الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيهدأ الشرق الأوسط

محمود عباس

2017 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


على مدى العقود الماضية رسخت إعلام الأنظمة العربية والتركية والفارسية القضية الفلسطينية كعامل وحيد ورئيس لاستقرار المنطقة، وغيبوا قضايا الشعوب التي يحتلونها، كالقضية الكردستانية، وأظهروا إسرائيل كمنبع للشر، للتغطية على جرائمهم بحق الشعوب المسلوبة حقوقها، كحقوق الشعب الكردي والأمازيغي والقبطي وحقوق شعوب الديانة المسيحية والإيزيديين والصائبة، أصحاب الأرض الأصليين. غيبوا عن العالم جرائمهم التي تفوق انتهاكات إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني بعشرات المرات، بل وكثيراً ما لا يمكن أن تقاس وتقارن، والكارثة التي حلت بالإيزيديين من قبل طائفة من المسلمين، الذين لم يكفرهم على جرائمهم أي من المراجع الإسلامية، خير مثال على نفاقهم، وأغمضت جميع الأنظمة العربية والإسلامية أعينهم عنها، وعندما يقال بأن الجرائم تمت بيد طائفة مسلمة ينفون انتماؤهم إلى الإسلام! ويتردد في الأذهان وبناءً على المقارنة السابقة، الجدلية التالية، ماهي نسبة السلام الذي سيحل بالمنطقة لو أعطت الدول المحتلة لكردستان جزء بسيط مما يعطيه إسرائيل لعرب فلسطين؟ وماذا كان سيحدث بالعالم لو أجرمت إسرائيل بالشعب الفلسطيني ربع ما فعلته الأنظمة والمنظمات الإسلامية بالكرد؟ وهم يدركون أن القضية الكردستانية تقف على رأس القضايا التي بدون حلها لن يكون هناك هدوء في الشرق الأوسط، والمنطقة سوف لن تعرف الاستقرار حتى لو حلت القضية الفلسطينية، وهم يعلمون أيضاً بأنه هناك جدلية بين بقائهم وحل القضية الكردية، لذلك يعملون شبه المستحيل للإبقاء عليها بدون حل.
بناءً على التاريخ والواقع المرئي، يتجه تفكيرنا عند حضور هذا السؤال، إلى النفي المطلق، إضافة إلى ذلك درج بأن نحكم بكلمة المستحيل، كجواب صادر من اللاشعور، ولأسباب تكاد تكون واضحة، حيث القضايا المتداخلة إشكالياتها، وتسبق القضايا القومية والتي تقف في وجهها الأنظمة الفاسدة المسيطرة على المنطقة، إشكاليات تضاربات الأديان، وصراعات مستغليها، الذين يبرزون توجيهات أجزاء من نصوصها دون أخرى، كتلك المؤدية إلى كراهية الأخر، أو لنقل التحريفات التي حدثت في ثناياها بفعل فاعل، عن طريق التفسيرات والتأويلات الملائمة لمصالحهم الذاتية، والتي فقست مذاهب وطوائف متعارضة نشرت الحقد بين المجتمع، وغيبت الحب والخير، وفاقمت من الاختلاف بين القول والفعل، وفاقمت في نشر الجهل بين شعوب المنطقة تحت غطاء تفضيل النقل على العقل. إلى جشع الهيمنة الاقتصادية، ومنابعها، حيث سيادة القوى الخارجية، المسخرة طاقاتها لتعقيد الحلول القومية قبل الدينية، وخاصة فيما إذا لم تحصل على ما تطمح إليه، وكثيراً ما سخرت العامل القومي والمذهبي لمصلحة الثاني، وفاقمت في القضايا التابعة أو المرتبطة بالعاملين الأولين.
وبغض النظر عما يقال عن إلَّهية الأديان النابعة من شرقنا، لم تتمكن الثقافات التي أفرزتها ونشرتها الأنظمة السياسية-الدينية منذ ظهورها وحتى الأن وتحت غطائها من تخفيف الصراع بين القوميات المتعددة والمتداخلة حد الهلاك، بل وحتى بين القبائل داخل القومية الواحدة، وهو ما أدى إلى سيادة سلطات أبرز سماتها: الفساد بكل أوجهه، وعدمية الأخلاق إلى غياب القيم مروراً بنشر الحقد، بل ورسخت ثقافات مليئة بالأوبئة، ولدت منها سلطات متنوعة الإشكال، تكره مجتمعاتها، بل وأغلبها تحبذ أن تكون مكروهة، لتستمر القلاقل والحروب، حيث جدلية ديمومة بقائها، وهي من تقف في وجه القضية الكردستانية وإثارة القلاقل والحروب إذا دعت الضرورة أو كلما اقتربت القضية من الحل، حتى ولو كان جزئياً، وأبرز مثال هو ما نراه اليوم من مجريات الأحداث في جنوب كردستان. ورغم الادعاء بأممية الأديان ظلت المنطقة محتضنة شعوباً بلغات وخصائص مختلفة حد التضارب، ولكل منهم مطالب جغرافية-سياسية تتعارض وطموحات الأخرين، وفي معظم الأحيان، إن لم يكن في كلها، تزول المعتقدات الدينية أمام التعصب القومي، أي يغيب الإيمان بالسماويات عند حضور المسألة القومية، وينزل الإسلام إلى المرتبة الثانية، وقد ظهر هذا واضحاً أثناء ثورة الخميني وعند إسلام أردوغان والمعارضة السورية الإسلامية الراديكالية والليبرالية معاً.
رغم هذا المستنقع، وبما إن منطق المستحيل جدلية مرفوضة في الواقع البشري، وتدرج ضمن المجالات الإلهية، فبالإمكان البحث في القضايا الأقل تعقيدا من الصراعات المذهبية، التي يربطونها بالأحكام الإلهية، كالقضايا القومية، المحكومة بالمنطق الإنساني، أو لنقل المجالات التي تطمح إليه مجتمعاتنا، والمأمولة حلها حتى ولو كان بشكل جزئي، والتي ستؤدي بالمنطقة إلى بعض الاستقرار، رغم طغيان مفهوم استحالتها.
بدونها نثبت المطلق في الحيز البشري، وكما ندرك وبتحليل فلسفي، من المستحيل ألا تكون هناك طرق لتنقية هذا المستنقع، وإيجاد حلول للمعضلات العديدة والمتنوعة في شرقنا، والتي خلفت حروب دموية وكوارث، بدأت قبل قرون ولاتزال جارية، وستستمر، وأولها الحروب الدينية والمذهبية، حتى وبعد ظهور السماويات، والتي بدلاً من أن تخفف من سيلان الدماء، فاقمت فيها، وعمقت الصراعات القومية، إلى جانب قضايا أخرى ستستمر مادامت الصراعات بين مذاهبها بدون حل، خاصة عندما تكون الأنظمة المهيمنة في الشرق في خدمتها وبتفاني، أي ما دامت السياسة في خدمة الأديان.
التجربة الأوربية وحروبها المذهبية والطائفية، والطرق التي أدت إلى ما هي عليه من استقرار خير مثال للاستفادة منه، وقد استمرت مرحلة سيطرة السياسة على الدين قرنين من الزمن، ولا يستبعد بأن تكون هذه المرحلة قد بدأت في شرقنا، فما يجري اليوم يشبه المخاض المؤدي إلى تبلور مفاهيم جديدة حول هيمنة الإسلام على السياسة، والتغيير قد تمتد إلى عقود طويلة، ولابد من أن تسبقها نهضة ثقافية يتم فيها ليس فقط تصحيح المفاهيم الدينية بل تعديلها وتنقيتها، والحد من الأحزاب السياسية الدينية، وإن أمكن القضاء عليهم. وهذه تعتبر من أعقد وأصعب القضايا، وإشكالياتها تتجاوز مجال مقال مختصر، وقد كتب عنها الكثير.
أما إيجاد الحلول للصراعات القومية في المنطقة والتي ظهرت بفعل فاعل، وبرزت على الساحة في بدايات القرن الماضي، أسهل من الراسخة بين المذاهب الإسلامية، وأهمها تلك المعانية منها الشعوب التي لاتزال تحت الاحتلال، كالكرد والأمازيغ والقبط وغيرهم، وبدون إيجاد حلول لقضاياهم القومية فستظل الصراعات مستمرة، وسوف لن ترى المنطقة الهدوء.
الأنظمة الموجودة هي المستفيدة دون شعوبها، وهي التي تقف حجرة عثرة أمام حل القضية الفلسطينية-الإسرائيلية، وهي من عقدتها وعلى مراحل، عقداً بعد آخر، وليس سراً ما تقوم به إيران وتركيا وبعض الدول العربية بحق القضية الكردية، وجعلها قضية معقدة، وليس لأن حلولها انعدمت، بل لأن وجودها تمنح الأنظمة المستفيدة الاستمرارية، والتي لا تهمها مصالح شعوبها، ومثلها قضية الأمازيغ والقبط، علماً أن التاريخ أكثر من واضح في هذا.
الصراعات الجارية هي حصيلة الجهل المغروز مكان حضارات أجدادنا، ولا زلنا نعاني ديمومتها، والجهالة في شرقنا ذات أوجه متنوعة، تغذيها الأنظمة السياسية، والحاضنات المذهبية، وهؤلاء من مصلحتهم تصعيد الصراعات القومية، واستمرارية الحروب، ولذلك اشتركتا بشكل أو أخر، في تحريف شعار الانتفاضات الشبابية، وفعلوا كل ما تمكنوا منه للقضاء عليهم كحركات مستقلة، وبطرق متعددة تمكنوا من استغلال العديد منهم وتسخيرهم لأجنداتهم، علماً أن انتفاضاتهم ومسيراتهم كانت بداية ثورات من أول مهماتها القضاء على الأنظمة الفاسدة الموجودة.
بعد أن تمكنوا من طمس الثورات الشبابية، أحيوا المنظمات الإسلامية التكفيرية، للقضاء على المفاهيم التي أدت إلى ظهور الحركات وبهذه الجرأة، وواجهت أشرس الأنظمة الدكتاتورية، ولإتمام المهمة لابد للحروب أن تستمر لسنوات أخرى، فالمرحلة لم تنتهي بعد، واستمراريتها تحتاج إلى حجج يقنعون بها ذاتهم ويخدعون شعوبهم، فاتجهت أنظارهم نحو المكتسبات التي حصل عليها الكرد، أو التطور الذي حققوه رغم اللهيب المفتعل في المنطقة، وتدمير ما تم من تطور في مجال العمران وعلاقاتهم الإنسانية مع الشعوب الأخرى ضمن المنطقة.
اشتركت معظم الأنظمة المحتلة لكردستان، والتي خلقت الحروب، في حبك المؤامرة على الشعب الكردي، وذلك منذ عام 2014م، وخططوا لتفعيلها من الداخل الكردستاني وخارجها، وطرقوا أبواب جميع الأروقة الدبلوماسية العالمية، وسخروا لها حملات إعلامية ضخمة، إلى درجة أنها تمكنت من إغواء شريحة من الحركة الثقافية والسياسية الكردستانية، جعلتهم ينسون الأعداء الحقيقيين، ملتهية بالعداوة بين بعضها، وعلى قضايا ساذجة، خدموا ولازالوا يخدمون الأعداء بدون وعي، ومنها التشهير وتخوين البعض، في الوقت الذي كانت فيه المجموعات الفاسدة تحفر للخيانة بالوطن وبجهالة، وبإملاءات خارجية.
بما أن الأنظمة الحالية في المنطقة لن تقوم بحل القضايا القومية في المنطقة، وعلى رأسها القضية الكردستانية، فيتوجب على الحركة الكردية إقناع الشعوب المجاورة والدول الكبرى والتي لها مصالح اقتصادية في المنطقة بالحقيقة الدامغة، وهي أنه لن يكون هناك استقرار في المنطقة ما لم يتم اجتثاث الأنظمة الفاسدة وحل القضايا القومية، والتي بينها علاقة جدلية، فلا يمكن حل واحدة وترك أخرى، وحل القضية الكردستانية أهمها، بسبب عدة عوامل منها الجغرافي والديموغرافي والاقتصادي، إلى جانب تأثيرهم على العامل الديني-المذهبي.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
21-12-2017م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هي نعمت شفيق؟ ولماذا اتهمت بتأجيج الأوضاع في الجامعات الأ


.. لماذا تحارب الدول التطبيق الأكثر فرفشة وشبابًا؟ | ببساطة مع




.. سهرات ومعارض ثقافية.. المدينة القديمة في طرابلس الليبية تعود


.. لبنان وإسرائيل.. نقطة اللاعودة؟ | #الظهيرة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف بنى تحتية لحزب الله جنوبي لبنا