الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تيار الرومانتيكية 2

مروة التجاني

2017 / 12 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



كان للشاعر والمسرحي والمؤرخ ( فردريك شيلر ) تعبيرات مميزة يستعملها في كل كتاباته ليس الفلسفية فقط بل حتى المسرحية حيث كان دائم الحديث عن الحرية الروحية : حرية العقل ، مملكة الحرية ، ذواتنا الحرة ، حريتنا الداخلية ، الحرية الذهنية ، الحرية الأخلاقية والذكاء الحر . نظرية ( شيلر ) عن التراجيديا المسرحية مبنية على فكرة الحرية ، ليس موضوع التراجيديا هو المعاناة المغلوبة على أمرها ، المعاناة التي لا يستطيع الإنسان تجنبها ، والإنسان الذي تحطمه الكوارث ، فهذه مجرد مواضيع للرعب أو الشفقة والشئ الوحيد الذي يمكن النظر إليه بإعتباره تراجيديا هو المقاومة ، مقاومة الأنسان لكل ما يقمعه . يقول ( شيلر ) أن مجرد كون الطبيعة التي ينظر إليها ككلية ، تسخر من كل القواعد التي ينسبها إلينا عقلنا ، وإنها تتابع مسارها الحر والمتقلب وتعفر بالتراب ابداعات الحكمة دون أي اعتبار لها ، وتختطف ما هو مهم وما هو تافه ، ما هو نبيل وما هو شائع ، وتغمرهم بكارثة متماثلة ، وتحافظ على عالم النمل بينما تقبض على الأنسان ، أكثر مخلوقاتها مجداً بذراعها العظيمة وتسحقه ، وإنها كثيراً ما تبدد منجزات البشر بل حتى أكثر منجزاتها مشقة في ساعة عابثة بينما تمنح قروناً لأعمال حماقة لا ضرورة لها . أن ( شيلر ) يعتبر كل ما تقدم نموذجاً من قبل الطبيعة ، هذه هي تعاليمه التي ظهرت في معظم مسرحياته التراجيدية .

في مسرحية ( فيسكو ) وهي مسرحية مبكرة له يكون البطل طاغية لمدينة جينوا ، ومع ذلك ورغم أفعاله السيئة فإنه أكثر تفوقاً من الأوغاد والحمقى والجهلة والغوغاء في المدينة ، والذين هم بحاجة إلى سيد ولهذا يحكمهم ، ولعله من الصواب أن يقوم القائد الجمهوري بإغراقه كما يحدث في آخر المطاف في المسرحية ، لكننا مع ذلك نخسر شيئاً مع ( فيسكو ) إنه أنسان متفوق في صفاته على الذين يقتلونه عن وجه حق ، وتلك هي فكرة ( شيلر ) التي استلهمت فكرة الخاطئ العظيم والأنسان الفائض عن الحاجة والتي لعبت دوراً كبيراً في فنون القرن التاسع عشر . في بداية ثمانينيات القرن الثامن عشر كتب ( شيلر ) مسرحية اللصوص وبطلها شخص وقع عليه الظلم حيث أصبح نتيجة لذلك رئيساً لمجموعة من اللصوص ، يقتل وينهب ويحرق المباني وفي النهاية يسلم نفسه للعدالة ويعدم ، ومن هنا ظهر البطل الرومانتيكي في المانيا في وقت ما بين نهاية ستينيات وبداية عقد الثمانينيات في القرن الثامن عشر .

كانت رؤية ( شيلر ) الأساسية هي أن الأنسان يمر عبر ثلاث مراحل الأولى هي التي يسميها حالة الضرورة أي تلك التي تحكمها الحاجة والتي تأتي على شكل نزوعات نحو الأشياء بالمعنى السيكولوجي الحديث ، في هذه المرحلة يكون الأنسان مدفوعاً بطبيعة المادة ، إنها نوع من الغابة التي يكون فيها البشر مسكونيين بالعواطف والرغبات ولا يملكون مبادئ ويتصادمون مع بعضهم البعض . والحالة الثانية هي البربرية وهم عبدة أصنام مثل المبادئ المطلقة دون أن يعرفوا لماذا لأنها تمثل تابوهات . الحالة الثالثة هي التي يطمح إليها ( شيلر ) حيث تصور إنه كان هناك زمان يوجد فيه وحدة إنسانية ، زمن ذهبي ، لم تكن العاطفة فيه منقسمة على العقل ولم تكن الحرية فيه منقسمة على الضرورة ولكن كيف يمكن أن نعود إلى الحالة الأصلية دون الوقوع في الحالتين الأولى والثانية ؟ يقول ( شيلر ) إن ذلك ممكن من خلال الفن ، التحرر عبر الفن . اليوتوبيا التي أنتهى إليها ( شيلر ) تقول أننا إذا كنا مثل اليونان ومنسجمين وفهمنا ذواتنا ، وفهمنا الحرية والأخلاق والمتع والنعيم السماوي للإبداع الفني فإننا سنحقق علاقة متناغمة مع المبدعين والفنانيين .

الحياة لا تبدأ بتأمل محايد للطبيعة والأشياء . الحياة تبدأ بالأفعال . هذا تصور فيلسوف الرومانتيكية ( فيتشه ) ومجمل فكره هو أن الأنسان نوع من الفعل المستمر ويجب عليه الأستمرار في الخلق والأبداع ، الأنسان الذي لايبدع ويقبل ببساطة ما تمنحه الحياة أو الطبيعة هو إنسان ميت ، لا ينطبق ذلك على البشر فقط وإنما الأمم . يبدأ ( فيتشه ) بالحديث عن الأفراد ثم يسأل نفسه ماهو الفرد ؟ وكيف يمكن للمرء أن يصبح حراً تماماً ؟ لن يستطيع أن يكون حراً ما دام يمثل شيئاً ثلاثي الأبعاد في الفضاء فالطبيعة تقيد الأنسان بألف طريقة . لذلك فالكينونة الوحيدة الحرة تحتاج أن تكون أكبر مني وهو شئ داخلي على الرغم من أني لا استطيع التحكم في جسدي فأنني أتحكم في روحي . الروح بالنسبة لـ( فيتشه ) ليست روحاً فردية بل هي مشتركة بين كثيرين وهي مشتركة لأن كل روح فردية هي غير كاملة ، لأنها محجوزة ومقيدة بالجسد الذي تسكنه . لكنك إن سألت ماهي الروح النقية فهي كينونة متعالية ، نار مركزية يمثل كل منا شرارة فردية منها .

يقول ( فيتشه ) في إحدى خطبه التي كانت من قبل الألمان طيلة القرن التاسع عشر وأصبحت بمثابة الأنجيل بعد العام 1918م " أما أن تؤمن بوجود مبدأ أصلي في الأنسان – حرية ، قابلة للكمال ، تقدم لانهائي للجنس البشري ، أو أن لاتؤمن بشئ من ذلك . ربما يكون لديك مشاعر تناقض ذلك . كل أولئك الذين يحملون التسارع الخلاق للحياة داخلهم ، أو الذين يظنون أنهم حرموا تلك الموهبة ، وعلى الأقل ينتظرون اللحظة التي يغمرهم فيها التيار الرائع للفيض والحياة الأصلية ، أو لعلهم يهجسون بتلك الحرية في حيرة ، ولايشعرون إزاء هذه المظاهر بالكراهية ، ولا الخوف ، بل الحب ، فهؤلاء هم جزء من الحياة الأنسانية الأصلية ، هؤلاء يمكن أن نعتبرهم أناساً حقيقيين ، وهم يمثلون البشر الأصليين ، وأعني الألمان . من جهة أخرى ، كل أولئك الذين اذعنوا لتمثيل فقط المشتقات والمنتجات الثانوية ، والذين ينظرون إلى أنفسهم بتلك الطريقة ، فأنهم يصبحون كذلك ، وسيدفعون ثمن قناعتهم ، هم ليسوا أكثر من ملحق للحياة . ليست لهم تلك الينابيع الصافية التي تترقرق أمامهم وربما لاتزال تترقرق من حولهم ، هم ليسوا أكثر من صدى يأتي من صخرة بعيدة ، أصدره صوت أطبق عليه الصمت الآن ، هم مستثنون من البشر الأصليين ، هم غرباء ودخلاء . إن الأمة التي تسمى الألمانية لاتزال لهذا اليوم تثبت فعاليتها الأصلية والخلاقة في مختلف المجالات " .

بالنسبة للرومانتيكية الحياة هي أن تفعل شيئاً ، وأن تفعل يعني أن تعبر عن طبيعتك ، وأن تعبر عن طبيعتك يعني التعبير عن علاقتك بالكون ، وعلاقتك بالكون غير قابلة للوصف ، لكنك مع ذلك ينبغي أن تعبر عنها . تلك هي المعاناة ، هذا هو التوق اللامحدود ، هو السبب في الذهاب إلى بلاد نائية ، هو السبب في البحث عن نتائج عجيبة ، هو ما يجعلنا نسافر إلى الشرق ونكتب روايات عن الماضي ، ونترك أنفسنا لكل أنواع التخيلات . ذلك هو الحنين الرومانتيكي النموذجي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة