الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عسكر سوسة..بين الامس واليوم

عبد السلام الزغيبي

2017 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



الكثير ممن سمع هذه العبارة يتبادر الى ذهنه للوهلة الاولى علاقة هذه العبارة مع بلدة سوسة الساحلية الليبية ولكن الحقيقة ان لا هناك علاقة البتة بين انتشار هذه العبارة والبلدة الليبية الجميلة على ساحل البحر المتوسط

وقد درج الجيل الاول من الليبيين على استخدام عبارة عسكر سوسة كوصف لكل من يتصف بصفة شريرة و منفرة، وصارالمصطلح يتداول في الثقافة الشعبية، ليطلق على كل من يقوم بفعل أو قول أو سلوك به خبث وقلة حياء، بمعنى آخر كل من لا يتورع عن فعل القبيح والمستنكر،ولا يراعي ضوابط السلوك السائدة في المجتمع.

في عصرنا هذا، اتسع نطاق تعريف هذا المصطلح فأصبح يطلق، مزاجا حتى على الأطفال ذوي المكر والمغرمين بالمقالب والمشاكسة،و وصل الأمر بالاباء ان ينصحوا اولادهم بعدم مرافقة امثال هؤلاء مخافة أن يتبعوا طريقهم..

وحتى إن قل استخدام هذا المصطلح كثيرا عند الجيل الحالي الا انه مازال البعض من الجيل القديم يستخدم هذه اللفظة..

دعونا نتعرف على سبب التسمية وتاريخها..

تعود هذه التسمية الى احداث وقعت في القرن الثامن عشر في مدينة طرابلس الغرب ..

كانت طرابلس في القرن الثامن عشر تعاني من صراعات بين أسرة القره مانلي للاستيلاء على الحكم، و في يوم 26 يوليو 1794م و في خضم تلك الصراعات فوجيء الأهالي بظهور أسطول صغير يحمل العلم العثماني يرسو امام شواطئها بقيادة قرصان يدعى (علي برغل) وهو انكشاري عثماني كان يعمل تحت إمرة دايات الجزائر و يمارس القرصنة في المتوسط لحسابهم، و نزل علي برغل الى طرابلس حاملا فرمانا عثمانيا مزورا بتوليته حكم طرابلس، ففرت عائلة القره مانلي الى تونس و نزلوا تحت حماية حمودة باشا حاكم تونس فأكرم نزولهم عليه و أجرى عليهم جرايات سخية مما أثار حفيظة علي برغل على حمودة باشا فأعلن العداء له و جاهر بنيته لإحتلال تونس، و ذات يوم جنحت سفينة حربية تونسية الى شواطيء طرابلس بسبب عاصفة عاتية فأمر علي برغل بأسر السفينة مع طاقمها المكون من 200 بحارا،و في يوم 24 سبتمبر 1794 م قام بإرسال اسطول صغير استولى على جزيرة جربة التونسية .
و بعد شهرين من الهجوم على جزيرة جربة و تحديدا في يوم 22 نوفمبر 1794 م أرسل حمودة باشا اسطولا الى جزيرة جربة لتحريرها تزامنا مع هجوم بري على طرابلس ابتدأ مسيره من مدينة سوسة التونسية بجيش قوامه عشرين ألف عسكري بقيادة مصطفى خوجة والأسرة القره مانلية و أطلق على هذا الجيش اسم عسكر سوسة و في طريقه الى طرابلس انضم العديد من أبناء القبائل الى هذا الجيش منهم من انضم طمعا في الغنائم و منهم من انضم بسبب بغضه لعلي برغل حتى بلغ تعداد هذا الجيش ثلاثين ألف مقاتل عند وصوله الى طرابلس،و في ليلة 18 يناير فر علي برغل من طرابلس بسفينتين مليئتين بما استطاع سلبه من المدينة بعد ان قتل جميع الرهائن الذين كانوا تحته و دخل جيش حمودة باشا طرابلس ليجدها قد جردت من جميع اموالها و كنوزها بعدما نهبها علي برغل و لم يجد آل القره مانلي ما يكافئوا به الجيش و من انضم اليه من ابناء القبائل فقام الجيش بنهب المدينة و استباحة منازلها الآمنة ثلاثة ايام و قتلوا كثيرا من أهلها و استباحوا الحرمات،و من هنا أتت لفظة " عسكر سوسة " وصفا لكل عديم الأخلاق.

لكل مجتمع ثقافة، يتفق فيها على قيم وأنماط سلوك لا ينصح بتركها، لكن في زماننا هذا الذي نعيشه، انقلبت المعايير والمفاهيم وتغيرت الأفكار والمضامين وتبدلت فيه الحقائق والعناوين ..

واصبح الفاسدين "قليلين الدين" "العسكر سوسة" هم الشطار الذين يعيشون بيننا و يسرحون ويمرحون .. ينهبون دون حساب وفي وضح النهار من المال العام واصبحوا بين ليلة وضحاها أصحاب مؤسسات ورجال أعمال، في غفلة من الزمان...

وواصبح السير على منهج "العسكر سوسية" هو طريقة حياة ومنهاج سلوك في سبيل نيل المآرب،باي وسيلة وباي طريقة، والغاية تبرر الوسيلة،في حين اصبح السير في منهاج العمل بالنزاهة والشرف، عملة نادرة بين الناس..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس وزراء بريطانيا يعلن عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية لأوكران


.. متظاهرون يحتشدون أمام جامعة نيويورك دعما لاعتصام طلابي يتضام




.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان