الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما لم تكنه ثورة 21 أكتوبر السودانية

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2017 / 12 / 18
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


هذه كلمة مقتضبة بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لثورة 21 أكتوبر السودانية تتجاوز خريطة احداثها المباشرة (plot) بالنظر إليها في إطار اجتماعي كلى يماثل (بشكل نظرى تقريبى) الانتقال في علم الرياضيات من الحساب العادى إلى حساب التفاضل والتكامل وفى تكنولوجيا الكمبيوتر من الإشارات التناظرية إلى الرقمية. فهنالك كم هائل من المؤلفات الجيدة المتنوعة في تعديد الأسباب التي أدت إلى ثورة أكتوبر والأحداث التي رافقتها والأحزاب والفئات الاجتماعية والشخصيات البارزة التي ارتبطت بمجريات وقائعها، بالإضافة إلى وجود معلومات وفيرة التفاصيل حول الفترة الانتقالية التي أعقبتها. لكن معظم الكتابات المتعلقة بتقويم "ثورة" أكتوبر السودانية -1964- تقع في الالتباس المتمثل في عدم النظر إليها من زاوية ما لم تكنه وهو انها ليست ثورة بمعنى التغيير السياسي الراديكالي للواقع الاجتماعي الاقتصادي؛ فهى لم تكن ثورة بالمعنى الحرفى للمفهوم. إلا أنه لا تثريب على من يُغنِّج هبة الشعب الكبرى في اكتوبر بإطلاق كلمة ثورة عليها ولكن يجب ان لا يكون تبجيلها مدعاة لعدم الانتباه لكُنْه حقيقتها وبالتالي ضياع سانحة الاستفادة من دروسها.

إن الثورة هي تغيير جذرى ينتقل بالمجتمع إلى واقع اجتماعى/اقتصادى أعلى من المستوى السائد وذلك بإعادة تشكيل جهاز الدولة على أسس جديدة لكى يتماشى مع هذه النقلة التي لن تحدث الا عندما:

• تكون الطبقة الحاكمة عاجزة عن الحكم. والمقصود هنا الطبقة وليس النظام الذى يمثلها في الحكم في لحظة معينة.
• يستفحل الظلم على الناس ويتدنى مستوى معيشتهم بشكل مريع.
• تكون الفئات الإجتماعية، التى يقع على عاتقها تاريخياً القيام بعملية التغيير، ناضجة للاضطلاع بمهمتة.

وعليه فإن الشرط الأساس الذى أعاق الإنتفاضة من تكون ثورة كاملة هو أن اليمين ممثلاً في التحالف الطبقى الشبه إقطاعى وبرجوازى الذى كان يسهر على حماية مصالحه نظام الحكم العسكرى كان في عنفوانه ولم يكن عاجزاً عن إستلام مقاليد الحكم وإعادة هيكلة السلطة السياسية على حسب رؤاه؛ كما أن الدعم الخارجى كان فى صالح هذا التحالف الذى كان سعيه عقب الانتفاضة لمواصلة الإعتماد على المساعدات المالية الغربية المشروطة ومؤسسات التمويل الدولية تعبيرا له. ففي أقل من أربعة أشهر إستطاع التحالف اليمينى تبديد آمال الشعب بإسقاط حكومة أكتوبر الأولى، التي شكلت في الأول من نوفمبر 1964.

كما ساعد فى الإسراع لإجهاض الإنتفاضة فقدان الشعب للقيادة التي كان يمكن ان تبدى مقاومة لهذا الفعل. فمثلاً لماذا اختفت المتاريس فى الدفاع عن حكومة الإنتفاضة مع ملاحظة أن حمايتها كان يمكن أن تعظم هدف إزالة النظام العسكرى إذ أن مناصرة تلك الحكومة يعطى للتغيير معنىً ومحتوى، وهو الربط الذى لم يلازم حدث الإضراب السياسى وافتقدته ليلة المتاريس في 9 نوفمبر 1964.

بعض الاغرار لا ينصفون أصحاب الراي القائل بعفوية انتفاضة أكتوبر باعتبار ان الغرض هو التشكيك. لكن هذا ليس تشكيكا بل هو إعتقاد جازم على أن الحراك العفوى لا يمكن أن يكون آلية التغيير ولا يمكن أن يتمخض عنه غير الحفاظ على الوضع السائد (status quo). كما أنه لا توجد قوة يمكنها إيقاف التحركات العفوية طالما إستشرى القهر والظلم، وفى الوضع الحالي تكون مواجهة السلطة الحالية للتحركات العفوية للجماهير أكثر حدة وعنف مما حدث في سبتمبر 2013 نظراً لطبيعة الحكم السائد. ومهمة الأحزاب الثورية هي نقل التلقائية إلى مستوى الفعل الواعى؛ فما الفائدة من الأحزاب الثورية إذ لم تعمل على تحقيق هذا؟ فاذا كانت الجماهير هي صانعة التاريخ فإن هذه الأحزاب لا تناضل بالوكالة عن الجماهير فدورها هو توعيتها وتنظيمها وتعبئة جهودها. الاحزاب الثورية هي بمثابة اركان حرب الجماهير.

هنالك عدة إنجازات عجلت الانتفاضة بتحقيقها، منها:

• خفض سن الاقتراع القانونية في الانتخابات من ٢١ إلى ١٨ سنة.
• منح المرأة كامل حقوقها السياسية.
• إصدار قرار وزاري في نوفمبر 1964 يدعو لإيجاد حل قومي يزيل التوتر والحرب في جنوب السودان.
• منح العمال والمزارعين والمهنيين سبعة مقاعد وزارية في مجلس وزراء حكومة أكتوبر الأولى.

وهكذا انحنى اليمين وفى طليعته الأحزاب الطائفية لعاصفة أكتوبر وأذعن موقتاً إلى الانتفاضة ووافق على بعض الإصلاحات إرضاءً للشعب وتجنباً لتصاعد الأحداث.

لكن محدودية تلك الإنجازات كإصلاحات جزئية في جسم المجتمع، هى الدليل على ان انتفاضة أكتوبر لم تكن ثورة مكتملة. ولا تزيُّد في القول بأن مثل هذه الإنجازات يمكن إحرازها - فى ظروف معينة- تحت سلطة أنظمة بينها وبين الشعب ما صنع الحداد، فمثلاً فى السودان انتزع العمال بعض الحقوق النقابية من المستعمر البريطاني (هيئة شئون العمال في 1947 التي تطورت لتكون في 1949 " نقابة عمال السكة الحديد السودانية"). وعلى صعيد التاريخ العالمى فإن الجنرال الأمريكي الشهير دوجلاس ماك آرثر هو من أعد برنامج الإصلاح الزراعى في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية في 1947 في إطار النظام الراسمالى للقطر الآسيوى؛ والشاه محمد رضا بهلوى أحدث قدراً من الاصلاح الزراعى في فترة حكمه لإيران، كما أعطى المرأة حق التصويت. اما بالنسبة لتمثيل العمال والمزارعين فإن الأنظمة المستبدة في الدول النامية ظلت تتفنن في إخراجه تمثيلاً ديكورياً لا جدوى من ورائه ...فأمامنا التجربة المصرية حيث لم يجنى جمهور العمال والفلاحين أي مكاسب من تمثيل صورى لهم بنسبة 50 بالمائة من المقاعد فى الجهاز التشريعى منذ ايام عبد الناصر وحتى الغائه فى دستور 2012 الذى وضع بإشراف القوات المسلحة المصرية!!

إن الظروف الموضوعية والتوازنات الطبقية وديناميكية التدخل الخارجي في شئون البلاد الداخلية، إضافة إلى ضعف العامل الذاتي، لم تكن تسمح بتغيير جذرى في جهاز الدولة في أكتوبر 1964، أي- باختصار-إبدال بنية الدولة السودانية التي تتحدر منها الحكومات المعادية للشعب بالدولة الوطنية الديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا


.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024




.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال


.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري




.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا