الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج من المتاهة 2

أيمن عبد الخالق

2017 / 12 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الخروج من المتاهة ـ 2
((إذا أردت أن تدافع عن الحق، فتأكد أولا أنه هو الحق في الواقع، وليس هو الحق الذي تحب أن يكون هو الحق) .... هيلين كيلر
o كان كلامنا في المرة الأخيرة حول ماسميتموه، من ضرورة اجراء عملية جراحية دقيقة في أذهاننا؛ لاستخراج مايصلح من المعلومات، التي يمكن أن نجعلها أساسا ومنطلقا لنا من أجل الخروج من هذه المتاهات الثلاث
• نعم...بدون التخلص من المعلومات الأصلية التي تم زرعها في عقولنا، والتي تشكل المبادئ الأولى لجميع أفكارنا، وتوجهاتنا الفكرية والعقائدية، والتي يتم من خلالها توجيهنا في الاتجاهات المرسومة من قبل أصحاب هذه المتاهات، فلا نطمع في الخروج منها، أوالتحررعنها.
o لكن.. وسط كل هذاالركام الهائل من المعلومات، التي تدفقت على أذهاننا طوال عقود طويلة من الزمان، كيف يمكن لنا فرزها وتصفيتها، والوصول إلى المعلومات الصحيحة، وهل هذا إلا كمن يبحث عن "إبرة في كومة قش" كما يقولون؟!
• الأمر ليس بهذا التعقيد والإعضال، وإن كان لايخلو من دقة وصعوبة، لأننا لن نبحث عن كل معلوماتنا وأفكارنا بالتفصيل، بل سنقوم بتصنيفها بنحو كلي، ثم إرجاعها إلى مبادئها العامة التي سنشير إليها، والتي تمثل الأسس والمنطلقات لهذه الأفكار، والتي سيتبين لنا أنها محدودة في عدد قليل من المبادئ الأصلية.
o ولكن ماهو المعيار الذي سنميز به، ونفرز على أساسه المبادئ الصحيحة عن غيرها؟
• هذا سؤال مشروع جدا، ولكن كان ينبغي عليك أولا أن تسألني عن معنى المبادئ الصحيحة، قبل أن تسأل عن معيار الصحة.
o أممم...لاأدري كيف غفلت عن هذا السؤال البديهي؟!!
• ليس أنت وحدك بل أغلب الناس هكذا، على الرغم أنهم يدعون أنّ آراءهم صحيحة، واعتقاداتهم صحيحة، ورؤيتهم صائبة، ولكن لو سألتهم عن معنى الصواب، أو صحة الرأي، لتوقفوا، وتحيروا كما تحيرت أنت الان، أو لأجابوك بأجوبة تحتاج في نفسها إلى دليل، مع أننا بعد لم نعرف مامعنى الدليل الصحيح، لكي نستدل به
o هذه مشكلة حقيقية ومحيرة بالفعل
• وهذا من أبرز مظاهر المتاهة التي نعيش فيها....ولكن في الواقع ربما تجد هناك أجوبة انفعالية تلقائية تصدرمن البعض لتبرير اعتقاده، أوتصويب وجهة نظره
o كيف ذلك؟
• كأن يقول لك مثلا ـ إن كان من المتدينين بدين معين ـ الصواب هو ماطابق النصوص الدينية المقدسة، أو أنه ماسمعناه من مشايخنا و كبرائنا، أو يقول لك البعض الاخر إن الصواب ماكان مشهورا بين الناس داخل المجتمع، أو أنه مايصب في مصلحة المجتمع، أو ماينسجم مع طباع كل إنسان، ومصلحته الشخصية ....وغير ذلك من الإدعاءات المرسلة والمتباينة، وغير المنطقية، والتي لاتزيد الإنسان العاقل إلا حيرة.
o ولكن ماهي المشكلة في مثل هذه الأجوبة؟
• المفروض بعد كل حواراتنا السابقة أن تتنبه لموارد الخلل فيها، حيث إنّ جميعها أجوبة عفوية تقليدية تنبع بنحو تلقائي من المبادئ التي تم زرعها في عقولنا داخل متاهاتنا المختلفة.
o يمكن أن توضحوا لنا ذلك بشئ من التفصيل؟
• الأمور التي يستندون إليها إما أمور نسبية متغيرة، تختلف باختلاف الزمان والمكان،كالأديان والمذاهب والأعراف الاجتماعية، أو آراء النخب الفكرية والاجتماعية من المشايخ والعلماء والمفكرين، أو أنها أمور مبهمة يمكن أن يسئ استغلالها أي إنسان، مثل المصلحة الاجتماعية، أو أنها مجرد استحسانات شخصية لاغير.
o إذن فماهي المبادئ الفكرية الصحيحة من وجهة نظركم؟
• المبادئ الصحيحة هي المبادئ الواقعية التي تكون ثابتة في نفسها، وواضحة عند العقل كذلك، بحيث يصدق بها العقل بمجرد تصورها، أو مشاهدتها، دون أي ضغوطات مذهبية أو عرفية، أو ميولات أو انفعالات نفسانية، وبعيدا عن أي استحسانات شخصية أو ذوقية.
o هل من الممكن لو سمحت أن تضرب لي بعض الأمثلة من هذه المبادئ الصحيحة؟
• انظر إلى هذه المسألة: 1+1=2، أو الأربعة نصف الثمانية...هذا في الحساب، أو أنظرإلى تلك المسألة: الحديد يتمدد بالحرارة، وينكمش بالبرودة، أو أن الماء يغلي عند 100 درجة مئوية في الظروف العادية...كما في الفيزياء
سؤالي لك الان : هل تشك في صحة وواقعية مثل هذه المسائل؟
o لا لا ابدا...لاشك في صحتها.
• وكيف عرفت ذلك؟
o لأنها في غاية الوضوح عند العقل، وكما قلتم أنه يكفي مجرد تصورها، أو تكرار مشاهدتها لنتيقن بصحتها وواقعيتها.
• هل تحتمل أن يكون هناك أي ضغوطات دينية،أو أحكام مسبقة عرفية(prejudgment)، أو أي ميولات نفسية، أو استحسانات شخصية، كانت لها تأثير على أحكامك بصحة هذه القضايا؟
o لا مطلقا، بل هذه أحكام موضوعية واقعية، أدركتها كما هي في الواقع دون أي تأثيرات خارجية، أو دوافع أو ميولات نفسانية، وبالتالي فهي أحكام مطلقة وليست نسبية.
• هذه المبادئ الواضحة وأمثالها هي التي ينبغي أن نتعرف عليها، ونستكشفها، وأن نبدأ بها، وننطلق منها في استدلالاتنا، وهذه هي المبادئ التى دعا إليها الحكماء منذ أرسطو، وأشار إليها "ديكارت" عندما قال(أنا لايمكن أن أؤمن بشيء أنه صحيح وواقعي، إلا أن يكون واضحا أمام عقلي أنه كذلك)، وقد كانت هذه المقولة منه في غاية الشجاعة، لأنها مخالفة للعقل الجمعي، وللكثير من الأعراف، والأديان والمذاهب الموروثة، مما استفز المؤسسات الدينية والسياسية في عصره، وقد كلفته الكثير، ودفع ثمنها باهظا في حياته.
o ماذا حصل له؟
• قامت جامعة باريس بإخراجه منها، ومنعت الحكومة االفرنسية طباعة كتبه، ومنعت الحكومة الهولندية دخوله إلى أراضيها، وحكمت الكنيسة الكاثوليكية في روما بارتداده...مما اضطره بعد ذلك إلى التراجع ، وتعديل أقواله لينجو بحياته.
o ولكن هذه المبادئ التي ذكرتها لي هي مجرد مبادئ رياضية وفيزيائية، لا خلاف عليها، ولكن الخلاف على وجود أمثالها في العلوم الفلسفية والإنسانية، أي القضايا غير المحسوسة، أو البعيدة عن الحس، وهي التي نبني عليها آراءنا في الحياة، وقيمنا الأخلاقية والاجتماعية، وهي محل الخلاف والاختلاف والصراع بين الناس على مر التاريخ.
• هذا هو بيت القصيد، والذي سنحاول أن نكشف عنه في حواراتنا القادمة إن شاء الله، حيث سأثبت لك أن مثل هكذا مبادئ صحيحة وواضحة، موجودة أيضا في علومنا الفلسفية والإنسانية، والتي يمكن أن نعتمد عليها في بناء رؤيتنا الكونية الواقعية، ونمط حياتنا اليومية(lifestyle).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا