الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طفح الكيل في السليمانية

خالد صبيح

2017 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو ان سقوط استفتاء اقليم كردستان قد أسقط معه، بين أشياء اخرى، نفحة الايدلوجية القوموية، الشعاراتية،تلك المادة الصمغية الرديئة، التي كانت تجمع الكرد مع بعضهم البعض، وإن على مضض، طوال مرحلة (السلم والبناء) التي عاشها الاقليم منذ السقوط وحتى الان. تلك النفحة التي كانت تسكتهم على سوء الادارة والمفاسد، وتمنعهم من اثارة الخلافات الداخلية ليظهروا، كما تحبذ الانظمة والأحزاب الشمولية عادة أن ترى (شعوبها)، بمظهر الموحَدين وراء (زعاماتهم) وقضيتهم الكبرى.

تبدد هذا الوهم الآن، تظاهرات مدن السليمانية تؤكد ذلك. لقد تفجرت الخلافات وروح السخط التي حملها الكرد كثيرا في أعماقهم نتيجة الضيم الذي لحق بهم.

غير أن احتجاجات السليمانية ليست نتاجا مباشرا لتردي الاوضاع في الاقليم بكل تفاصيلها، ولا لفشل الحكومة والأحزاب السياسية في الانتقال بالمجتمع الى افق ناجح بالتنمية والرفاه الاجتماعي، وحسب، وإنما هي أيضا نتاج لصراع الاقليم مع المركز. فقد راهن المركز، بعد نجاحه في وأد الاستفتاء، على تفجير الوضع الداخلي بالضغط الاقتصادي الذي أرهق المواطنين قبل أن يؤثر على الحكومة وأحزابها الحاكمة، ولكن هذا الضغط نجح أيضا بسبب ضعف وفشل الحكومة هناك في تأمين نفسها وشعبها من أي احتمالات لأزمات ممكنة الحدوث، ما يدل على أن الحكومة وأحزابها في الاقليم، مثلها مثل قريناتها في المركز، مشغولة في تأمين مصالحها الخاصة قبل أي شيء.

ولم يكتف المركز بالتعويل على الضغط الاقتصادي وإنما أرفقه بمحاولة زعزعة الداخل الكردي وشق صفوف الأحزاب فيه وتفكيك تحالفاتها القلقة. ولا ينكر أنه قد حقق بعض النجاح في هذا الشأن، لكن النجاح هناك ربما سيشترط نجاحا مماثلا في مدن الجنوب، (الوعود بحملة مكافحة الفساد التي تتنطع بها الحكومة حاليا) وهي الفاتورة التي على أحزاب الاسلام السياسي، بعد فشلها المتواصل، الاستعداد لتسديدها.

لايمكن بطبيعة الحال عزو سبب الاحتجاجات الى عامل صراع الاقليم مع المركز وحده، فالعوامل التي أدت الى الانفجار متداخلة، ولايمكن انكار أن أغلبها، إن لم يكن جميعها، داخلية تتعلق بطريقة الحكم وتوزيع الثروة وحماية الحقوق في الاقليم.

الملفت أن التظاهرات قد أخذت طابعا عنفيا؛ حرق مباني حكومية ومقار أحزاب، ماسهّل انتقادها، لكن هذا، بظني، له مايفسره ويثير الشكوك حوله أيضا. فليس من المستبعد أن السلطات الأمنية هناك، المهتاجة، قد تكون هي من دبر الأمر، أو على الاقل اشعال شرارته الأولى. فكلنا يعرف كيف قامت مخابرات نظام السادات في تظاهرات الخبز عام 1977 في مصر بحرق المرافق العامة، باصات النقل العام وغيرها، واتهمت المتظاهرين بتلك الأفعال، ليتسنى للسلطات ادانة الاحتجاجات ووصمها بصفات ليست فيها،( انتفاضة الحرامية) كما أسماها السادات حينها. ولا يستبعد أن يتكرر الأمر في مدن الشمال المنتفض، لاسيما وأن الحزب الحاكم هناك، الاتحاد الوطني، هو من الأحزاب البرغماتية التي لا تتوانى عن فعل أي شيء من أجل بلوغ أهدافها. ومايعزز هذا الظن أن انتفاضة المواطنين هناك تفتقد لقيادة تدير فعالياتها ما يجعل أمر اشعال العنف داخلها أمرا يسيرا، فهناك شباب منفعلون غاضبون يسهل جرهم الى أي فعل عنيف، لهذا قد تكون السلطات لجأت الى تأجيج العنف، بقيامها بالخطوة الاولى لينجر الجمهور وراءها غير مدرك أو مقدر لتبعات ومضار هذا السلوك.

في الجانب الاخر يبدو أن (حدك) قد أمسك بخيوط اللعبة والسلطة في منطقته، فلم يشارك أبناء أربيل ودهوك في التظاهرات لحد الآن، مع أنهم يتساوون في حصة الضيم مع مواطنيهم من أبناء السليمانية، وتأخر أو تلكؤ أبناء أربيل ودهوك بالانخراط في الاحتجاجات يعود بعض منه، بظني، الى تدني مستوى الوعي، وقوة تاثير تدجين السلطة هناك، وهو غير على ماهو عليه الواقع في المدن المنتفضة، حيث عُرفت السليمانية تاريخيا بالتمرد على السلطات وبتقدم الوعي السياسي في مجتمعها زائدا تقدمها الحضري، وطالما تباهى اهلها بذلك، لكن هذا التلكؤ يعود أيضا الى مايشعر به أبناء تلك المناطق، اربيل ودهوك، من أنهم مسؤولون عن الفشل الذي أدى اليه الاستفتاء وماتبعه من آثار بذات القدر الذي تتحمله السلطات هناك نظرا لحماستهم بتأييد تلك الخطوة والإقدام عليها.

حاول المدافعون عن سلطات الاقليم، كالعادة، اعتبار التظاهرات فعل مدبر ومؤامرة اقليمية تشترك فيها حكومة المركز وإيران بالتعاون مع حركة التغيير، وهذه محاولة بائسة لتحريف الأبعاد الحقيقية لهذه الانتفاضة، فحتى لو كان الأمر فيه شيء من شبهة التحريض والاستثمار الخارجي فهو لن يقلل من شان هذه الانتفاضة ولا يغير من حقيقة دوافعها، ورغم ذلك، لا أظن أن انتفاضة السليمانية، كما هي أي حركة احتجاجات أخرى في العراق،( وأتمنى أن أكون مخطئا)، ليست أكثر من فقاعة، بنت لحظتها، وتعبير عن انفعال وغضب آني سيتلاشى تاثيره ومفاعيله مع زوال مسبباته المباشرة، وسيعود الوضع (الى ماهو عليه)؛ متكلسا منغلقا في دائرة ضيقة من الهموم الطائفية والمذهبية والقومية، حتى تحين ساعة (يقظة) تنقل وعي العراقيين الى مستوى آخر يمكن أن يخلق ممكنات جديدة لتحولات في الواقع تجعل من الوطن مكانا قابلا للعيش ونسج الأحلام، وتلك لحظة غائبة لايعلم بها أو يجزم بإمكان حدوثها أحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل