الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


و الله لأشكيكم لأبوي

نضال الربضي

2017 / 12 / 21
كتابات ساخرة


و الله لأشكيكم لأبوي


في طرف الحارة البعيد كانت فيلا "دُوعَس كُـرُنْب" تقف ُ بكل ِّ فخامتها الأسطورية، محاطة ً بأسوار عالية تراقبها الكاميرات و تُعلن لافتاتٌ وزِّعت في أماكن مختارة بعناية وجود نظام حماية كهربائي صاعق لكل من تسوِّل ُ له نفسه الآثمة الاقتراب.

اكتسب السيد دُوعس كُرُنب لقبه من همسات أهل الحارة الذين كان يسيمُهم شر الذل و الهوان، إذ أن أسهل كلمة كان يلقيها على مسامع البسطاء و المُعدمين منهم هي: ولك بدوعسك دعوسة (أي سأدوسك دوسا ً)، إذا ما شكَّ و لو دون حق أو دليل أو داعٍ أن هذا المسكين يحاول أن يخالفه في شيئ، أي شئ،،،

،،، و أما كُرُنب، فهو إشارة ٌ إلى رائحة طبيخ نبات الملفوف المحشي الذي يتصاعد من فيلته باستمرار، و الذي كان يفضله على أي طبخة ٍ أخرى.

لم تكن غطرسة دُوعس كرنب من غير داعمٍ لاستدامتها، فهو على سلاطة ِ لسانه، و جلافته في التعامل، و غطرسته المهولة، كان سخيِّا ً في إنفاق ماله في الوجوه التي تضمن له الولاء و الطاعة أو الصمت و التخاذل، و كلُّها لديه واحدة، لأنها تؤدي في النهاية إلى تحقيق كل ِّ ما كان يريد فرضهُ في الحارة.

لذلك لم يكن من النادر أن تشاهد الناس قياما ً مبادرينه بالتحية حين يمر، حتى و لو لم يردَّها عليهم، أو شوَّح لهم بطرف إصبعه ردَّا ً بقرف ٍ و لا مبالاة، فكم من طلاب ٍ دفع رسوم دراستهم في الجامعات، و من أرملة ٍ كساها و أولادها و تكفَّل َ بطعامهم بعد ترمُّلها و تيتُّمهم، و يالذلك المخزن المهول الذي أقامه قريبا ً من فيلته يوزع منه ما لذ و طاب.

و في ليلة ٍ ظلماء غاب نور قمرها، شاءت جنِّياتُ القدر الإغريقية أن يحلَّ بعضُ أصدقاءِ دوعس كرنب على الحارة، و هم في حالة ِ سُكر ٍ شديد، و تقودهم أرجلهم إلى بيت العم "سماعين" فيضربونه و زوجه و أطفاله و يحتلون المنزل طالبين حقَّ الضيافة إلى حين خروجهم،،،

،،، و يخرج العم سماعين، الدرويش المسكين إلى أهل الحارة ِ يستنصرهم لحفظ بيته، و كرامة عائلته، فيخرج أهل الحارة ِ ليحيطوا البيت محاولين اقتحامه، إلا أن ضيوف دوعس اللئيم يشهرون في وجوههم أسلحتهم الفتاكة مانعين و محذرين، فيعودُ أهل الحارة على أعقابهم ثم يتجمعون أمام منزل دوعس طالبين منه أن يستضيف ضيوفه في فيلته الكبيرة أو أن يخرجهم من الحارة.

يا دوعس ساعدنا – صاح أحدهم
تاج راسنا يا باشا مشان الله بنترجاك بنبوس إجرك ارحم سماعين – بكى آخر
بعد اذنك يا كبيرنا و حبيبنا البيك بس لو تأذن نحكي معك دقيقة – استعطف ثالث

تعالت الأصوات،
خرج رأس بنت دوعس البلهاء من أحد الشبابيك العالية،
انتو مين؟ شو مفكرين حالكم؟ - قالت البلهاء بقرف

احنا أهل الحارة يا ستنا، بنترجاكي خلينا نحكي مع بابا – قال عم سماعين بضعف

روحو من هون يا نَوَر، بابا مش فاضيلكم – صاحت مرة أخرى

ما بصير هيك – تعالى أكثر من صوت بغضب
احنا مش شحادين احنا أهل الحارة – رددت ذات الأصوات

طيب، أنا بورجيكم، أنتو ما بتيجو بالزوق و الإنسانية يا بهايم، و الله لأشكيكم لأبوي – قالت بحدة ثم اختفت في الداخل

و سمعت الحارة صوتها و هي تصيح:
بابا
تعال شوف هدول الحشرات الي برا
انتا الحق عليك
كان لازم تدعسهم من زمان


تجشَّأ دوعس من آثار ِ نصف كيلو ملفوف كان قد تناوله لتوِّه، ثم رفع سماعة الهاتف و طلب وكيل أعماله:
أبو فلوس، اسمع، اجـِّـل دفعات الشهر هاذ لأهل الحارة، بعدين بفهمك.


ثم ضرط و سعل، قبل أن يقول لابنته أن تغلق الشباك و تتركهم يصرخون كما شاؤوا.



--------------------------------------------------------------------------------------------
على الهامش و في تأمُّلات ٍ لا علاقة َ لها على الإطلاق: بالحارة و دُوعس كُرُنب و ضيوفه الثقال و بيت العم سماعين.

وقفة للتأمل:
هددت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة السيدة: نيكي هالي، كل دولة ستصوت ضد قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل و نقل السفارة إلى تل أبيب، بأنها سترفع إسم تلك الدولة للرئيس، الذي سَـ "يُراقب"، ثم سَـ "يُعاقب" بقطع المساعدات و حجب المعونات.

وقفة ثانية للتأمل:
قصور دُول الشرق الأوسط عن بناء مجتمعات مُكتفية حضارية قادرة على الوقوف مُتجذِّرة ً في هُوية وطنية صلبة، مُتعدِّدة الأعراق و المنابت و الثقافات و الأديان و الأيديولوجيات و الأفكار، تعمل بتناغُم، أدَّى في النهاية إلى اعتمادها على منظومات دعم غربية لاستدامة: الاقتصاد و الأمن، و بالتالي للخضوع للتبعية.

وقفة ثالثة للتأمل:
خلال السنوات الأخيرة تم بيع فكرة، و تسويقها، و البناء عليها، في عقول العالم، مفادها أن الخطر الأعظم في وجه الحضارة هو تطرف السلفية التكفيرية، و من خلالها إشغال الناس بالإسلام و المسلمين، في ذات الوقت الذي تم تجاهل العامل الأعظم في إخراج الفكر المتطرف إلى الساحة و استدامته و هو: الأطماع الاستعمارية للوحش الغربي الأشقر. إن الحديث عن: إسلام متوحش، أو سلفية تكفيرية، هو ذريعة ناجحة على المستوى السياسي لاستمرار التعامل مع الدول العربية كأسواق حاضنة للسلع الغربية، و مناجم مُنتجة للموارد و المواد الخام، و بالتالي لاستعباد شعوب لم يُتح لها يوما ً أن تنمو أو تتطور.

وقفة رابعة للتأمل:
إن رفض الفكر السلفي التكفيري، لا يعني على الإطلاق القبول بالاستعمار الرأسمالي العلماني، لكن يجب أن يكون العمل ضد كليهما دافعا ً للتمسك بالفكر الإنساني العلماني الحر الرافض للقولبة و الوحشية و التعصب، و العامل نحو منظومات سياسية اقتصادية اجتماعية قادرة على تحقيق الكرامة الإنسانية للجميع، تحت مظلة الأخوة الإنسانية الجامعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المنطق الضائع
معلق قديم ( 2017 / 12 / 21 - 13:55 )
خسارة يا أستاذ جهاد كنت أعتبرك مفكرا عادلا رزينا

المنطق يقول لا تلقي بأموالك لمن يعارضونك..وترامب تاجر ورجل أعمال فتصرفاته صريحة تفتقر إلى الخبث والمداراة واللف والدوران الذي عودنا عليه السياسيون لذا فهو صادم لمن يحاول العبث واللعب معه

إما أنك تصادق الولايات المتحدة ولا تعادي سياستها أو أن تنصرف عنها عالما أن لن تنال دولارا من خيرها..هذا هو عين العدل والعقل


2 - تحياتي الأخويه
سوري فهمان ( 2017 / 12 / 21 - 16:48 )
لك أهلين بجهاد صار لي زمان ما قرات لك تاريك مخبا بهدومك . مو بس كاتب جميل ولكن قصتك تذكرني بقصص لا فونتين يعني يجب أن نستخلص العبرة من النص .

اتحفنا دايما بهيك مقالات

تحياتي الأخويه


3 - تحياتي من جديد
سوري فهمان ( 2017 / 12 / 21 - 19:08 )
عزيزي نضال لا تواخذني على الخطا في الاسم لتاثري بالمعلق الأول يبدو أن الكبر عبر مع تحياتي من جديد


4 - إلى المعلق القديم
نضال الربضي ( 2017 / 12 / 21 - 19:15 )
أخي/أختي:

شكرا ً لإبداء رأيك في التعليق الأول.

أعتذر عن نشر التعليق رقم 3، و ذلك للسخرية و الإساءة من فتاة في عمر الورود، لم تقبل على نفسها أن يتم اقتحام بيتها و هي تنظر كالجماد و لا تتحرك، و تم اعتقالها بوحشية و معاملتها بما يخالف القوانين الدولية ثانيا ً، و القيم الإنسانية قبل شئٍ أي أولاً.

ما تسمونه عقلا ً و منطقا ً لا يعدو كونه التحيز الأعمى و المُتشفي المليئ بغريزة الانتقام، لأحقاد ٍ قديمة، لم تستطيعوا أن تسموا فوقها. العقل و المنطق شئ آخر تماما ً عليكم أن تتعلموه و طريقكم ما زالت طويلة.

شكرا ً لحضورك.


5 - العزيز سوري فهمان
نضال الربضي ( 2017 / 12 / 21 - 19:16 )
أهلا ً بالرجل الجميل الطيب!

شكرا ً لكلماتك الجميلة أخي الكريم، و يُسعدني أنني قدَّمتُ مادَّة ً تساعد القارئ أن ينظر َ عميقا ً فيما يحدث حوله في منطقتنا من العالم.

يبهجني حضورك!


6 - لا تضامن مع المؤمنين بهذه الايديولوجيا.أطفيح اليوم
معلق قديم ( 2017 / 12 / 22 - 15:48 )
https://www.christian-dogma.com/t1415594


7 - لا تخلط الأمور ببعضها - أنت لست وحشاً
نضال الربضي ( 2017 / 12 / 22 - 19:52 )
القضية موضوع النقاش هي ببساطة شديدة:

قبول أو رفض قرار يعطي محتلَّاً أرضا ً ليست له، و يظلم شعبا ً بأكمله.

و القضية الثانية التي أثرتها بتعليقك الذي لم أنشره هو اعتقال فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها لرفضها أن يقتحم جنود الاحتلال بيتها و يدخلوا عليها غرفتها في منتصف الليل.

ما علاقة هذا بمجموعة من المتخلفين المتعصبين المصابين بالعقد النفسية و الفاقدين للإنسانية الذين أشرت َ إليهم في رابطك؟

و هل العقل و المنطق يعلِّمانك أن تفقد إنسانيتك لأن غيرك فقدها؟
هل العقل و المنطق يشيران عليك أن تتحول لمريض نفسي يتلظى بالألم فتحوله إلى رغبة في الانتقام لأن غيرك مريض نفسي؟

راجع نفسك و ستعلم صدق ما أقول
و احذر كل الحذر حين تحارب الوحش أن تتحول لوحش مثله
لأنك عندها إن انتصرت ستقيم مجتمعا ً من الوحوش شأن مجتمع الوحش الذي حاربته، و عندها لا فرق بينكما

ضع أمام عينيك الإنسان كمقدس أول لا يعلو عليه شئ و ستبقى في النور

نحن نعطي من كنز قلبنا، لا من جراب غيرنا، تذكر.

أتمنى لقلبك السلام و أعزيك و أعزي نفسي و أعزي كل أصحاب الضمائر، في هذا الظلم الذي يحدث في مصر و فلسطين!

الله محبة فاحبب لتحيا فيه!


8 - التضامن مع الضعيف لا مع الصيّاح ورامي الحجر
معلق قديم ( 2017 / 12 / 22 - 23:23 )
التضامن يبدأ مع الأهل أولا فمن لا يأبه بما يحدث لأهله ويسير وراء القافلة في الهوجة ضد ترامب وضد الغرب وضد -الصليبيين- يعمى عن رؤية العنف والقهر والظلم الطابق على الأنفس منذ قرون...أو أن الظلم المستديم أصبح عادة مقبولة بل مستحبة من مازوكيي الذمة؟

لا يهمنى كثيرا أمر هذه التي بثقت على الجندي ولطمته التي تطبق ما علمه لها أهلها لأنني أجدها تعامل بانسانية أفضل مما تستحق ولأن كثيرين من كافة الأجناس أقاموا الدنيا وأقعدوها لصالحها

أين من يرى ويتكلم لصالح المعتدى عليهم في بلدهم ولم يلطم أحد منهم شرطيا ولا جندي ولم يحرق أحد منهم مسجدا أو يذبح مصلين؟

إن أراد الفلسطينيون إطفاء شجرة الميلاد فليكن ..لا ضد قرار ترامب ولكن بسبب الظلم والعدوان التاريخي والمستمر من الغوغاء ضد المسيحيي في كافة بلاد العالم أما الذين يؤمنون بدين الجهاد والفتوحات إذا تمكنوا فلا يستحقون أي تضامن أو تأييد
اسرائيل لم تحتل سوى نصف بلد أما الاسلام فقد حارب واحتل أقطارا وأفسد وأذل الناس وذبحهم ومازال ولا أحد يبالي

أين العدل والانصاف؟ أين العقل؟


9 - اذا ستبقى حروبكم حتى تفنوا بعضكم البعض
نضال الربضي ( 2017 / 12 / 23 - 05:58 )
أخي/اختي المعلق القديم،

لم أطلب منك ألا تحارب العنصرية و التعصب، أو أن تخضع للظلم و تستلذ به لتصير -مازوكي الذمة- كما أوردت في تعليقك،،،

،،، لكن طلبت منك أن تحتفظ بإنسانيتك، و ألا تسمح بأن يتم إفسادك، و أن تقف إلى جانب كل من يتعرض لظلم، و ألا تأخذ البرئ بذنب الظالم،،،

،،، فهذه هي خصائص القوي النقي العاقل الواعي المُرتقي بإنسانيته و المدعِّم لحضارة نوعنا الحافظ لنفسه و مجتمعه.

أنت غاضب متألم، و تهرب مني نحو غضبك مرددا ً كلمات: العقل المنطق العدل الإنصاف، و كأنها تعويذات سحرية، دون أن تدرك جوهر معناها، أو تفهم أبعادها، أو تقبل متطلباتها منك و لوازمها من جهتك.

اهدأ قليلا ً
راجع نفسك
و عد إلى داخلك و اسأل: متى تم إفسادي؟ و كيف سمحت لهم أن يغيروني هكذا؟

عندما تجد الجواب ستستطيع أن تستعيد صحَّتك الإنسانية، و نقاء جوهرك، و عندها سيغدو أمامك الهدف أكثر وضوحاً، و ستستطيع أن تميز بين البرئ و الظالم، الشريك و الخصم، و ستكون أكثر إنسانية ً و أجمل عطرا ً.

سأختم حديثنا بهذا التعليق من جهتي، و لك مطلق الحرية أن ترد.

مرة أخرى أتمنى لك سلام القلب و نقاء الرؤية.

اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا