الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلوك العنيف وعلاقته بالتخلف

ماهر رزوق

2017 / 12 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جميعنا تساءلنا ربما ، في هذه الأيام ، عن كل هذا العنف و التوحش الذي ظهر مؤخراً في بلداننا ، متزامناً مع الأحداث السياسية الراهنة ، و ربما قمنا بتحديد الأسباب الظاهرة و الأطراف و الايديولوجيات الملامة على تفشي هذه الظاهرة المدمرة و تعاظم نتائجها سلباً في مستويات الحياة المتعددة ...
لكننا دائماً ما نغفل الجانب النفسي العميق و نتجه إلى قشور الظواهر ، لنطرحها بكل ثقة ، متجنبين الخوض في مسائل قد يتجاوز حلّها ، العملية السحرية السريعة ، و يتطلب منا جهداً أكبر على المستوى الاجتماعي و النفسي و الايديولوجي ، و وقتاً أطول ربما ، لتغلغله و تعمقه في بنية مجتمعاتنا ...

لنتحدث أولاً عن خطوات الانتقال إلى السلوك العنيف ، كما وضحها الدكتور مصطفى حجازي في دراسته الموسعة عن التخلف ، في كتابيه : الانسان المقهور و الانسان المهدور ... حيث يبدو لنا من خلال هذه الدراسة ، أن الانتقال إلى سلوك العنف يتم بشكل بطيء و على مراحل تتطلب وقتاً طويلاً ، مما يساعدها على تثبيت جذورها ، عميقاً ، في العالم المتخلف ، و يصعب فيما بعد التعامل معها بالحلول السحرية السريعة ... و يتضح لنا أن أهم هذه الخطوات هو فك الارتباط العاطفي مع الطرف الآخر ، لتسهل على الذات عملية تبخيس الآخر و تجريمه ... فهنا تحل مشاعر الحقد و الكره محل مشاعر الود و المحبة و التعايش ... و يصبح الآخر نداً و عقبة أمام الاستمرار الوجودي للذات ، و تدميره واجب أكثر من كونه رغبة فقط !!
يلي ذلك عملية فك الارتباط العلائقي مع الآخر ، من خلال العبث في التاريخ و تلفيق القصص ، لنفي أية صلة تاريخية تربط الذات بالآخر ، أو أية قرابة محتملة ، أو تعايش سابق ...
ثم يلي ذلك أهم مرحلة و هي عملية الشرعنة (إضفاء الشرعية على الفعل) ، حيث تعتمد هذه العملية على مجموعة من الأساطير التحقيرية التي تنفي عن الآخر صفة الانسانية و تظهره كعقبة وجودية تهدد كيان الذات و اعتبارها الانساني ، و تجعل السلوك التدميري تجاه الآخر يبدو و كأنه عملاً بطولياً أو واجباً مقدساً ، و هذا ما يسهّل توجيه العنف للخارج بدلاً من الذات نفسها ، حيث أن ذلك الشعور يكون نابعاً في الاساس من عقدة الذنب و الرغبة في تدمير الذات الضعيفة و المهانة (مصدر آخر : ممدوح عدوان_حيونة الانسان(

هنا يبدو لنا بشكل واضح أن المجتمعات المتخلفة تعيش عواطفها إلى أقصى الحدود ، و كما يقول حجازي (العنف هو لحظة انفجار الحقيقة الكامنة في بنية التخلف) (المصدر السابق نفسه) ... فالعنف المدمر يظهر و كأنه الحل السحري السريع الذي يساعد على قلب المصير رأساً على عقب و يغير مسار الأحداث ، بينما هو في الحقيقة الوجه الآخر للقهر و المهانة التي تعاني منها مجتمعات التخلف ، فهذه المجتمعات ليس لديها ضوابط خلقية نابعة من الذات ، بل هناك فقط خوف من القمع الخارجي ، و عندما يزول شبح القمع ، ينفجر العدوان متخذاً شكل عنف مباشر مدمر أو شكل السلب و الاستباحة ... يساعد على ترسخ ذلك ، أن السلطة في العالم المتخلف لا تريد مواطنين ، بل تريد أتباعاً ، إنها تخشى المواطنية التي تنزلها من مكانتها الجبروتية إلى مستوى اللقاء الانساني ، لأن هذا اللقاء يتضمن اعترافاً متبادلاً أو تساؤلاً متبادلاً في الوقت نفسه ... مع العلم ان أهم شرط لشرعية السلطة في العالم المتخلف هو عدم وضعها موضع التساؤل و التقييم ...

و حسب حجازي (المصدر نفسه) فإن العنف في العالم المتخلف يأخذ طابع التشفي الذي لا يعرف الارتواء ، لأن الجرح النرجسي النابع من القهر غير قابل للشفاء !!
فعدوانية الانسان المقهور تبقى دون توازن داخلي ، لأنها تفتقد إلى القوة المضادة التي تكبح جماحها و تلطفها ، و ذلك أن نزوة الحياة (الجنس و الحب) هي وحدها الكفيلة بالقيام بهذه المهمة ، و التي بدورها لا تفلت من القمع في المجتمع المتخلف ، فالكبت الجنسي الذي تعززه السلطة هو دليل على تغلغل حكم المتسلط بالإنسان و ضبطه من الداخل ... فنفسياً لا شيء يوازن العدوانية سوى الحب الفعلي و الود الذي يساعد على نشر ثقافة التعايش ، بينما القمع الجنسي يعطل تدخل نزوة الحياة لضبط نزوة الموت المضادة لها !!

بعد استعراض أهم جوانب و أسباب و حيثيات العنف و علاقته بحياة التخلف ، نسأل أنفسنا : على من تقع مسؤولية ايجاد الحلول ، التي ستأخذ طابعاً جذرياً هداماً ثم بناءً ؟ ... مع مراعاة الدور الكبير للسلطة و الايديولوجية الدينية القائمة حالياً ، و عدم إغفال دور المفكرين و المثقفين برغم الضغوطات المفروضة عليهم من المذكورين سابقاً (السلطة و الدين) ... فالمسألة تحتاج إلى تعمق في جذور الأمور و تجاوز الخطوط الحمراء التي يتحامى بها التخلف المُنتِج لكل ذلك العنف و الوحشية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط