الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَتَىْ يَسْتَعِيْدْ اَلْسُّوْدَاْنْ بَنِيْ شُنْقُوُلْ ..!

فيصل عوض حسن

2017 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


مَتَىْ يَسْتَعِيْدْ اَلْسُّوْدَاْنْ بَنِيْ شُنْقُوُلْ ..!

د. فيصل عوض حسن

تَطَرَّقتُ كثيراً في مقالاتي عن سَدَّ النَّهضة الإثيوبي، لـ(إقليم بَنِي شُنْقُول) المُقام عليه ذلك السد الكارثيَّ، وذكرتُ بأنَّه إقليمٌ سُّودانيُّ خالص، وفق ما تَعَلَّمناه في مراحلنا الدراسيَّة المُختلفة، قبل تخريب وتشويه المناهج التعليميَّة والتربويَّة بواسطة المُتأسلمين. وما أدهشني وآلمني في آنٍ واحد، استفسار العديدين عن إقليم بَنِي شُنْقُول وكيفيَّة أيلولته لإثيوبيا، وبعضهم لم يسمع به أصلاً، وهذا أمرٌ مُؤسفٌ جداً، ويعكس التشويه المُتعمَّد لتاريخنا السُّوداني، وحجم التجهيل الذي تحياه الأجيال الحديثة، مما دفعني لتخصيص مقالتي الحاليَّة لهذا الإقليم السُّوداني، وحتميَّة استعادته لاعتباراتٍ إنسانيَّةٍ وسياسيَّةٍ/سياديَّة واقتصاديَّة.
في هذا الإطار، فإنَّ إقليم بَنِي شُنْقُول يقع شرق القضارف، يَحِدُّه من الشمال والشمال الشرقي إريتريا، ومن الشرق ومن الجنوب قمبيلا، ويتَّسِم مناخه بالاعتدال وتغطيه غاباتٌ كثيفة، وتُقدَّر أمطاره بنحو 1275 ملم. ويُقَسِّم النيل الأزرق بَنِي شُنْقُول لجُزأين، الشمالي به مُحافظة متكل، والجنوبي به مُحافظتي أصُوصا وخُمشا. ويُعدُّ الإقليم أخصب مناطق القرن الأفريقي، ويحوي احتياطي ضخم من الذهب والفضة، وأجود أنواع الرخام العالميَّة، وكميات وافرة من البترول لم تُسْتَغَلْ حتَّى الآن، فضلاً عن الأنهار الدائمة كدابوس وخوخا ومياه الجبال والأمطار، مما جَعَلَ الإقليم عُرْضةً للغزو والاحتلال (قديماً وحديثاً). ويُقدَّر عدد سُكَّانه بنحو 4 ملايين نسمة، وهو رقمٌ يختلف عَمَّا أعلنته إثيوبيا (670847) في تعدادها السُكَّاني لعام 2007، والذي جاء لأغراضٍ سياسيةٍ حسب تأكيدات أبناء الإقليم الأصليُّون، الذين هاجروا (قسراً) للعُمق السُّوداني هرباً من البطش الإثيوبي، واستوطنوا بقُرى النيل الأزرق والقضارف وسِنَّار والولاية الوسطى، وتكوَّنت على إثر تلك الهجرات بلاورا وود الماحي وبكوري وألياس وأفد التوم وأفد النويري.
وتشمل قبائل بَنِي شُنْقُول البرتا والقمز والشناشا، وقبيلتي الكوما والماو، وسُّكَّان المُرتفعات الذين و(وَطَّنتهم) الأنظمة الإثيوبيَّة لتغيير ديموغرافيا المنطقة. وهناك، قبائل الفونج والجبلاويين والجعليين والدناقلة واليعقباب، الذين تَزَاْوَجُوا مع البرتا وشَكَّلوا القبيلة المعروفة بـ(الوطاويط). ويُدين غالبية السُكَّان بالإسلام، وبعضهم يعتنق المسيحية، وجميعهم يتحدَّثون اللُّغة العربيَّة، بجانب اللُّغات الخاصَّة بالقمز والكوما والماو والبرتا، ويحيُون جميعاً في سلامٍ اجتماعيٍ مُتفرِّد، بعدما فشل الإثيوبيُّون في إزكاء الصراعات الجَهَوِيَّة/القَبَلِيَّةِ بينهم. ورغم الموارد الطبيعيَّة الضخمة، إلا أنَّ سكان بَنِي شُنْقُول يُعانون من الأُمِّيَّةً الشديدة، بعدما طَبَّقَ الإثيوبيُّون استراتيجيَّة عزل المنطقة، وحَرَموا أبناء الإقليم من التعليم (لا مدارس ولا معاهد أو جامعات)، وهَجَّروهم قسرياً وطاردوهم، وحَجَبُوا أوضاعهم المأساويَّة ومُعاناتهم المُتزايدة من التجهيل والإفقار والإمراض والقهر، بعكس إثيوبيي المُرتفعات الذين يُسيطرون على ثروات الإقليم، ويستمتعون بفرص التعليم والعناية من كافَّة الأنظمة الإثيوبيَّة المُتعاقبة.
ولقد حَدَّثنا التاريخ عن الصراعات الحدوديَّة التي شَهِدَها القرن الأفريقي، بجانب الصراعات التي قادتها بعض الشُّعوب للتحرُّر من هَيْمَنَة دول لم يكونوا جُزءاً منها، على نحو ما حدث بإثيوبيا التي دخلت في صراعاتٍ حدوديَّة عديدة مع جيرانها طمعاً في أراضيهم، وسيطرتها على أراضي البعض واعتبرتها مِلْكاً لها. علماً بأنَّ إثيوبيا هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي شاركت في مُؤتمر برلين عام 1884م، إبان التدافع الأوروبي نحو أفريقيا (1880-1900)، وهي ذات الفترة التي بدأت فيها قوميَّة الأمهرا بالتوسُّع، خصماً على سيادة الأقاليم الأُخرى، خاصةً بعد مقتل الملك يوحنا التقراوي عام 1889 على أيدي المُقاتلين السُّودانيين، وقفز منيليك الثاني على الحكم (1889-1913)، والذي اكتسب مكانةً خاصةً لدى الغرب، عقب هزيمته للإيطاليين في معركة (عدوه) بإريتريا في مارس 1896، فاستغلَّ هزيمة المهدية من الإنجليز واستولى على بني شُنْقُول، ثم القَلَّابات بحجة تأمين الطرق التجارية. وبعث برسائل للدول الأوروبيَّة حَدَّد فيها حدود دولته، التي شملت أجزاءً واسعة من السُّودان كالقضارف وكركوج على النيل الأزرق، حتَّى مُلتقي النيل الأبيض بنهر السوباط وغيرها من المناطق، بما يُؤكِّد الأطماع التاريخيَّة للإثيوبيين في بلادنا. ثُمَّ، وعقب سلسلة من الخداع والتسويف الإثيوبي، وافقت بريطانيا على تسوية مُرتبطة بمصالحها الاقتصادية، دون إشارة للحدود لعلمها التام بـ(سُّودانيَّة) بَنِي شُنْقُول، إذ سَمَحَت بريطانيا لإثيوبيا بـ(حكم) الإقليم، على أن يقوم منيليك بـ(دَفْع) جُزء من الذهب المُسْتَخْرَج بالإقليم لممثل الأسرة البريطانيَّة المالكة، وبذلك أصبح الإقليم تحت الإيجار، تدفع الحبشة مُقابل بقائها فيه (ذهباً) مع بعض الالتزامات الأخرى.
السرد التاريخي المُوثَّق والمُختصر أعلاه، يعكس الحقائق المُرَّة التي يُحاول البعض إخفائها وطَمْسِها من ذاكرة السُّودانيين عموماً، وفرض صورة ذهنيَّة بديلة للأجيال الصَّاعدة بصفةٍ خاصة، تعزيزاً للتجهيل المُتعمَّد الذي يُعانونه في أكثر من صعيد. ولعلَّ أقسى الحقائق وأكثرها ألماً، يتمثَّل في (تبسيط/استسهال) العديدين لاغتصاب إثيوبيا السَّافر لإقليم بَنِي شُنْقُول، بإنسانه المُتكوِّن من كل قَوميَّاتنا الأصيلة، وبخيراته وموارده الطبيعيَّة الوافرة دون وجه حق، وهذه كارثة تتحمَّلها جميع الأنظمة المُتعاقبة على حكم السُّودان، والقُوَّى السياسيَّة والنُخَب المُتعلِّمة المُنْضَوِيَة تحتها أو المُستقلَّة، بدءاً بالذين طالبوا بالاستقلال وأعلنوه من داخل وخارج البرلمان، وانتهاءً بمن تلوهم حتَّى الآن، سواء كانوا كياناتٍ مدنيَّة/مُسلَّحة أو مُنظَّمات مُجتمع مدني. فالعقل والمنطق يطرحان تَسَاؤُلاتٍ عديدة، تبدأ بِمَنِ المسئول عَمَّا جرى ويجري بِبَنِي شُنْقُول؟ ولماذا أُغْفِلَ هذا الجُزء الغالي من الوطن حينما طالبنا بالاستقلال؟ ولماذا لم يُطْلَبْ من بريطانيا استلام بلدنا كاملاً مُكَمَّلاً؟ ولماذا صَمَتنا على هذا طيلة هذه المُدَّة؟ وكيف تجاهلنا (ولا نزال) دَمَّنا ولَحَمنا من أهلنا بِبَني شُنْقُول، الذين ما زالوا مُتمسِّكين بسُّودانيَّتهم ويفخرون بها؟ إلى متى نتركهم للإثيوبيين يُجَهِّلُونهُم ويُجَوِّعُونهم ويُشَرِّدونهم؟ وهل يَجهل السُّودانيُّون جبال الذهب والأنهار وأخصب أراضي القرن الأفريقي التي عرفها الألباني محمد علي قبل قرنٍ ونصف من الزمان؟
ولو تَحَمَّلَ الأوَّلون بعضاً من المسئوليَّة، عن هذه الكارثة الإنسانيَّة والسياسيَّة/السياديَّة والاقتصاديَّة، فقد أضاف البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة خطراً آخر أكثر كارثيَّة، حين سمحوا لإثيوبيا ببناء سد النهضة في بَنِي شُنْقُول السُّودانيَّة الخالصة (أرضاً وشعب)، وتضليل السُّودانيين باستفادتنا من هذا السد، دون توضيح أين ومتى تمَّ (توثيق/تثبيت) تلك الفوائد! حيث غلُبَتْ الضبابيَّة والعموميَّة، على جميع مُفردات/بنود اتفاق سد النهضة الذي وَقَّعه البشير، وغابت تماماً النصوص الواضحة و(المُلْزِمَة) لإثيوبيا بأي شيء، سواء تأمين سلامة السد أو التعويض في حالة الخطر، أو إتاحة الكهرباء بمقابل أو بدونه وحجمها ومسئوليَّة وتكاليف نقلها، حَتَّى عمليَّة التشغيل والملء تسيطر عليها إثيوبيا.
إنَّ حديثي عن بَنِي شُنْقُول ودعوتي لاستعادتها، ينطلق من أبعاد ودوافع إنسانيَّة وتاريخيَّة وسياسيَّة/سياديَّة واقتصاديَّة ثابتة ومُوثَّقة، ومن العيب والعار إنكارها أو التشكيك فيها أو حتَّى تبسيطها. فأنا أتحدَّث عن شعبٍ يبلغ تعداده ٤ ملايين نسمة، تجري في دماؤُه جميع أعراقنا السُّودانيَّة الأصيلة، شمالاً وغرباً وشرقاً وجنوباً ووسطاً، وما من قبيلةٍ سُودانيَّةٍ إلا وبها عِرقٌ ونَسَبٌ/مُصَاهَرة بهذا الإقليم. كما تعني بَنِي شُنْقُول موارد السُّودان الطبيعيَّة الهائلة التي تبتلعها إثيوبيا دون وجه حق، بدءاً بالذهب والفضة والرخام والأراضي الخصبة، وانتهاءً بمصادر المياه المُختلفة وأهمَّها الأمطار التي تفوق مُعدَّلاتها 1700 ملم/السنة، والجانب الأعظم من بحيرة تانا حيث أهلنا القمز وغيره. وبَنِي شُنْقُول تعني أيضاً سيادتنا الوطنيَّة المُهدَّدة الآن ومُستقبلاً، إذا اكتمل بناء سد النهضة المُقام فيها، والذي سيكون كالخِنجر في خاصرتنا، خاصةً مع ضخامة طاقته الاستيعابيَّة البالغة 74 مليار متر مُكعَّب من المياه، وهي كميَّة كبيرة جداً تتقاطع ومُقتضيات السلامة، وتختلف عَمَّا حَدَّدته إثيوبيا في استراتيجياتها السابقة، بما يُؤكِّد سوء نواياها تجاه السُّودان وأهله. ويزدادُ (عَارُ) صَمْتُنا أكثر، بعدم امتلاك الإثيوبيين لأي وثيقة رسميَّة أو غير رسميَّة تُثبت أحَقِّيتهم بَنِي شُنْقُول، بخلاف (سُّودَانِيَّة) السُكَّان (الأصيلة) شكلاً وثقافةً ولُغةً وسُلُوكاً ووجداناً، ورُفاة الأجداد ومُحافظة الأحفاد على حضارتهم، تُعدُّ – بجانب الحقائق التاريخيَّة المُوثَّقة – أَدِلَّةً واضحةً على سُّودانيَّة الأرض والشعب!
قد يَتَحَجَّج البعض بالحدود الدوليَّة وضرورة احترامها وغيرها من التُرْهات، ولهؤلاء نقول بأنَّ إثيوبيا تَهَرَّبت من ترسيم حدودها مع السُّودان منذ عهد الإنجليز، ليتسنَّى لها ابتلاع المزيد من الأراضي وهو ما حدث فعلاً سابقاً وحالياً، إذ ابتلعت بَنِي شُنْقُول وقمبيلا وغيرهما، وانتهت بأخصب أراضينا بالفشقة وشَارَفَت القضارف، بإقرار وَاْلِيْهَا ومُمثِّل الفشقة بالبرلمان، ولا يزال الزحف الإثيوبي مُستمرَّاً في أراضينا، ولن يتوقَّف طالما بقينا في غفلة، وصَدَّقنا أكاذيب وتضليلات المُتأسلمين وإعلامهم المأجور، الذين لا يعرفون معاني الوطنيَّة والسيادة والاستقلال والعِزَّة والكرامة، واستعدادهم عالٍ للتنازُل عن أي شيئ، خوفاً على أنفسهم وتحقيقاً لمصالحهم الشخصيَّة، ومَلَذَّاتهم التي لا تنتهي. وكخُطوةٍ عمليَّة، أُجَدِّد دعوتي السابقة للقانونيين، لإعداد (عرائض/مُذكِّرات) قانونيَّة دوليَّة وإقليميَّة رصينة، لتثبيت حقوق السُّودان في بَنِي شُنْقُول وإنقاذ أهلنا وإيقاف مُعاناتهم التي فاقت القرن من الزمان، وهي فرصةٌ مُناسبةٌ لتأطير اتفاقيَّة سد النهضة (المُختلَّة/المنقوصة)، وتغييرها بما يحفظ حقوقنا، ويضمن سلامتنا حاضراً ومُستقبلاً، وليتم إشراك بريطانيا في الموضوع كشاهد إثبات على ما جرى، وفق ما حدث في مُنازعات العديد من الدول التي كانت مُسْتَعْمَرَة.
ولنتجاوز أكاذيب المأجورين والمُتخاذلين، المُتدثِّرة بعلاقاتنا الشعبيَّة بالإثيوبيين وغيرها من التُرهَات، فالسيادة الوطنيَّة ومُستقبل أولادنا وسلامتهم، تَسْبِق العلاقات الشعبيَّة التي يجب أن يسودها (الاحترام) المُتبادل. ولنتأمَّل ما فعلته الكيانات الإثيوبيَّة، حينما سمعوا بترسيم حدودهم معنا، رفعوا مُذكِّرة لأمين الأُمم المُتَّحدة، رفضوا فيها الخروج من أراضينا التي أحتلُّوها عُنوةً، مما دفع ديسالين للالتزام/التعهُّد أمام برلمانه، بعدم اتخاذ أي خطوة بشأن الحدود إلا بالرجوع للشعب (تجدون أدناه روابط العريضة الإثيوبيَّة+تفسيرات ديسالين للبرلمان والإعلام)!
لتكن العرائض القانونيَّة أعلاه، رسائل قَوِيَّة وجَادَّة لجميع الطَّامعين في السُّودان ومُقدَّراته، وخطوةً عمليَّةً لاستعادة ثقة الشعب السُّوداني في كياناتا ونُخبنا، وحافزاً حقيقياً لتعزيز الالتحام الشعبي المطلوب لاقتلاع البشير وعصابته المأفونة، ومُحاسبتهم ومُعاقبتهم على جرائمهم المُتراكمة ضدنا. والمطلوب من كياناتنا السُّودانيَّة (مدنيَّة/مُسلَّحة) تبنِّي وتقديم هذه العرائض والمُذكِّرات، كآخر فرصة لإثبات جِدِّيتهم وحِرصَهُم على السُّودان (دولةً وشعب)، وتسمية مُمثِّليهم القانونيين بشكلٍ رسمي وعاجل، ومُساعدة القانونيين المُستقلِّين الرَّاغبين بالمُساهمة في هذه المُهمَّة الوطنيَّة النبيلة.. وللحديث بقيَّة.


الروابط:
1) العريضة الإثيوبيَّة https://ecadforum.com/2015/12/16/petition-letter-to-un-secretary-general/
2) تفسيرات ديسالين للبرلمان http://www.sudantribune.com/spip.php?article57496








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية