الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهويد القدس أمريكيا

جعفر المظفر

2017 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


لا أحد في هذا العالم, على الأقل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية, صار بمنأى عن تأثيرات السياسة الأمريكية, لكننا نحن العرب بشكل خاص نخضع إلى تأثيرات هذه السياسة بشكل ومستويات تفوق تلك التي تخضع لها شعوب كثيرة في العالم, والسبب وجود إسرائيل المدعومة بلا حدود من قبل أمريكا نفسها.
وإذا كان من الحق الوقوف بكل إهتمام أمام العناصر الذاتية للوهن العربي وحساب تأثير التخلف والتمزق, فإن التنديد بعقلية وثقافة نظرية المؤامرة مطلوب بالقدر الذي يراد منه التنبه للأسباب الذاتية للهزائم, على شرط أن لا يؤدي ذلك إلى التعتيم على وجود دور خارجي ملموس يتخذ شكل الحروب العسكرية المباشرة, أو التآمرات الإنقلابية المشبوهة, أو ما يسمى بالفوضى الخلاقة, أو مجمل التداعيات التي نشأت على هامش أو من إنتاج ما سمي بالربيع العربي.
وما دمنا نتحدث عن الشق الخارجي من هذا التآمر فسنكون مدعوين بشكل أساسي للخوض في ما يسمى بالمسيحية الصهيونية لأنها تشكل (المؤسسة) الأكثر تأثيرا وقوة ونفوذ على طريق خدمة الكيان الصهيوني. ثمة مؤسسات أخرى مهمة تدعم هذا الكيان مثل اللوبي الصهيوني المسمى بالإيباك والذي إتسع نفوذه لكي يكون مزارا يحج إليه المرشحون للرئاسة ودوائر القرار الأخرى كالكونغرس لنيل رضى المال والإعلام اليهودي الشديد النفوذ والتأثير, لكن نفوذ وقوة هذا الأخير وتأثيره لا يمكن مقارنتها بما لدى الجهة الأولى لسبب أساسي هو أن المسيحية الصهيونية هي جزء لا يتجزأ من الدولة والثقافة والمجتمع الأمريكي, وهي في الصلب من الثقافة المسيحية البروتستانتية التي تدين بها أغلبية الأمريكين, لذلك فإن خطابها المعرفي والسياسي هو جزء عضوي من الخطاب الأمريكي نفسه وليس ضيفا على هذا الخطاب أو صديقا أو حليفا له من خارجه كما اللوبي اليهودي الإيباك المعرف من خلال تبعيته للدولة أجنبية هي إسرائيل.
إن المراهنة على التزايد العددي للعرب والمسلمين في امريكا كانت أعطت إشارات خاطئة حتى في الزمن الذي لم يكن قد شهد بعد تفتت وتشرذم الإرادات العربية التي أرهقتها الصراعات الإقليمية والإجتماعية البينية وأفقدتها بالتالي, ليس المقدرة على ممارسة نشاط كهذا, وإنما أيضا الإحساس بالحاجة إليه.
وحتى مع العبور على هذا الواقع المتردي وإفتراض وجود إرادة عربية متماسكة ووحدة هدف ونوايا حسنة لدخول متماسك على ساحة التنافس مع اللوبي الصهيوني, وذلك لغرض إقتسام التأثير على صناعة القرار الأمريكي, فإن هذا التوجه سيصطدم بحقيقة أن الإستخدام العربي للعبة اللوبيات هو إستخدام خاسر, يوم تُحسب إمكانية النفاذ من بوابته, لإحداث تغيير نوعي في ثقافة المجتمع الأمريكي تجاه قضايا الصراع العربي الإسرائيلي.
ومع إسرائيل فإن اللعبة مختلفة ولا تدخل فيها البراغماتية كعامل مغرٍ لأن الإنحيازات هنا تتأسس على عوامل متشابكة ومركبة تجمع ما هو ثقافي وما هو ديني وبالمستوى الذي يغري على إلقاء البراغماتية الأمريكية في أقرب سلة مهملات.
لقد جاء إعلان ترامب القائل بيهودية مدينة القدس لكي يعبر بشكل واضح عن طبيعة التحالف الصهيوني الأمريكي, بل لعله جاء لكي يذكرنا بضرورة أن نبحث عن مفردة أخرى غير مفردة التحالف من شأنها أن تعبر عن طبيعة العلاقة بين الإدارة الأمريكية الحالية وبين ساسة تل أبيب. فالقول أن هذه العلاقة متأسسة على مقدار ما يمكن أن تحققه تل أبيب للمصالح الأمريكية في منطقتنا العربية كونها قاعدة إستعمارية متقدمة يصدم بواقعية أن القرار نفسه جاء في مرحلة لم تعد الحركات الوطنية العربية تشكل أي تهديد لهذه المصالح, كما أن العرب أنفسهم صاروا يتنافسون على كسب الود الأمريكي بما يلغي الحاجة إلى إنحياز أمريكي على هذا المستوى خاصة وأن العرب قبلوا بالدور الأمريكي الوسيط ووضعوا كل بيضهم في السلة الأمريكية.
وليس غريبا أن نجد أن من بين الساسة الإسرائليين أنفسهم من تفاجئوا بالقرار, بما جعله متقدما على توقعاتهم أو حتى على تمنياتهم, أما الطريقة التي تعامل بها الأوربيون مع القرار فتؤكد من ناحيتها على رفضه وعلى إستعداد للسير في طريق معاكس. والعودة إلى الساحة الأمريكية قد تغرينا بالبحث عن الأسباب الحقيقية التي جعلت الإدارة الترامبية إسرائيلية أكثر من الإسرائيليين. إن هذا البحث سوف يدلنا سريعا على أن هذه الإدارة ممثلة برئيسها ونائبه وبأغلب مستشاريه وفي مقدمتهم صهر ترامب "كوشنر" هم أعضاء في تيار المسيحية الصهيونية المتقدمة حتى على اليهودية الصهيونية بالمستويات التي تجعل من عملية تهويد القدس قضيتها أكثر مما هي قضية الإسرائليين.
فإذا كانت الصهيونية اليهودية هي حركة سياسية تصرف جل إهتمامها لتحقيق هدف ذا (طبيعة أرضية) هو تجميع اليهود على الأرض "التي وعدها الله بهم" يوم جعلوا منه تاجرا للعقارات !!, فإن المسيحية الصهيونية يهمها من تأسيس دولة إسرائيل وإتساعها تحقيق هدف ذا (طبيعة دينية مقدسة) وهو تقريب يوم عودة المسيح مرة أخرى إلى الأرض, وهي عودة تسبق تحقيق الهدف الديني المرتبط بقيام يوم الدينونة, أي يوم القيامة.
والفكرة بصورة عامة لا تختلف عن فكرة ظهور المهدي في الإسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تهويد القدس ؟
كنعان شـــماس ( 2017 / 12 / 22 - 19:46 )
دكتور جعفر . ماذا تقول في : اليوم في دولة اسرائيل من يطبق شـــرائع التوراة يضعوه في الســــــــجن باعتباره خبل معتوه وخطر على البشر الاســــوياء . القدس يجب تبقى ليس عاصمة لليهود او اولاد عمهم العرب . القدس يجب ان تبقى دولة مستقلة وعاصمة ابدية للسلام بين كل البشر تدار من قبل الامم المتحدة ويمنع اي يهودي او مسيحي او مسلم مسلح يمنع من الدخول اليها . لانبي اليهود ولانبي العرب وضع قدمه على ارضها . السيد المسيح وحده ولد وعاش ونشر رسالته الانسانية وسفك دمه الكريم على ارضها . يوم اعتبارها عاصمة لليهود هو اكبر عــــــــــــار على كل الملوك والحكام المسيحين في العالم . سننتظر اليوم المبارك الذي تصبح فيه القدس دولة مستقلة وعاصمة ابديـــــة للسلام بين كل البشر تحية


2 - أخي كنعان
جعفر المظفر ( 2017 / 12 / 23 - 11:46 )
قلت حقا ونطقت صدقا
تحياتي

اخر الافلام

.. غارة إسرائيلية تقتل 3 عناصر من -حزب الله- في جنوب لبنان


.. عملية -نور شمس-.. إسرائيل تعلن قتل 10 فلسطينيين




.. تباعد في المفاوضات.. مفاوضات «هدنة غزة» إلى «مصير مجهول»


.. رفح تترقب الاجتياح البري.. -أين المفر؟-




.. قصف الاحتلال منزلا في حي السلام شرق رفح