الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم الأجتماع والنظرية الأجتماعية ودورها في التطور والتحديث الأجتماعي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 12 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


السؤال الذي يتردد دائما عند المختصين والمهتمين بالشأن الأجتماعي حول العلل والأسباب الحقيقية التي ترقل عملية التطور الأجتماعي والنهوض بالواقع المعاش، أملا في تحسين الظروف العامة التي تجعل حياتنا أكثر قدرة على التلائم مع التغيرات والتحولات الكونية المتسارعة والتي تجتاح العالم من حولنا بكل ما فيها من إمكانيات لحماية الإنسان وحقوقه من العبث والتعدي، هذا السؤال لم يطلق عبثا ولا يخرج من فراغ ولا هو من نمط الأحلام والمثاليات التي يتشيث بها البعض، أو يرفعها شعارات لغرض المزايدة في الصراع الدائر بين التخلف والتمدن الحضاري.
حقيقة لا يمكن أصلاح الواقع الأجتماعي في بلداننا المتخلفة كجواب لهذا التساؤل المشروع ما لم نشرع بتأسيس وبلورة نظرية أجتماعية وطنية حداثية، تراعي أساسيات وأسباب التخلف والعلل والمعطيات التي تقف في وجه كل المحاولات الفكرية والعلمية والثقافية التي تسعى لها النخب وقادة الحراك الاجتماعي المدني المتنور، ولا بد هنا أن ندرك أن التطور والتحول لا ينشأ من فراغ ولا يأت أستحقاقا دون سعي وعمل حضاري وفكري تخبوي جاد، من خلال التركيز على الدراسات النقدية العلمية ونشجع البحث الأجتماعي التنظيري لعلاقات المجتمع وقيمه، فنحن نواجه أختلالا رهيبا ومدمرا وليس أهتزازا مجتمعيا نتيجة التناقضات الفوقية والحضارية والثقافية فقط.
ومن أساسيات هذا الفشل والمراوحة الواقعية في واقع لا يتحرك ولا يتطور إلا من خلال الهزات العنفية وأحيانا يكون الفعل الخارجي القادم بكل سلبياته وإيجابياته محورا مهما من محاور التغيير، هنا أو أن أنبه إلى إن تغيب دور علم الأجتماع ومفكريه والدراسات الأستقصائية والأكاديمية التي تدرس واقع المجتمع وتؤشر على مكامن التخلف كان القصد منها دائما أن تبقى الأمور كما هي بلا تغيير، أو محاولة تجسير الهوة الأجتماعية لمصلحة المنتفعين من هذه الفوضى والنكوص المجتمعي الذي يقودنا للوراء دوما بفعل سيطرة قوى ومحركات أجتماعية ترى في التغيير والتطور والتحديث مساسا بوجودها الشخصي دونما حتى الأهتمام بالمصلحة الكلية للمجتمع.
لقد شهد التأريخ الأجتماعي في كوكبنا الأرضي دورا مهما لعلم الأجتماع ونظرياته ورؤاه ومناهجه ودراسات في أحداث التغيرات الكونية في حياة الشعوب والأمم، وقد تمكنت هذه المجتمعات ومن خلال النظرية الأجتماعية التي تبلورها وتختارها أن تحدث قفزات نوعية ومفصلية في حياتها، لكن الشعوب والامم التي تفشل في أحترام العلم والمعرفة ومنها علم الأجتماع لا يمكنها أن تنهض معتمدة على قوانين السيرورة الطبيعية فقط، أو تنتظر للتغيرات أن تحدث بتلقائية تظن أنها طبيعية، العمل الأجتماعي مهما كان مصدره أو أساسه يحتاج إلى قوانين دافعة ونظم تشغيلية تستهدف المجال الذي تعمل به أو تستهدفه، فكيف بعلم يحظي بقدر عال من المسئولية في وضع أستراتيجيات التغيير وألياته ويصنع للمجتمع تصورات قابلة للتجسيد والعمل الطبيعي.
حسب رأي علماء الأجتماع والمتخصصين في الدراسات الأجتماعية العلمية التفصيلية فإنّ المجتمع البشري عبارة عن منظومة كائنة بالتحرك ومرتبطة بعوامل أساسا تفتقد للثبات فهي معقدة غير متوازنة تتغيّر وتتطوّر باستمرار، حيث تدفع هذه التعقيدات والتناقضات عوامل التطور الاجتماعي الباحثين إلی الاستنتاج المنطقي التالي كرؤية علمية ننلخص في إنّ أي تبسيط أو تقليل أو تجاهل تعدّدية العوامل الاجتماعية يؤدي حتماً إلی تكاثر الأخطاء وعدم فهم العمليات المبحوثة، وأهمها عوامل تحريك المجتمع وأستجابته لكل البواعث والحوافز التي تساهم في أنتقالاته المتماهية مع حركة الزمن وتستجيب له، هذه التناقضات المتعددة في مناشئها ومقدماتها العمليسة ليست الوحيدة التي يمكن دراستها، فلا بد أيضا لا بد من دراسة المجتمع من كل الجوانب وبصور تعتمد الأحاطة والترتيب وتقديم العوامل الفاعلة الأكثر أهمية وقدرة على فعل التجديد والتطوير.
فبالرغم من حقيقة قد استقرّ الرأي عليها عند الكثيرين ممن يدرسون المجتمع وعلائقه وقوانينه دراسة منهجية علمية، وهي أنّ اكتشاف القوانين العلمية العامة أمر مستحيل في مجال دراسات التطوّر الاجتماعي للمجتمعات، ويعتقدون أن هذا الفهم مسيطراً سيطرةً شاملةً علی المجموعة الأكاديمية وخاصة بين الذين يتخصّصون في الإنسانيّات ويواجهون بشكل مباشر في بحثهم كل تعقيدات وتركيبات العمليات الاجتماعية، فطريقة بحث المجتمع البشري كمنظومة بالغة التعقيد هي أن نعترف بمستويات مختلفة من التجريد ومقاييس الزمن، هذا العامل المتغيير صحيح أنه أحد العوامل الحاسة ولكن مجرد أن ننتبه لدوره العام وأخذه بالحسبان بذات الأهمية يمكن أن يفضي لنا بدراسات هي الأقرب إلى الحلول منها للنظريات المجردة، فالزمن يكشف العيوب الأجتماعية الراسخه كما أن يمنح المفكر والدارس الأجتماعي أن يبني التحولات على مدى أوسع من راهنية الواقع ومتطلباته السريعة.
فالمهمة الأساسية للتحليل العلمي الأجتماعي هي إيجاد خطوط القوی الفاعلية والرئيسية التي تؤثّر علی أنظمة معينة تؤدي بدورها إلى سلسلة أخرى مهمة من القواعد والفواعل التفصيلية لاكتشاف القوانين العلمية المبدئية عن طريق التجرّد من التركيز على التفاصيل أو انحرافات تلك القواعد، طبيعياً الذين يعتبرون المجتمع البشري عبارة عن منظومة بالغة التعقيد بالفعل لا يهملون الجزئيات أو يتروكها للتجربة ما لم يحددوا سلفا بعض المعايير والحلول الخاصة، فهل يمكننا بهذا الحال أن نطلق على النظريات الأجتماعية بهذه التركيبة المزاوجة ووصفها بقوانين علمية بسيطة؟ إنّ المنجزات الحديثة في مجال النمذجة الرياضية تمكّننا أن نجيب علی هذا السؤال جواباً إيجابياً محدّدأ وخاصة في علم الأجتماع كعلم معرفي إنساني، بل ومن الممكن وصف التطوّر الاجتماعي بواسطة (ماكروقوانين) دقيقة وبسيطة بشكل مقبول لأنها تراعي الخصوصية التفصيلية والمميزة لمحل القوانين والنظريات كونها ترتبط بالإنسان والمجتمع وليس مادة جامدة لا تنفعل ولا تتفاعل مع مختلف الظروف والحالات التي لا تحتسب ولا تدرك بفاعلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي