الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الثقافة ومعركة الدفاع عن الهوية

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2017 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية



23/12/2017
عن الثقافة ومعركة الدفاع عن الهوية
في الوقت الذي تتعرض له كل من الثقافة والهوية في بلادنا للعديد من مظاهر التفسخ والانحطاط فقد ارتأيت العودة مجددا الى مداخلة سابقة لي في ندوة ثقافية في غزة (بدعوة من وزارة الثقافة ابريل/2005) مع الصديق العزيز د.عبد الرحمن بسيسو تعقيباً على ورقته المعرفية الغامرة بالدلالات الثقافية الوطنية حول (الثقافة والهوية أو "الثقافة ومعركة الدِّفاع عن الهوية")....فعلى الرغم من مرور 12 عام على مداخلتي ، الا انها ما زالت – من وجهة نظري – تعكس الكثير من محددات التخلف السائدة آنذاك ، والممتدة حتى تاريخه ...آملا من صديقي الاديب والمثقف الوطني الديمقراطي د.عبد الرحمن بسيسو المبادرة الى اعادة نشر ورقته .


نص المداخلة :
- كل التقدير للأخ د.عبد الرحمن على هذا الجهد المبذول في ورقته التي تضمنت فعلاً ، بعداً معرفياً عقلانياً استهدف اثارة التفكير واطلاق الحوار حول مفهومي الثقافة والهوية في هذه الظروف التي تتميز حركة رسمها البياني بالهبوط المريع لكل جوانب الحياة من حولنا بما يجعل الحديث عن الهوية والثقافة العربية في واقعها الراهن او في مستقبلها المنظور او البعيد ، لا معنى له دون التحامه المباشر بالظروف والاوضاع الاجتماعية والسياسية التي تمر بها او تتعرض لها بلداننا العربية في هذه المرحلة ، التي وقعت –وستقع- فيها احداث ومتغيرات خطيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وهي متغيرات لا تزال في طور المخاض المتصل .
- وبالتالي فإن الهوية والثقافة –عندنا في فلسطين او في الاطار العربي- لا يمكن عزلهما عن هذه المتغيرات السياسية المجتمعية من ناحية او عن حالة التخلف والخضوع والاحتواء الرسمي وتفرد المقرر الخارجي الأمريكي-الصهيوني في السيطرة والتحكم بمجريات واقعنا الراهن وحركته من ناحية ثانية ، الامر الذي سيشكل عائقاً –في المدى المنظور على الاقل- في وجه النهوض والتطور الثقافي او التنمية الثقافية ، لان هذه العملية مرهونه برفض وازاحة السيطرة العدوانية للمقرر الخارجي ، وإزاحة أدواته وشرائحه الطبقيه الحاكمة في بنية النظام العربي ، الى جانب إزاحة عوامل التخلف الداخلي العميق ، بما يخلق المناخات المواتيه لازدهار الملكات الفردية والجماعية على قاعدة احترام العقلانية وحرية الاختلاف او الديمقراطية المحكومه بمصالح وأهداف الأغلبية الشعبية على المستويين القطري والقومي بما يدفع الى بلورة "روح الجماعة" او الذات الجماعية بعيدا عن كل اشكال التبعية للآخر ، آخذين بالاعتبار التحليل الموضوعي للفعل او الممارسة السياسية والثقافية ومرجعه الاجتماعي/الطبقي وأقصد على وجه التحديد الشرائح الحاكمة في السلطة والنظام العربي التي "صاغت مثقفاً لا تراه لانها لا تريد ان ترى دوره الثقافي-السياسي المستقل عنها" كما يقول فيصل دراج بحق .
- أما الحديث عن مفهوم محدد او وحيد للثقافة فهو أمر يفتقر للسهولة ، خاصة في عصر العولمة هذا الذي تتهاوى فيه كثير من النظم والافكار والقواعد المعرفية .
- لكن يمكن القول ان الثقافة هي مجمل ألوان النشاط العملي والعلمي للانسان والمجتمع ارتباطا بأشكال الوعي الاجتماعي المتغيره ، والتي تعرضت –وستتعرض- لتحولات نوعية يتوجب مواكبتها وامتلاك الابعاد المعرفية المترتبة عليها .
- كما يمكن أن نُعَرّف الثقافة بأنها ثمرة النشاط المادي والروحي للمجتمع وطبيعة موقفه في علاقته الثلاثية مع ذاته ، ومع الطبيعة ، وما وراء الطبيعة ، بما يعني أن الثقافة هي مجموعة الانماط السلوكية والفكرية والشعورية التي تؤطر اعمال الانسان في علاقته الثلاثية مع الطبيعة والمجتمع وما وراء الطبيعة حيث تتحدد طبيعة الثقافة ومسارها عبر الموقف من هذه الثلاثية ، وهو موقف يؤدي الى تباين واختلاف الرؤية الثقافية داخل المجتمع الواحد كما هو الحال في بلادنا .
- ففي ظروفنا الثقافية العربية الراهنة التي ما زالت محكومه بمحددات التخلف التاريخي المعرفي والحضاري ، وبمحددات الهيمنة العدوانية الامبريالية/الصهيونية ، نكتشف بؤس الخطاب الثقافي العربي الذي جاء في مساحة هامة منه على شاكلة هذا الواقع المحكوم بالتبعية والتخلف والخضوع والغيب والامتثال والطاعة في غياب التطور الحضاري العقلاني ومفاهيمه التنويرية ، الذي يعزز بدوره تغييب الآليات والمفاهيم التطبيقية للنظام السياسي الحديث من القانون الى الديمقراطية الى المواطنة والرقابة والمحاسبة .
- فيما يتعلق بتعريف مصطلح الهوية كما أورده د.عبد الرحمن حسب النص المقتبس عن الجرجاني ، فإن هذا النص يعبر عن حقيقه صوفيه تُبرز ان الهوية هي ما يتبدى في الموجودات على الارض كتعبير عن الحقيقة المطلقة الموجودة في عالم الغيب ، وبالتالي ليس لهذه الحقيقة ادنى علاقة بمفهوم الهوية الذي نعرفه او نتعاطى معه ، كمفهوم متشعب ومتعدد وهو استنتاج لا اعتقد ان كاتب الورقة يختلف معنا فيه . وفي هذا الجانب فإن ابن رشد يختلف في تعريفه عن الجرجاني ، فهو يرى ان الهوية "تقال بالترادف على المعنى الذي يطلق عليه اسم الموجود (بالمعنى الواقعي المادي المباشر)"، اما الفارابي فقال ان الهوية "من الموجودات وليس من جملة المقولات" . وبعد ابن رشد ومنذ القرن الرابع عشر عشنا حالة من المراوحة الفكرية على تراث الغزالي وابن تيمية وابن القيم الجوزية او ما أسميه بالقطيعة المعرفية حتى نهاية القرن التاسع عشر ، ولعل اول من استخدم مصطلح الهوية هو سلامه موسى عن ابراهيم اليازجي في نهاية القرن التاسع عشر حيث لا نجد هذا المفهوم قبل ذلك التاريخ ضمن مصطلحات تلك الفترة الحرية-الامة-الوطن-الثورة-الوطنية والقومية..
- أما اذا توقفنا عند تعريف الهوية في زماننا ، فنجده متعددا بالعشرات كما هو تعريف الثقافة ، وهي تعدديه تحتوي على مساحات من التباعد المعرفي أو الخلاف والتوافق في آن ، ففي ندوة عقدت بالقاهرة 1984 حول الهوية جاءت تعريفات المتداخلين شديدة التنوع فاعتبرها البعض انها الادراك الحضاري المتميز للمجتمع ، ورأى البعض انها تجسيد للسمات النفسية والاجتماعية ، فيما ركز البعض الآخر على السمات القومية او السمات الحضارية الخاصة كالفرعونية مثلاً .. واعتقد ان هذا الارباك في تعريف الهوية في بلادنا يعود الى تشوه واحتجاز تطور مجتمعاتنا وتبعيتها وتخلفها وتراجعها الشديد الذي حال حتى اللحظة دون تبلور مفهوم الدولة-الأمة أو الدولة القومية ، الى جانب حالة التردي المعرفي او القطيعة المعرفية التي سادت منذ القرن الرابع عشر الى اليوم وهو ارباك لم يعرفه التراث الغربي الا لفترات قصيرة سرعان ما تواصلت مع ما بعدها ، وأقصد بذلك أرسطو ، ثم بعد ذلك "لالاند" وتوما الاكويني ، وليبنتز و"لوك" وكانط وهيوم وشيلبنج وهيجل وصولا الى فلاسفة التنوير وعصر النهضة ، حيث تم التوافق على ان الهوية ليست وجودا بمعزل عن حركة الواقع والتاريخ ، وليست وجودا مطلقا بل هي وجود في الزمن يستوعب التغير الحادث عبر هذا الزمن ، .. انها عملية معايشة تتم في الواقع بين العقل والطبيعة والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية بما يؤدي الى تنزيل مطلقاتها في واقع الحياة الانسانية كما يقول د.بسيسو .
- ما أود التأكيد عليه ، أن التراث لدى الغرب له جذور مهدت لهويته المتماهية في الحداثة ، أما في بلادنا ، فالتراث هو الجذور والجذوع والهوية في نفس الوقت ، متجاهلين ما قبله وما بعده من متغيرات ومخاطر هائلة ، وبالتالي ليس غريباً أن نقاد اليوم الى الحداثة او الاصلاح او الديمقراطية بالسلاسل كالعبيد .. وسؤالي العابر هنا أي معنى للديمقراطية هذه وشعبنا محروم من الحرية ، التي تمثل الشرط الأول أو المناخ الذي يمكن أن تنفتح فيه الديمقراطية .. لا جواب عندي سوى القول أن استمرار تخلفنا وتبعيتنا وخضوعنا هو عملية سلب مستمرة لهويتنا ، وان تقدمنا نحو التطور ونحو الحضارة –عبر المواجهه- هو حالة الاثبات والتأكيد لهويتنا الوطنية والقومية معا ، شرط ان نخلصها من الفكر الانطوائي المنغلق ومن عبادة الاسلاف الذين حولناهم الى اساطير دون ادراك الاختلاف في الزمان والمكان بيننا وبينهم .
- في تناول د.عبد الرحمن "لتَخَلُّق الهوية الفلسطينية المعاصرة في مرجل كابوس الاقتلاع" ، فإن الذاكرة الجمعية الشعبية الفلسطينية تصبح هنا أحد أهم مكونات الهوية ، إنها ذاكرة الوطن وذاكرة المنفى أو الشتات .
- أما الفقرة الاخيرة في ورقة د.بسيسو ، حول نشوء السلطة الفلسطينية ووزارة الثقافة ، فإن ما جرى في سياق سيرورة هذه السلطة وممارسات وفساد أجهزتها ووزاراتها يدعو الى نقدها ومحاسبة شخوصها الذين راكموا بممارساتهم أعباء ثقيلة اصابت بالضرر البالغ معظم مكونات ثقافتنا الوطنية وهويتنا ، لحساب المصالح الضيقة الأنانية لفئة قليلة متنفذة ، ما يجعل من ضرورات التغيير الديمقراطي لهذه الفئة ومحاسبتها هو المقدمة الأولى صوب نسج علاقة حضارية متجددة مع مكونات هويتنا، وفق معظم الاسس التي أوردها د.عبد الرحمن في توصياته لعلنا ننجح في أن نقيم بالفعل الهوية الفلسطينية المؤسسة على ثقافة عربية وانسانية عقلانية، والطالعه من معاناة القهر والتهميش والطمس والتي اعادت انتاج نفسها عبر مسيرة نضال وطني تحرري شاق ، وحصّنت نفسها من السقوط عبر المقاومة ، لكن المفارقة ان الحديث عن ثقافة المقاومة في ظل المتغيرات والتراجعات الراهنة بما في ذلك "خطة شارون" والدولة المسخ في المشهد الغزاوي ، سيكون بلا معنى او تأثير جدي ما لم نتمكن من تحويل الصراع مع العدو الاسرائيلي الى أيديولوجيا سياسية مجتمعية جامعة لكل مقومات الهوية العربية والثقافة العربية في إطار التحرر الوطني والقومي الديمقراطي المنشود ، إذ لا وجود ولا معنى لهوية أو ثقافة فلسطينية دون التحامها بإطارها الثقافي العربـي الراهـن والمستقبلـي في آن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق