الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة المسيح على مفهوم الايمان

عادل صوما

2017 / 12 / 22
المجتمع المدني


قد يبدو غريبا ان يتحدث شخص علماني عن المسيح في موقع علماني لا يؤمن بالاديان، لكن الغرابة ستزول عندما سيجد القارىء إنني اتحدث عن إنسانية المسيح وحيوية رسالته، لأن المسيح في عمق تعاليمه نادى بأمور يحتاج إليه أي مجتمع ليستمر.
في عالم مضطرب بالعدائية والخرائط الدموية لنشر الحرية والديموقراطية، والايمان بهدر دم الاخر والتحريض عليه وإستباحة ممتلكاته، والتوترات الاجتماعية والعرقية والدينية والسياسية في كل دول العالم تقريبا، وصناعة الارهاب الديني ونشره كدعوة غير قابلة للمساومة، تبدو تعاليم المسيح أرّق وأجمل ما انتج أصحاب الادبيات الابراهيمية كافة، ورغم بعدها عن السياسة، تصب في خانة السلم الاهلي، من خلال السلم النفسي ومحبة الآخر والغفران، وهو الوحيد القائل بين أصحاب الادبيات الابراهيمة: "طوبى لصانعي السلام فانهم ابناء الله يدعّون"، متجاوزا نصوص إلههم الذي قاتل بنفسه معهم احيانا، أو أرسل الملائكة ليقتلوا الناس.
رؤية المسيح هذه، لفتت نظر بعض السياسيين الذين كان همهم السلم الاهلي في مجتمعات متعددة المذاهب، وعدم إراقة الدماء حتى لمقاومة المحتل، وليس تحقيق المكاسب وبيع الاوهام وامتلاك السلطة والسيطرة على الناس، وأهم هؤلاء المهاتما غاندي الذي إتخذ المسيح معلماً في فلسفة المقاومة السلمية أو سياسة اللاعنف.
النصوص والعبادة
أحدث المسيح ثورة في مفهوم الايمان منذ اختراعه، لأنه تجاوز الانصياع لصرامة نصوص الدين التي يُقال عنها في الادبيات الإبراهيمية إنها موحاة. لم يتبن المسيح هذه المقولة، وسخر من التلقين والترديد وهوس ممارسة الطقوس الظاهرية، وشدد على تفهّم روح الشريعة وأباح تجاوز النصوص إذا كان الامر في مصلحة الإنسانية.
عبادة الله عند المسيح مسألة ضميرية لا تُفرض بل تُعاش كحالة وجدانية. والله، حسب المسيح، أبو البشر، وهو يحبهم كلهم بدون تمييز، وهي فكرته هو وحده، ومن ثمة يجب على البشر أن يحبوا ويساعدوا بعضهم بعضا لأنهم من مصدر واحد لتستمر الحياة.
لم يذكر المسيح أن الله يعاقب بالنار ويثيب بالمتعة. الله لن يدين العباد قال المسيح، بل العباد هم من سيدينون أنفسهم. عقاب الآخرة حسب المسيح هو الندم على عدم فعل الخير وإطعام الجائع وشراء كسوة لمن يحتاجها وزيارة المسجون ومساعدة الارملة وعمل الخير بصمت .
فسّر المسيح النصوص السابقة عليه بروح تستجيب وتتفهم الوعي الإنساني الذي يتطور، ومن ثمة إكتسب عداوة المتربحين من النص ومفسري لامعقولياته بتفاسير أشد لامعقولية، وكانت نهايته تآمر المتربحين من الدين عليه ما أدى إلى صلبه بتهمة سياسية.
حرر المسيح الإنسان من رهبة الخالق بصفته كائن هائل القوة يغضب، ومن ثمة يجب المسكنة والتزلف له حتى يفرح، وكان ثوريا حين قال ان الله ليس بحاجة إلى طقوسنا، ولم يشر مطلقا إلى أن الله خلقنا لنعبده فقط، وقال عدة مرات بوضوح تام ان الطقوس لا قيمة لها وغير مقبولة عند الله بدون فعل الرحمة والغفران ومساعدة الآخر وإغاثة المنكوب، بل أن فعل الرحمة ومساعدة الآخر وسداد الديون أهم من الطقوس حسب المسيح، ومن ثمة إبتعد المسيح عن تقديم نصوص لا تقبل التغيير، وإتجه إلى تعليم وتنوير الناس عن طريق المحاورة والامثلة.
التطهر عند المسيح ليس بغسل الجسد كما قالت كل الاديان بل بنقاء الروح. الايمان عند المسيح طوعي، من يرفض الايمان شأنه مع الله وليس مع الناس، لذلك طلب تبشير الاخرين وليس قتالهم حتى يؤمنوا به أو بالله. تجنب المسيح تماما إدانة الناس. كما تجنب الدخول في محاور سياسية ورفض أن يكون ملك اليهود الذي يقاوم الامبراطورية الرومانية المحتلة.
جاور المسيح حمورابي وقورش وغوتاما بودّا على لائحة أهم المصلحين الاجتماعيين القدامى، الذين سبقوا عصر التنوير بقرون كثيرة. ومما قاله في شأن التكافل الاجتماعي مَثَلْ السامري الصالح، وكان هو نفسه مثال تطبيق معانيه بالغة السمو، وحسب الاناجيل وشهادة الناس فيه، أحب غير المستحقين وبارك اعداءه وتحنن على من لا يعرفهم، وأطعم الجياع مجانا، وشفى عشرات ولم يتلق الشكر سوى من شخص واحد فقط، وأقام موتى ناس سخروا من قدرته على عمل ذلك، فدخل الخلود على أنه المُعلّم.
ولأنه رجل إيمان قالت المجتمعات التي آمنت به عند نشر رسالته بصفائها الاول "المُبجل رسول الله"، وصُنعت الاسطورة التي جعلته ممثل صفاة الإلوهية على الارض.
المصالحة والكره
المسيح لم يولد في الخامس والعشرين من كانون الاول/ديسمبر، بل ولد في ايلول/سبتمبر في يوم غير معروف، وهو شهر إجراء التعداد السكاني الذي اجرته الامبراطورية الرومانية، المذكور في الاناجيل ومضابط الامبراطورية، والامبراطور قسطنطين هو الذي إختار بدء دورة طول النهار الفلكية في الخامس والعشرين من كانون الاول، وهي "عيد الشمس" حسب التقويم الامبراطوري الروماني، ليكون يوم ميلاد المسيح، وكان الاختيار الكوزموبوليتاني يلائم تماما عالمية تعاليم المسيح التي اعجب بها الامبراطور، ووجدها تناسب إمبراطوريته متعددة الاديان والمذاهب.
ثم تطورت شتلة الامبراطور بعيد النظر مع القرون، لدرجة ان حضارات العالم كله أصبحت تحتفل بميلاد المسيح، حتى لو لم تكن تؤمن به، واتخذوها مناسبة للبهجة وإنعاش الاسواق تجاريا، واللافت للنظر ان الجميع يحتفلون بإضاءة الشموع والانوار والاغاني التي لا تمجد المسيح أحيانا، لأن الرجل صانع سلام ومحبة ورحمة وهي صفات محبوبة عالميا ويأنس إليها أي مجتمع، ولا يتوجس منها سوى كارهي السلام والمحبة والرحمة.
شكرا للمسيح الانسان لأنه لم يترك مدونات يستحيل تجاوز صرامتها لأن الله أملاها عليه، ويتم هضم تناقضاتها وعدم إنسانية محتواها بالترهيب، ما يؤدي لاحقا إلى أزمة الصدام مع النفس والناس والعلم وحقائق التاريخ والكون، وكتابة أطنان من التفاسير لتشرح ما هو غير مُفسر اخلاقيا أو عقليا باسدال العتمة على العقل نفسه وترهيبه بالعقاب.
ترك المسيح سيرة أثّرت في التاريخ وهي مقبولة في العصور المختلفة، ومن ثمة لم يكن غريبا أن تنطلق العلمانية وثورة المعرفة من أتباعه، فالمسيحيون لم يصطدموا بحقائق العلم والكون والتاريخ بسبب سيرة المسيح، لأنهم لم يجدوا أي نص تركه يتعارض مع القوانين الوضعية، ومن جهة أخرى قالوا ببساطة للمؤسسة الكهنوتية عندما أصبحت مملكة تتربح من الدين على الارض وأعطت نفسها حق منح صكوك الغفران وتأشيرة مرور للسماء: المسيح لم يقل ذلك، وتعايشت المؤسسة الكهنوتية في نهاية المطاف مع العلمانية واقتبست منها، لأن المسيح كان رجل إيمان ولم يكن رجل نصوص أو حرب أو سياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما هذا الخطا
الجنديي ( 2017 / 12 / 25 - 19:40 )
أبو البشر، وهو يحبهم كلهم بدون تمييز
ابناء الله في المسيحية هم من يؤمنون بالمسيح مخلصا له
يعني انت بش ابن الله لو ما امنت بالمسيح
وايضا لماذا تدخلنا بماذا سيحدث للذين لا يؤمنون بالمسيح يوم القيامة في المسيحية
يعني المسيح يوم القيامة بقول اعدائي الذين لم املك عليهم اذبحوهم قدامي


2 - ما هذه الاخطاء الجزء الثاني
الجنديي ( 2017 / 12 / 25 - 19:41 )
لذلك طلب تبشير الاخرين وليس قتالهم حتى يؤمنوا به أو بالله. تجنب المسيح تماما إدانة الناس
1 ما اتيت لالقي سلاما بل سيفا
2 كل واحد يشتري سيف ؟؟؟؟
هل كانت لديه القدرة على ان يقاتل اصلا اما عدم ادانة الناس
الم يدن
1 الفرسييون
2 واليهود
3 بل اضان كل من لا يؤمن به
4 ووصف تلاميذه بالحمقى والاغبياء
مقالتك ناقلها منبش عارف ايش لاهداف واضحة بصراحة

اخر الافلام

.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا


.. مخاوف إسرائيلية من مغبة صدور أوامر اعتقال من محكمة العدل الد




.. أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى -حماس- يغلقون طريقاً سريعاً في