الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات هيروشيما

نبيل محمود

2017 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يوميات هيروشيما
دكتور متشيهكو هاتشيا
المترجم: دكتور رؤوف عباس حامد
مكتبة الخانجي بمصر 1977

قراءة كتاب ككتاب يوميات هيروشيما سيسمح للقارئ أن يقول إنه قد عرف، حقاً، أفظع حادث في عصرنا، ورأى الجانب الأقسى والأبشع لوجه عالمنا.

إذاً، فقد نجح البشر باختراع وتصنيع الجحيم!

سيكون تبسيطاً وطمساً لجوهر القضية، لو مضينا في تفسير العنف المفرط المصاحب للحروب، بالاستعانة بمصطلحات مستمدة من علم النفس مثل السادية. مما يعفي مقترفي العنف المفرط من المسؤولية، بتصويرهم كمرضى يستوجب علاجهم، بدل إدانتهم كجناة يستحقون المساءلة والعقاب، ومعبرين عن السياسة وما تمثله من مصالح. إن التطور العلمي والتكنولوجي من جهة، وطبيعة النظام الاقتصادي القائم على المنافسة الشرسة كأسلوب لتحقيق الربح الأقصى، هما المجال المناسب للبحث عن حقيقة القرارات السياسية الحاسمة. هنا يجب النبش عن الجذور والأسباب والعوامل التي يسّرت الإمكانات لتحقيق هذا الإنجاز التاريخي! الفريد لتركيز وتكثيف العنف وتصنيعه، وبشدة غير مسبوقة وتسليطها على هدف محدد. إن براديغم التركيز الشديد، قد يفسّر إلى حد كبير هذه المسألة. إن القدرة على تحرير الطاقة الهائلة غير المسبوق، من كم محدود من المادة، وتحويلها إلى سلاح فتّاك، ما كان يمكن بلوغها لولا الوصول إلى مستوى من تمركز الثروة والسلطة والمعرفة، في يد أقلية قليلة.

هذا الاستهلال النظري التجريدي، لم يكن من اهتمامات الطبيب هاتشيا، مدير مستشفى المواصلات في هيروشيما، وهو يدوّن يوميات الألم البشري المعمم! من يوم 6 أغسطس (يوم إسقاط أول قنبلة ذرية في التاريخ) وحتى 30 سبتمبر من عام 1945. نعم؛ ما قام به الطبيب هاتشيا هو تسجيل حي لمسلخ الأحياء! الذين تصادف وجودهم هناك حينذاك، وكيف عانوا (وهو أحدهم) من آثار ذلك الجحيم. ليس لأنهم آثمون ويستحقون العذاب، بل لمجرد أن تصادف وجودهم هناك في ذلك الوقت. لأول مرة في التاريخ يكون لسلاح واحد فقط، هذه القدرة على الفتك بعشرات الألوف من البشر وتشويههم. فيتعرضون للحرق والسلق والانصهار فوراً، أولئك هم المحظوظون! (فمن بقي على قيد الحياة بعد الإصابة سيتمنى الموت الفوري كخلاص). أما من تسنّى له العيش اياماً بعدها، ممن كان على مبعدة من مركز الانفجار، فسيعاني آلاماً لا طاقة لإنسان على تحمّلها، نتيجة التعرّض للإشعاع الذري لاحقاً. وكأن في جوف كلٍ منهم ناراً متّقدة، فكانوا يعانون من تساقط الشعر والبثور الحارقة والتهاب الحنجرة والفم ويتقيأون ويتبرزون دماً على مدى أيام واسابيع قبل أن ينالوا هبة الموت! إن خيال كُتّاب روايات الرعب سيبدو ساذجاً أمام الرعب النووي الذي قاساه مواطنو هيروشيما. يقدّم الطبيب هاتشيا شهادته للتاريخ بتسجيل مشاهداته اليومية لعشرات الحالات من شهادات الضحايا ليس بعد انقضاء المحنة، بل الاستماع لصراخهم لحظة تفتّح الجروح وانهمار القروح.. لحظة انبعات رائحة العذاب وانطلاق صيحات الألم..

إن معطيات الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، تكاد تُجمع على أن اليابان كانت قد اقتنعت بهزيمتها وهي على استعداد للتفاوض والاستسلام، من خلال رسائل غير مباشرة أرادت إيصالها للحكومة الأميركية. وهذا ما كان يوجب استعباد أي مبرر عسكري أو سياسي لاستعمال القنبلة الذرية ضد هيروشيما وناكازاكي. وتذهب الكثير من التحليلات (وهذا ما أشار إليه المترجم في تقديمه لكتاب يوميات هيروشيما، وهي ترجمة تستحق الثناء لأسلوبها اللغوي السلس والمحكم، خلا بعض الأخطاء النحوية والطباعية الطفيفة) إلى أن الهدف من لجوء والولايات المتحدة الأميركية إلى استخدام القنبلة الذرية لم يكن هدفه إخضاع اليابان، وإنما انتهاز الفرصة قبل انتهاء الحرب، لتجربة السلاح الجديد ميدانياً للتأكد من قوته وفعاليته ودراسة آثاره المباشرة وغير المباشرة. وأيضاً، وربما يكون هذا هو السبب الأكثر رجحاناً لاستخدام السلاح الجديد، لترسيخ صورة أميركا النووية أمام العالم بحكامه وشعوبه. وتقديم أمثولة الرعب النووي في صور حية وواقعية وما تخلّفه من تدمير مادي للمنشآت وإفناء وتشويه للعنصر البشري، كعامل ترويع وتهديد دائم ضد كل طرف يفكر في مجابهة سياسات الولايات المتحدة الأميركية ، بشكل مباشر وجاد، مستقبلاً بعد الحرب.
ربما سيظل صدى الجملة الاخيرة للكتاب يتردد طويلاُ قبل تحققه فعلياً! والتي جاءت على لسان إحدى الشخصيات، ويا للمفارقة، على لسان ضابط أميركي تحديداً، وهو يعلق على رأي الطبيب هاتشيا حول استخدام الولايات الأميركية المتحدة للقنبلة الذرية ..!!
"إنني لا أستطيع مشاركتك هذا الشعور فلو كنت مكانك لقاضيت البلاد."

ولكن أيّاً تكن النتائج، فما معنى الحساب والعقاب بعد وقوع كارثة بهذا الحجم المهول؟ وهل سيشعر الضحايا بالعزاء، ويمحو ما قاسوه من ألم وما عانوه من عذاب، ويسكت صياح، كل خلية من أجسادهم، تعالى على مدار الساعات طوال أيامهم الأخيرة على هذا الكوكب المنكوب بالجنس البشري؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت