الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماركة سياسية

منذر خدام

2017 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


من مفارقات المجال السياسي السوري بروز ما يمكن تسميته بالنخب - الماركة، وهي موجودة على كلا الضفتين: ضفة الموالاة وضفة المعارضة. فصفات القائد الفذ أو الرمز، أو الأب الروحي، أو المناضل التاريخي، أو المفكر الكبير،أو القامة الكبيرة، وكثير من متشابهاتها تَحضر بكثافة في الخطاب السياسي السوري. إن من يُخاطب بهكذا صفة صار وكأنه "ماركة مسجلة" ، أي اسما في مجاله، لكن للأسف، وفي الغالب الأعم، صار ماركة لبضاعة فاسدة، بسبب من جعله نفسه، أو جعله آخرون " ماركة " سياسية، وقبوله بذلك. السياسي الحقيقي لا يحتاج لمثل هكذا صفات، فحقيقته تكمن في مصداقيته، ومثابرته في العمل على القضايا الوطنية العامة ، في دوره لا في موقعه، دون أن يتوقع مكافأة خاصة سواء اعتبارية أو مادية.
لقد صار التفكير بعقد أي لقاء أو مؤتمر للمشتغلين بالحقل السياسي السوري من السوريين، يبدأ بالتفكير بالأسماء "الوازنة " التي ينبغي دعوتها للمشاركة فيه، وكأن أهمية المؤتمر أو اللقاء تأتي من الأسماء ذاتها، لا من الموضوعات التي سوف تتم مناقشتها، أو النتائج التي سوف يتم التوصل إليها، ولا من البعد التمثيلي لها سواء أكان حزبا سياسيا، أو تيارا، أو جماعة. وأكثر من ذلك صارت الأحزاب ذاتها، أو التيارات والجماعات، تتعين بدلالة هذه الأسماء- الماركة، فتنسب إليها، وتخاطب غالبا بما تنسب إليه. وهكذا أصبح المشتغلون في المجال السياسي السوري، وبصورة خاصة في حيزه المعارض ( لأن حيز الموالاة قد تم احتكار "الماركة" فيه من قبل شخص واحد غالبا، أو عدد قليل جدا من الأشخاص) يعرفون وينادون بجماعة حسن، وجماعة هيثم، وجماعة سمير، وجماعة رياض، وجماعة صالح، وجماعة الجربا، وغيرها كثير. ( ملاحظة:هذه الأسماء التي ذكرت، على سبيل المثال، هي مجرد أسماء، حتى ولو تصادف وجود ما يماثلها في المجال السياسي الواقعي في سورية - اقتضى التنويه) . لقد صار الأداء السياسي للمعارضة يتحدد بحضور ودور هذه الأسماء الوازنة " الماركات السياسية". واللافت أن هذه "الماركات" السياسية تشغل مكانها لا بعملية انتخابية ديمقراطية، يعاد تجديدها دوريا، بل بحكم كونها " ماركة " لا أكثر ولا أقل. بطبيعة الحال، وهذا حق ينبغي الإشارة إليه، إن بعض هذه "الماركات" السياسية تبوأ موقعه في سياق مسار معين من العمل والانجاز، سواء في المجال الثقافي أو السياسي أو الاقتصادي. لكن ما إن شغل موقعه حتى صار يحرص على البقاء فيه بمعزل عن مسار إنجازاته السابقة، بل استغل بعضهم الموقع الذي وصل إليه لينقلب على مساره السابق، ويسلك غيره خلال الأزمة الراهنة التي تعصف بسورية وشعبها.
إضافة إلى "الماركات" السياسية التي لها تاريخ، برز نوع أخر من الماركات ( المعارضون بالصدفة) ، وقد برز هذا النوع من الماركات في سياق الأزمة السورية، وصار لها جماعتها الخاصة، بدفع من المال السياسي غير سوري غالبا، ولخدمة أجندات غير سورية. وهكذا صارت تملآ واجهة المجال السياسي "أسماء- ماركات" لم تكن معلومة من قبل، فصارت مشهورة فجأة، تصادفها في كل لقاء أو مؤتمر، وتزاحم أحيانا الماركات السياسية التي لها تاريخ. قسم كبير من هذه الأسماء- الماركة كان لأعوام عديدة جزء من النظام، ومارس كل قباحاته، وخصوصا فساده، لكن بعضها الأخر عمل أيضا لأعوام عديدة في أجهزة دول أجنبية، ومنها أجهزة مخابراتها للأسف.
هذه الظاهرة في مجال العمل السياسي السوري المعارض، على وجه الخصوص، أفاد منها النظام كثيرا،و أثرت سلبا على مسار الأحداث السياسية في سورية خلال الأزمة التي تمر بها، من خلال تمحورها على ذاتها، والمتاجرة بشعارات رنانة، وبمطالب غير واقعية، فعجزت عن رؤية أية مسالك ممكنة للخروج من الأزمة، مما زادها تعقيدا وتأزما. والحال هذه لم تستطع هذه النخب - الماركات أن تفهم الأزمة على حقيقتها،وتبني السياسة على الفهم، لا على الرغبات والأمنيات، ولذلك كان من الطبيعي أن تجد الماركات السياسية المعارضة في النظام السبب الوحيد للازمة، وبالتالي فإن المخرج منها يكون في إسقاطه، بل في إسقاط رأسه فحسب، حتى ولو بالقوة، وقد جربت ذلك وفشلت ، بل زادته قوة. وهي إذ ركزت كل اهتمامها على إسقاط النظام ،لم تفكر بتحضير البديل الذي ينبغي أن يخلفه، حفاظا على بقاء الدولة من الانهيار، ولسان حال كثير من هذه الماركات يقول بعد إسقاط النظام نفكر بالبديل. ومن جهتها، مثيلتها في النظام وجدت سبب الأزمة في المؤامرة الدولية عليها ، والمتمثلة في تجنيد ودعم قوى الإرهاب ودفعهم لقتال النظام ومحاولة إسقاطه بالقوة، وبالتالي فإن المخرج منها لا يكون إلا عبر هزيمتها وهزيمة أدواتها المحلية غير أبهة بما يلحق بالشعب والبلد من دمار وقتل وتشريد. وبالفعل بين هزيمة المعارضة، وإسقاط النظام تم تدمير البلد و قتل وتشريد ناسه. نحن هنا لا نبحث عن المسؤولية بالمعنى الأخلاقي، فكل السوريين مسؤولون عما حصل للبلد والشعب حتى من صمت منهم، بل بالمعنى السياسي وهنا لا نجد مسؤولا فعليها سوى تلك النخب -الماركات السياسية للأسف. بالنسبة للمعارضة صارت القضية الكبرى بالنسبة لها هي إزاحة الرئيس، فهي بحكم كونها ماركة سياسية وجدت خصمها في الماركة السياسية المقابلة وحسب. وبطبيعة الحال بالنسبة للنظام صار التمسك بالرئيس والدفاع عن بقائه في موقعه هي قضيته الكبرى. لقد تكثفت هذه الواقعة في شعار النظام " الأسد أو لا أحد" أو "الأسد أو نحرق البلد" ، وفي شعار المعارضة" لا أحد إلا بعد إسقاط الأسد" أو " نحرق البلد أو يسقط الأسد".
اليوم وبعد حرق أغلب البلد، وبقاء الأسد، هل يجوز الرهان على هكذا "نخب"، لإنقاذ ما تبقى من البلد والشعب، وما السبيل إلى تجاوزها؟.
قبل الجواب عن السؤال المطروح علينا الانتباه إلى أن مجرى أحداث الأزمة ذاته قد تجاوز كثير من الأسماء " الماركات السياسية"، وأزاحها من المشهد السياسي العام، في حين كانت حتى وقت قريب الحاضر الدائم على شاشات التلفزة وفي وسائل الإعلام، وفي مؤتمرات السوريين على اختلافهم. وكثير من أسماء " ماركات" المنصات القائمة ربما سوف يغيب قريبا عن المشهد السياسي. هذا يعني أن الرهان على هذه النخب الماركات لم يعد يجدي، ولا بديل عن تنشيط الحوارات المباشرة بين مختلف فئات المجتمع السوري، واستنهاض العمل الجماهيري،فالبقاء في المنطقة الرمادية لا يعفي من المسؤولية. وقد يكون مؤتمر "حميميم" أو البداية على هذا الطريق.تنبع أهمية مؤتمر حميميم(سواء عقد في حميميم أو في اللاذقية أو في دمشق أو في الخارج) ،في حال تم الإعداد له بصورة جيدة، من كونه قد يؤسس لمسار تفاوضي مواز ناجح، يدعم مسار جنيف الذي يحظى بغطاء دولي، شريطة تركيز الحوارات فيه على مستقبل سوريا الديمقراطي، وتأمينه بدستور ديمقراطي علماني تجري الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية على أساسة، ولنترك للمستقبل كي يحاسب من أساء إلى سورية وشعبها فهم في ذاكرته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد هجوم إيران على إسرائيل..مقاطع فيديو مزيفة تحصد ملايين ال


.. إسرائيل تتوعد بالردّ على هجوم إيران وطهران تحذّر




.. هل تستطيع إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية؟


.. هل تجر #إسرائيل#أميركا إلى #حرب_نووية؟ الخبير العسكري إلياس




.. المستشار | تفاصيل قرار الحج للسوريين بموسم 2024