الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قائمة -الحق الطبيعي-

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 12 / 22
الادب والفن


المحاور الأول:
ـ هل كنت متأكدا من النتيجة؟
المحاور الثاني بعد قهقهة مصحوبة بسحابة كثيفة من الدخان اندفعت من محيط فمه:
ـ طبعا لا..بل لم نكن نطمح في أي نتيجة.. في بعض اللحظات التي يزدحم فيها أي عقل بأحلام اليقظة و الامعقول كانت تحظر بعض امكانات النجاح بالفوز في الانتخابات، و لكن سرعان ما أكبح التمادي فيها قائلا ما بيني و ما بين نفسي: "توقف عن الحماقات"..
المحاور الاول:
ـ و القائمات الاخرى هل كانت تـندفع بكل تلك الحماسة دون أمل فعلي في الفوز بمقاعد في برلمان متخلف لشعب متخلف وسط سياسيـين جبناء و حمقى و أغبياء و دولة لازالت دون عقل؟؟
المحاور الثاني:
ـ نفس ما وقع لي من مصارعة ذاك الأمل التـفكير في الفوز في ذاته هو القاتل بالنسبة للمثـقـفين و المفكرين اللذين يحلمون اكثر من امكانات الواقع..
المحاور الاول:
ـ لكنها ثورة و كل ثورة حلم و تركيبة من المثاليات تريد ان تتجسد في الواقع بالقوة..
المحاور الثاني:
ـ لقد ساروا في الخط المعاكس للثورة لأنهم استغنوا جميعا عن الاحلام منذ ليلة هروب الدكتاتور..لم أتـقبل ساعتها كيف يهرب الدكتاتور و لا يمسك الثوار بالسلطة..
المحاور الاول:
ـ الثوار منـقـسمون.. أقصد ان الثورة كحزب سياسي كانت أقـلية صغيرة..صحيح ان الشارع سيطر عليه الجمهور و لكن التمثيل السياسي كان ضعيفا..
المحاور الثاني:
ـ لم يكن ضعيفا.. كان فاقدا للفطنة و السرعة في الحركة فقط..وجوه المعارضة معلومة و خاصة من تم احتجازه في وزارة الداخلية ثم تم اطلاق سراحه بعد هروب الدكتاتور. كان بإمكانه ان يقود الجماهير مباشرة الى ساحة القصبة و يدعو بقية زعماء المعارضة لتشكيل حكومة ثورة..اما ان يقـفوا جميعا مبهوتين من اللحظة مثل الجماهير التي كأنها تحت تسيـير قوة خفية فإنهم أثبتوا انهم في مستوى تلك الجماهير و ليسوا في مستوى الزعيم السياسي الحقيق..
المحاور الاول:
ـ من هنا يمكننا ادراك سر عقم هذه المعارضة زمن الدكتاتور و ان جل ما فعلته لا يعدو سوى اثارة بعض الضجيج..
المحاور الثاني:
ـ ليس تماما. بشكل عام يمكنك قول ذلك، و لكن الحقيقة انها خلقت تراكما مضادا او بالأحرى عنوانا مخالفا للسلطة.. اي انت ترفض السلطة القائمة و يوجد من يطرح حلولا اخرى على مستوى تكتلات حزبية..اما كون عملها كان ناقصا او محتوى ما تطرحه من بدائل اكانت وهمية ام واقعية فاغلبها ينطلق من مبدأ التمايز فقط عن السلطة القائمة و ليس عن مبدأ الايمان بفكر و قضية مغايرة بحق..يعني ان تستورد الحلول من خارج المكان و الزمان و ليس من زمانك و مكانك فهذا هراء..ان لا تحاول فهم شعبك و ادراك كيميائيته الخاصة و حدس روحيته الخاصة فأنت تبقى خارجه و ليس من داخله كشعلة له..
المحاور الاول:
ـ اذن جل ما قامت به الثورة الى غاية الآن هو فضح هذا الاهتراء الذي كان الاستبداد السياسي يضفي عليه معنى كاذب و دائرة من وهم القضية و البديل التاريخي..
المحاور الثاني:
ـ طبعا. اني لا انفخ في الهواء دخانا و انما نارا.. تجدهم في خدر عن انفسهم و ما ان يكونوا امام النار حتى يهرعون.. يا للمُثل الطيبة كيف تعرف طريقها الى الزوال بفضل أُناس سذج يحملونها دون علم بما تتطلبه من حضرة الشياطين..
***
حسناء تداعب دلفين في المسبح منذ نحو ساعة و هو تكاد تراه يعانقها. ربما الانسان أصله دلفين. بين الحين و الآخر كان أحد المتحاورين ينظر اليهما من وراء البلور. أمثالهما يتـناقـشان حتى في مرقص ليلي في اللاهوت فكيف لا يتـناقـشان في السياسة في مقهى هذا المسبح؟
أردف المحاور الثاني و هو يتذوق الرشفة الاولى من القهوة الثالثة:
ـ المسألة برمتها انطلقت من قـناعة تؤكد نفسها يوما إثر يوم. الجمهور. آه من الشعب حين يكون له صوتا مسموعا. الجمهور الهائج أو الكامن و لكنه الهائج في أعماقه. الجمهور لا يحتمل كثيرا قواعـد المنطق فأغـلبه يكره مادة الرياضيات و أغـلبه كان ضعيفا فيها بل انقطع بعضه عن الدراسة بسبب هذه المادة.
الجمهور لا يفـقه إلا ذاك النداء الابدي في الاعماق. ارادة الاشباع و الامن في الواقع و في العقل. النداء الذي قد يعبر عنه ببغاء ساذج باسم الغد الافضل كما قد يعبر عنه المسيح الدجال باسم الرب و شريعة الرب، و انما كذلك يحدث ان تخرج بعض التطمينات الجوفاء من الثـنائية الواضحة الى ما يسمى الخط الوسطي الرديء الذي تـشغله كثير من الثعالب..
انفضحت هذه الأبواق جميعها. لم يتبقى إلا الاشتغال على المختلف. لقد كره الجمهور هذه الاحزاب المنافـقة البائسة. جل ما افصحت عنه الثورة الى حد الآن هو مدى بؤس هذه الاحزاب و نفاقها و اهترائها. انها بالكاد تكون أحزابا سياسية. انها ذئاب جوعى للسلطة..
أدركت الجموع من المثـقـفين سر بقاء الدكتاتور البوليسي بعد الدكتاتور التـنويري لهذه المدة الطويلة. معارضة ليست سياسية. معارضة دون قضية حقيقة صميمية. معارضة لا علاقة لها بما تقول. القول مجرد تكتيك في النهاية.. "ماعون خدمة".. الأفكار أدوات و ليست غاية في ذاتها. ثم انها ليست افكار من صميم جدل الافكار و بالتالي ليست حلما و مستـقبل و انما مجرد أمثلة لوقائع امكنة و ازمنة سابقة و بعيدة.. اليمين و اليسار و الوسط..
انظر الى ساعة الحقيقة كيف أردتهم جميعا الى غربان ناعقة على جثة الدكتاتور تطارد خياله عاشقة ما كان يشغله بما كان يشغله.. يا للوطن كم يتحمل من صراصير المجاري..
المحاور الاول:
ـ يعني انطلقت الفكرة من مقدمة واقعية معقولة لتبني على اساسها فكرة مجنونة..
ضحك المحاور الثاني و قال:
ـ يبدو ان الدلفين قد ابتلع الحسناء تحت الماء..
ـ فعلا.. لاحظت انا كذلك بقائهما الطويل تحت الماء..
ـ لأجل ذلك سمينا قوائمنا المستـقلة الثلاث بـ "الحق الطبيعي"..
قائمة الحق الطبيعي في باريس و تونس و صفاقس..كانت حملة انتخابية مجنونة جرت الشباب الى اجتماعات القائمة. ثلاث قوائم بنفس العنوان و نفس المقترحات و نفس الافكار بشكل عام. تـنسيق مستـقل من قائمات مستـقلة مثلت شبه حزب سياسي لكنها ليست بحزب سياسي..
من بين ما قالوه في الحملة:
" اننا لا نشارك في هذه الانتخابات لأجل الوصول الى البرلمان. لو كان هدفنا قبة باردو فإننا سنخترع اكاذيب نخدعكم بها.. اننا نحلم بوطن آخر و انتم لا تحلمون بالوطن و انما ببطونكم. انتم مجموعة من الأوغاد اصبح لها صوت و نحن مجموعة من المثـقـفين آثرنا الخوض في هذه الانتخابات لننشر افكارنا مثل المفكرين الانكليز الاحرار في القرن السادس عشر. صحيح ان ظروفهم اصعب بكثير و انهم كانوا معرضين للسجن و محاكم التـفـتيش للكنيسة و محاكم الدولة، اي اننا لسنا بمستوى شجاعتهم و جرأتهم التي خلقت بريطانيا العظمى الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس فيما بعد.. اننا أقـل شجاعة منهم لأننا لا نصارع دهماء و سلطة بمثل ما صارعوه و لكن من الخزي و العار علينا ان لا نستغل فرصة الحملة الانتخابية لنشر افكارنا مباشرة على الشعب البسيط العائش في ظلماته. نعرف ان هذا الوطن لا يولد قوته الكامنة فيه إلا اذا توجه امثالنا اليكم مباشرة و بالحقائق التي تصدمكم..."
" .. اننا من خلال مناقـشاتـنا العديدة توصلنا الى ان جوهر الثورة هو طلب الحرية و الكرامة. تعرفون هذه الكلمات.. لكن مضامينها هي التي يتم التلاعب بها او القصور عنها او تحويلها..لو كانت ترفع صور الدكتاتور بحرية لما صارت الثورة. لو كانت دولة القانون و ليس العصابات لما كانت الثورة. لو كان البوليس لا يتدخل في حياة الناس العامة لما كانت ثورة. لو كانت سيارات الشعب جميعها شعبية لما كانت الثورة. لو كان هناك نقل عمومي سريع و ناجع و متوفر لما كانت الثورة. لو كان المريض الذي يفتـقد الى ثمن العلاج يتداوى ببلاش لما كانت ثورة...لو..لو... في الاساس لو لم يكن القمع و الكبت لما كانت ثورة..
ما هو أصل القمع؟.. انه القمع في التصرف بحرية و انه عقلية الكبت و الخوف.. اصل القمع هو انتم و كيف تـفكرون و تعيشون كذلك.. انتم ترضون بل تدافعون عن الكبت و القمع.. التحرر خلسة و للآخرين تريد القمع و ترضاه. كلكم لا ترضون بالرأي المخالف. كلكم يفكر في نفسه محور الكون و العالم. كلكم لا يفكر في الكل..اصل المشكلة انكم لا تـفكرون في الكل برغم انكم الكل. و هكذا اندفعت انفسكم في شبه غيبوبة عن انفسكم في لحظة سحرية لم تكونوا واعين بها.. الى اليوم انتم لا تعرفون معنى الحرية و الكرامة.. "
" ..الحرية و الكرامة ليست شخصية او فردية و انما هي جملة افكار عامة يجب ان تطبق في المجال العام بعد ان تكون قد ترسخت في عقولكم.. الحرية ليست ان أكون حرا في كذا و كذا.. الحرية بما هي حرية في ذاتها و لنا جميعا بغض النظر عن تمتعي بها واقعيا من عـدمه..الحرية هي الحرية الجنسية و الدفاع عنها سواء تمتعت بها ام لا و سواء اردتها لنفسك ام لا، اما الوطن فيطلب الحرية الجنسية لأجل وطن حي يحب نفسه.. يجب ان نعمل على إزالة عـدة قوانين بائسة مثل ما يسمى بالحفاظ على الاخلاق العامة.. كلمات فضفاضة بدون معنى.. هل من باب الاخلاق ان تضرب الطفل ثم تـزيده ضربا لبكائه.. منظومة اقـتصادية تخلق الفوارق الطبقية و تخلق الفقر ثم تحرم على البعض ان يشتغلن في البغاء؟ العاهرات اكثر شرفا ممن يغتصب السلطة ليتحكم في الملايـين بلا وجه حق. العاهرة لا تحكم إلا في نفسها و لا تضر إلا نفسها اما هؤلاء الخنازير فيظلمون الملايين... ".
".. لماذا تـتـشوقون الى أوربا؟ لماذا لا تخلقون من وطنكم اوربا؟ أليس ذلك أسهل بكثير و لكنه شاق لأنه يتطلب إزالة الغشاوة من أمام عيونكم..أنتم تريدون السيقان العارية و الاباحية الجنسية في كنف احترام الجميع لهذه الامور بل باعتبارها حقا طبيعيا في ان تكون المدن معطرة بالفتـنة و الجمال للطبيعة الإنسانية.. أليس من العار تحكم القوانين في الحياة الجنسية للمواطنين.. ما معنى ان يتم معاقبة الممارسة الجنسية ما قبل سن العشرين.. أليس في ذلك قمع لفورة الجسد؟ أليس في ذلك تأخيرا متعمدا للإحساس بالأنا سواء كرجل او أنثى؟ أليس ذلك حصر الذهن في الممنوع الجنسي بدل اعتباره حقا طبيعيا قائما على الاختيار الحر؟ ما هو الوطن غير أزقة الحب و ممارسة الحب؟ كيف أحب بلدي دونما سيلان الحب في ربوعه؟.. سنعمل على تخفيض السن للحرية الجنسية الى السادسة عشر.."
" يا لخيبة العهر المقـنن في عقولكم و في القوانين.. هل تعتبرون حقا ان علاقات الزواج قائمة على الحب ام على الصفقة.. اي اموال تصرف في حفلات الزواج و اي شروط للحياة الزوجية؟.. لماذا لا يكون الزواج عبارة عن علاقة حرة.. لماذا لا يكون عاديا و جماعيا.. تصور ان مجموعة من الطلبة متـزوجون و يسكنون في شقة واحدة و يتعاونون على حياتهم الجماعية بل يكون مولود احدهم كأنه مولود البقية.. لماذا مواصلة عملية تعقيد الحياة بعقلية بالية؟.. بكل بساطة..اثنان يحبان بعضهما فيتـزوجان و يعيشان حياة زوجية كلما توفرت الفرصة لذلك او في سكن جماعي..نطلب الزواج لان عقلية المجتمع لازالت ترمي الانثى بالعار لحريتها الجنسية، و من جهة اخرى لان الرابطة الحقيقية لا تكتمل الا بالانجاب لطفل.."
و هكذا كانت جل افكار قائمات "الحق الطبيعي" تنشر فكرة الحرية عبر الحياة الجماعية و كسر كل معوقات الذهن و الواقع امام انفتاح الذوات على انفسها و على الآخرين..تعرضوا الى السب و اللعن و محاولات التعنيف..
***
ضحك المحاور الاول نتيجة قلب الدلفين للحسناء برأسه فرفعها الى فوق ثم ما أجملها و هي تـنغرس في الماء كالرمح.. تساءل قائلا:
ـ هل كنت تتصور حصولكم على ثماني مقاعد في البرلمان؟
ـ لا طبعا.. كانوا يسخرون من كلماتـنا في المقاهي و الشارع. بل كانوا لا يتحدثون إلا عن كلماتـنا باستـنكار عام.. كل استطلاعات الرأي لم تـذكر قائماتـنا.. لم نكن محسوبين.. تبين ان اللذين انتخبونا جميعهم كانوا يسبوننا او يسخرون من كلماتـنا..لكن.. كانت كلماتـنا قد تسللت الى عقولهم كالهواء لأنها كلمات حرة عبرت عن الحرية و الحرية كالهواء.. أمام ورقة الاقـتراع أغـلبهم دخل باختيار لم يؤشر عليه و انما أشر على قائمتـنا..الشباب الذي لم يكن ينتوي الاقـتراع هو كذلك وجد نفسه يندفع الى مكتب الاقـتراع لينتخبنا.. هكذا هي الحرية تتسلل دون ان نشعر بها و فجأة تُحدث فرقعة..مثل احداث الانفجار الثوري في 2011 تماما..
قال المحاور الاول:
ـ الثورة في صيرورة دائمة..الثورة صيرورة الجنون.. الجنون بالنسبة للعقلية السابقة المستـقرة..
ـ الثورة لا يفهمها السياسيون..أبدا فهم أعـداء الثورة دوما حتى و ان تخيلوا انهم ثوريون.. ثورية السياسي هي صورة معينة ثابتة و قد يلتجأ الى الارهاب لتجسيدها أما الثورة فلا يفهمها إلا المثـقـف المفكر الحر الذي يرقص بخفة وسط مسرح التاريخ...السياسي يبحث عن الاستقرار و لا يستطيع ان يشتغل الا على وضع مستـقر لذلك فهو عدو الحركة الدائمة التي هي قانون الكون..
و كانت تريد مغادرة المسبح إلا انه كان يحاول دفعها من جانبها الأيسر بعيدا عن جانب المسبح..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا