الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة العداء والعقوبات ضد روسيا تنقلب على اصحابها

جورج حداد

2017 / 12 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


إعداد: جورج حداد*

اعلن وزير الخارجية الاميركية ركس تيلرسون ان نظام العقوبات الاميركي ضد روسيا سيستمر لحين اعادة وحدة الاراضي الاوكرانية (اي اعادة اخضاع المقاطعتين المتمردتين في شرق اوكرانيا: دونيتسك ولوغاتسك، واعادة ضم شبه جزيرة القرم الروسية الى اوكرانيا). وقال: "ان هذا النظام سيستمر، الى ان يتوقف الغزو الروسي (!!!) لاوكرانيا، وتستعاد وحدة الاراضي الاوكرانية". وادلى تيلرسون بهذا التصريح امام مجلس الحلف الاطلسي. ومن ضمن هذا النظام فإن اميركا تفرض على الاشخاص والشركات الاميركية عدم التعاون مع روسيا في مشاريع الطاقة، وتضغط على حلفائها الغربيين لتنفيذ هذا المنع ايضا.
وفي الاجتماع الاخير لقمة الاتحاد الاوروبي المنعقد في منتصف كانون الاول الحالي توصل القادة الاوروبيون بسهولة الى الاتفاق على تمديد نظام العقوبات ضد روسيا (الذي ينتهي اجله في آخر كانون الثاني القادم) مدة ستة اشهر اضافية.
وصرح رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك "ان قادة الاتحاد الاوروبي كانوا موحدي الرأي حيال مسألة تمديد العقوبات ضد روسيا". واضاف ان الاحداث تبين "فقدان التقدم في تطبيق اتفاق مينسك لتحقيق السلام في اوكرانيا، وهذا يعني اعطاء "الضوء الاخضر" لتمديد اجراءات التقييد ضد موسكو".
وكانت قيادة الاتحاد الاوروبي قد قررت في اذار 2015 ربط الغاء العقوبات الاقتصادية ضد روسيا بالتنفيذ التام لاتفاق مينسك بشأن النزاع الاوكراني. وجاء تمديد العقوبات على هذا الاساس، بدون النظر في من هي الجهة التي تعرقل تنفيذ اتفاق مينسك. ويتهم قادة الاتحاد الاوروبي روسيا بضم شبه جزيرة القرم بالقوة.
وتشمل التقييدات ضد روسيا قطاعات المالية، الطاقة والدفاع، وكذلك السلع ذات الاستخدام المزدوج، الاستهلاكي والعسكري. وردت موسكو على ذلك باتخاذ اجراءات مضادة، ولا سيما في منع استيراد عدد من السلع الزراعية.
وبصرف النظر عن الشكليات البروتوكولية، فإن الواقع ان الدول الاوروبية ذاتها تتضرر من العقوبات التي تشارك في فرضها على روسيا، بحيث يمكن وصفها بأنها "عقوبات ذاتية". وكمثال على ذلك ما نشرته جريدة Rheinische Post الالمانية بالاستناد الى الاحصاءات التي اجرتها مؤسسة الاقتصاد العالمي (Institut fur Weltwirtschaft) في مدينة كيله، والتي ذكر فيها ان المانيا تتحمل الجزء الاكبر من الخسائر الغربية نتيجة تخفيض او منع التصدير الى روسيا بموجب نظام العقوبات ضدها "فألمانيا تتحمل 40% من الخسائر، في حين تتحمل بريطانيا 7،9%، فرنسا 4،1%، اما اميركا فتتحمل 0،6% فقط". وحسب احصاءات هذه المؤسسة فإن حجم صادرات المانيا انخفض بقيمة 727 مليون دولار عما كان عليه قبل فرض العقوبات على روسيا.
وتبلغ قيمة اجمالي الخسائر نتيجة العقوبات منذ 2015 الى الان 97 مليار يورو، 61% منها تقع على عاتق الجانب الروسي. ويقع مبلغ 37،5 مليار يورو على الدول الغربية، 90% منها على الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي.
لا شك ان اميركا تعمل للتضييق على روسيا بكل الوسائل المتاحة لها. ولكنها تقصد، من وراء جر اوروبا الى نظام العقوبات، الى اضعاف اوروبا ذاتها، اولا بمنع التقارب والتعاون الاوروبي ـ الروسي، وثانيا بخلخلة الاقتصادات الاوروبية الغربية التي تعتبر مزاحما للاقتصاد الاميركي. ومن ضمن هذا السياق اصدر الرئيس ترامب مؤخرا ما سماه خطة الاصلاح الضريبي التي اطلق عليها صفة "الوقود الصاروخي للاقتصاد" الاميركي. وتهدف هذه الخطة الى تحويل الولايات المتحدة الاميركية الى ملاذ ضرائبي. وهي تجعل المنتجين الاجانب اقل قدرة على المزاحمة. وايا كانت نتائج هذه الخطة فهي ستكون مفيدة لروسيا. وبقدر ما ينشط ترامب للدفاع عن شركات الانتاج الاميركية، بقدر ما يزداد احتمال قيام الاتحاد الاوروبي بإلغاء العقوبات ضد روسيا المفروضة على الاتحاد.
وقد عبر وزراء المالية في خمس دول اوروبية كبيرة (هي بريطانيا، المانيا، اسبانيا، ايطاليا وفرنسا) عن قلقهم من مشروع قانون الاصلاح الضريبي في اميركا. وفي رسالة مشتركة ارسلوها الى وزير المالية الاميركي ستيفن منوتشين، شبهوا الخطة الضرائبية الجديدة لاميركا بالاجراءات الحمائية.
وفي رأيهم ان هذه الخطة تشكل تهديدا لقطاع التوظيفات، والقطاع المالي والاقتصاد العالمي برمته.
ونقلت جريدة Wall Street Journal عن وزراء المالية الاوروبيين قولهم ان الخطة الاميركية الجديدة "تعطي الشركات الاميركية امتيازات ضرائبية غير عادلة".
وتقضي الخطة الضرائبية الاميركية الجديدة بما يلي:
اولا ـ تخفيض 20 ـ 35% ضريبة الارباح على الشركات الانتاجية الاميركية.
ثانيا ـ فرض رسم مقطوع 20% على السلع والخدمات المستوردة من الخارج.
وهذا يعني اضعاف القدرة التنافسية للمنتجين الاجانب وتشجيع القدرة التنافسية للانتاج في اميركا. ومن شأن ذلك كله تحويل اميركا الى مركز جذب للرساميل الاجنبية وتوجيهها نحو الانتاج في اميركا، على حساب اقتصادات مختلف البلدان الاوروبية والاسيوية. ويصف المحللون الاوروبيون هذه الخطة الضرائبية الاميركية بأنها "قنبلة" و"اعلان حرب" ضد اوروبا واسيا.
ان النزاع في اوكرانيا يستخدم كذريعة لفرض العقوبات على روسيا. ولكن السبب الرئيسي لهذه السياسة الخرقاء في العلاقات الدولية هو الخشية الاميركية من نهضة روسيا ودورها الفعال في العمل على تقليص النفوذ الاميركي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. والامر سيان عند روسيا، فهي ستقوى بوجود العقوبات او بالغائها. واذا كانت سياسة العداء والعقوبات ضد كوريا الشمالية الصغيرة والضعيفة قد نجحت في جعلها دولة صاروخية ـ نووية تقض مضاجع اميركا ذاتها، فلنتصور كيف سيكون نجاح سياسة العداء والعقوبات ضد روسيا العظمى والشعب الروسي الجبار!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا خصّ الرئيس السنغالي موريتانيا بأول زيارة خارجية له؟


.. الجزائر تقدم 15 مليون دولار مساهمة استثنائية للأونروا




.. تونس: كيف كان رد فعل الصحفي محمد بوغلاّب على الحكم بسجنه ؟


.. تونس: إفراج وشيك عن الموقوفين في قضية التآمر على أمن الدولة؟




.. ما هي العقوبات الأميركية المفروضة على إيران؟ وكيف يمكن فرض ا