الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر التنوير والعصر المتنور

رفعت عوض الله جاد الرب
(Refaat Awadallah Gadelrab)

2017 / 12 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



ثمة مقال مشهور كتبه الفيلسوف الالماني عمانوئيل كانط في القرن 18 م تحت عنوان " ما التنوير ؟" فيه يجيب ان التنوير يعني ان تكون جريئا في إعمال عقلك ، وان تكون جسورا لدرجة ان تطرح عن عقلك كل سلطان غير سلطان العقل ذاته.
وهذا بعني انه لا محرمات امام العقل ، ولا سلطة دينية او اجتماعية ، وهكذا يحصل العقل علي التنوير.
العقل التنويري ينظر لقضية المطلق نظرة جديدة مغايرة لما هو شائع وسائد بين المفكرين والفلاسفة ورجال الدين . العقل يبحث عن المطلق ولكنه خلافا لما كان معروفا لايستطيع امتلاك المطلق . يظل المطلق مستعصيا علي العقل ، ولكن العقلية غير التنويرية "العقلية الاصولية " تتوهم إمتلاك المطلق وتزعم انها يقينا تملك علم او معرفة به ، ومن ثم تحكم علي الاخرين المختلفين من منظور يقينها الزائف بأمتلاكها للمطلق انهم مهرطقون اوكفار.
ويترتب علي هذا الحكم معقابتهم وهو ما فعلته الكنيسة الكاثولوكية مع من اعتبرتهم مهرطقين في العصور الوسطي فحكمت بسجنهم وحرقهم احياء في حالة عدم رجوعهم عن ما نادوا به.
وكذا تعاملت المؤسسة الاسلامية في ظل دولة الخلافة مع من خرج عن المنظومة الفقهية لها ، فنظرت لهم علي انهم كفار ،وجب ردعهم فكان نفي ابن رشد ،وقتل الحلاج المتصوف والسهروردي وغيرهم.
وفي زماننا هذا قال اصحاب الاصولية الاسلامية بتكفير كل من ليس معهم ،المجتمع كافر ،واصحاب الاديان الاخري كفار ،والغرب كافر ،وحضارته كفر يتناقض مع صحيح الاسلام.
فماذا يفعل اصحاب تلك الاصولية المكفرة لكل مختلف ،والمتوهمة انها وحدها تملك الحقيقة المطلقة ؟ تشن حربا شعواء وتحيل العالم إلي جحيم من القتل والتشريد والتفجير باسم الله وجهادا في سبيله . وهذا ما تفعله كل فصائل التنظيمات الارهابية مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية.
وقد دفع الناس والدول اثمانا باهظة من الدم والقتل وهروب الامن والامان ومازلنا ندفع.
لكي نستطيع مواجهة وهم إمتلاك الحقيقة المطلقة المؤدي للتكفير ومن ثم الارهاب والقتل والتدمير يجب الانتقال من التنوير للعصر المتنور.
كيف ؟ التنوير الذي تحدث عنه كانط في القرن 18 م كان خاصا بالنخبة ولن ينفذ للانسان العادي ،فكان هناك تنوير في عقول النخبة المثقفة والتي تحررت عقولها من وهم إمتلاك المطلق وامنت بالنسبية وعدم وجود اليقين في حياتنا ..اما علي مستوي عموم الناس فكانت عقولهم ولازالت اسيرة وهم إمتلاك المطلق وبالتالي لا وجود لمفهوم النسبية وعدم اليقين ،ومن ثم يسود فيهم عدم تحرر العقل ،ومفاهيم الحرام والحلال ،وتكفير كل مختلف مغاير.
فلكي ينتقل التنوير ويصل لعقول الناس يلزم ادخال مفهوم التنور والذي يعني ان الجراة والجسارة في استخدام العقل تصبح عامة بين الناس وليست قاصرة علي النخبة.
وحين يصبح الناس متنورين تتحرر عقولهم من سطوة الاصولية وتتحر رعقولهم من وهم إمتلاك الحق المطلق وتشيع بينهم مفاهيم النسبية والاحتمالية والعلمانية وحقوق الجميع والحرية والديمقراطية . ومن ثم ينتفي التكفير فيسقط الارهاب وقتل المخالفين ،ومن ثم تبرأ الانسانية من داء الارهاب القاتل البشع ،ويحل السلام بين الناس والعيش المشترك.
هذا المقال من وحي مقال الفيلسوف الكبير مراد وهبه المنشور بالاهرام عدد اليوم الثلاثاء 19 /12 /2017 ضمن سلسلة رؤيتي للقرن الحادي والعشرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف


.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب




.. مأزق العقل العربي الراهن


.. #shorts - 80- Al-baqarah




.. #shorts -72- Al-baqarah