الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان وطني نخلة

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 12 / 17
الادب والفن


ترافقني الأوطان حيثما ذهبت، ولكل وطن في قلبي مكان، الوطن عندي هو المكان الذي يعشش في ذاكرتي، واليوم أحنّ إلى وطن كان ظلّ نخلة. كنت أبحث عن روحي قرب نخلة في بلاد بعيدة هناك. كان النخيل يرقص معي، أغنّي له: تعال نرقص من أجل الحبّ. عندما ننهي رقصاتنا بعد منتصف الليل ،وفي طريقي إلى منزلي يرافقني شبح ، أصل المنزل، أمشي حافية القدمين كي لا يستيقظ النيام.
تأتيني تلك النخلة في حلمي وتقول لي: كيف نسيت عهودنا؟
أمسك بيده أعني شبحي، نرحل إلى بساتين النخيل، نجدّد اللقاء، نرقص معاً بين بساتين النخيل. يعود الماضي بتفاصيله عندما كان يعزّ عليّ النوم، وأشعر بالعجز على مقدرتي على الوفاء للحياة كنت ألوذ بشجرة نخيل ضمن حديقة ، أو على طرف بستان، أسند ظهري إلى جذعها، وتأخذني الأفكار، وأصحو من وحدتي على خيال شبح.
في مدينة لا تنام. هناك بين بساتين النخيل ، كنت أتسلل وبيدي عباءتي في كيس، وحالما أدخل إلى المصعد ألبس العباءة، وألف رأسي بالغطاء متنكرة لعالم النّهار، أتوجه إلى البحيرة حيث تغصّ بالناس في جميع أوقات الليل والنهار، أقف إلى طرفها، أراقب دمعي كيف يصنع دوائر على الماء، وأرى وجه أمي تقود قارباً سوف تقلني فيه، ثم تختفي، وتظهر لي وجوه أخرى يعزّ علي فراقها، أنسى من رأيتهم قادمين بقواربهم كي يقضوا معي ساعة من الوقت، أمسك بالقلم والأوراق التي أحضرتها ، أكتب رسائلي إلى الذين مرّت وجوههم أمامي ثم أرميها للبحيرة. كنت واثقة أنها تستطيع إيصال الرسائل.
في إحدى المرّات كتبت رسائل شتيمة للحياة، وزينتها بثورة حارقة، رفضت البحيرة أن تستلمها، فمشت النوارس فوقها تداعبها، ورفضّتُ عمل النوارس، أمسكت حزمة الأوراق التي كانت في يدي ثم وضعتها في فمي، عضضت عليها، وأنا أصرخ أيها العالم. كم أنت سافل! كانت ساعة من المصارعة بيني وبيني، اضطرتني أن أبتلع الأوراق واحدة بعد الأخرى إلى أن هدأت ،وكنت قد أمضيت بضع ساعات أثور، وبعد أن قمعتني حان أذان الصبح، قرّرت أن أحتمي بالجامع، ودخلت إلى مكان صلاة النساء. كانت تعجّ بالأعجميات، وكنّ ينادين لي" مام"، ولم أكن كبيرة في السن كثيراً ، لكن ابتلاع الورق أربكني، أحضرن لي كرسي من أجل الصلاة على كرسي- ربما بدوت عاجزة -، أشرفن علي صلاتي بشكل دقيق مما اضطرني إلى تقليدهن محركة بشفتي ، ومع أنني كنت أفعل كما يفعلن، تأتي واحدة منهن بين الفينة والأخرى ليغيرن وضع كفيّ الموضوعتان فوق بعضهما بكل لطف، وأستجيب كالآلة. خرجت، ولم أجد حذائي، و هذه هي المرة الثانية التي أخسر فيها حذائي في الجامع. كانت المرة الأولى في رمضان حيث كان الطقس حاراً، واحتميت في الجامع، وكنت قد فزت بالطريق بوجبتي إفطار مجانيتين، ومرة أخرى كانت النساء لسن عرباً، فرشن السفرة المشتركة، وأكلن وجبتي- لم أكن جائعة- بل كنت أراقب فقط. ذهبت هذه المرّة أيضاً حافية إلى المنزل، وفي المصعد خلعت العباءة ووضعتها في كيسها، ودخلت بثياب النوم ،وإذ بابنتي تحضّر نفسها للذهاب إلى العمل. قالت: لماذا تنزلين بثياب النوم؟ قلت لها: كنت أبحث هنا أمام الباب عن المفتاح.
الليل والنخيل رافقاني لأكثر من سبع سنوات، وكلما طلع النهار، واستيقظ النخيل أعود إلى المنزل فأستحمّ، وألبس ثيابي، أذهب للعمل، وأنا في أوج نشاطي.
بعد منتصف الليل يكون النخيل نائماً. كنت أسمع أنفاسه، وأشعر أنني متطفلة على عالمه، وعندما كان يستيقظ يوقظ جميع الطيور عليه.
عشنا أنا والنخيل، والشبح لحظات الحبّ أحياناً، في إحدى المرات كان الشبح يجلس على مقعد أمامي لم أر سوى قفاه. سرق أوراقي وقلمي، ودوّن على الورق: " كل شيء من أجل الحب" وكتبنا أغنيتنا معاً تحت هذا العنوان. أغنية راقصة مليئة بحكايات الغرام.
عندما حانت لحظة الوداع. ذهبت للمرة الأخيرة بثيابي العادية، كنت على أهبة للسفر، وكان معي أوراقي وقلمي، والشبح يمسك يدي، يبكي.، ثم تناول القلم، وكتب فوق أوراقي. عنوان صداقتنا هو: "مذكرات امرأة بعد منتصف الليل"، وأعجبت بالعنوان فكتبت فيما بعد حوله قصة من الخيال.
ذلك الشبح الذي ملأ عالمي رأيته عندما اقتحم نخلة واختبأ فيها، وبينما كنت -أنا الطرف الخائن- في الطائرة. كنت أسمع صوت عويله. هي قصة حبّ متبادلة بيني وبينه. تركته هناك في قلب نخلة قرب بحيرة كنت أبوح لها بتفاصيل عمري. في ذلك اليوم، وطوال رحلتي . كنت أحنّ إلى وطن كان نخلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأسود والنمور بيكلموها!! .. عجايب عالم السيرك في مصر


.. فتاة السيرك تروى لحظات الرعـــب أثناء سقوطها و هى تؤدى فقرته




.. بشرى من مهرجان مالمو للسينما العربية بعد تكريم خيري بشارة: ع


.. عوام في بحر الكلام | الشاعر جمال بخيت - الإثنين 22 أبريل 202




.. عوام في بحر الكلام - لقاء مع ليالي ابنة الشاعر الغنائي محمد