقاعس الناس ويصبحوا اكثر تبعية وخوفاً. عندها يصبح الناس بمعنى آخر فى حالة صدمة، لذا، عندما تؤدى الصدمات الاقتصادية الى ارتفاع جنونى للاسعار وانخفاض كبير للاجور، تبقى الشوارع هادئة والميادين فارغة. لا مظاهرات تطالب بالغذاء، او اضرابات تطالب بالحقوق, وتتكيف العائلات بصمت، وتفوت وجبات، وتغذى اطفالها بطعام منعدم القيمة لقمع الجوع، ويستيقظون قبل طلوع الفجر كى يسيروا ساعات الى عملهم، موفرين بذلك اجرة الباص. ينجح ذلك، ايضا،ً فى ازاحة الطبقة المتوسطة، "جزع المجتمع"، نحوالاسفل.(1)*


بالفعل، لقد نجحت السلطة حتى الان فى لجم اى رد فعل للمجتمع تجاه كل الاجراءات القاسية التى اتخذتها على طريق التطبيق الصارم لليبرالية الجديدة، الا ان تراكم ارباح هذه السياسات فى ايدى اعداد محدودة، واتساع قاعدة الافقار لتشمل الطبقة الوسطى، يوفر امكانية حقيقية لان تتحول هذه الازمة من فرصة ذهبية للنظام الحاكم، الى فرصة ذهبية لقوى التغيير والتقدم، شرط ان تحسن هذه القوى حسابات ميزان القوى الحالى والاهداف التكتيكية التى يمكن تحقيقها ، لانجاز تقدم حقيقى فى مجالى العاملان المتسببان فى الفشل المزمن لقوى التغيير حتى الان، السابق الاشارة اليهما .. هل نجرؤ على النجاح؟!.



سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
[email protected]
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam



المصادر:
(1) جريمة "الابادة الجماعية" الرائعة !*
* عن الكتاب الرائع "عقيدة الصدمة"، صعود رأسمالة الكوارث. للكاتبة والباحثة الفذة، كندية الاصل، نعومي كلاين.
https://www.4shared.com/office/WE6mvlL6/____-_.htm
فيلم مترجم للعربية عن نفس الكتاب. https://www.youtube.com/watch?v=YRDDQ9H_iVU&feature=youtu.be








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي