الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام العالمي الجديد....ماهيته ( 6 والأخير)

راندا شوقى الحمامصى

2017 / 12 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


(18) حل المشكلة الاقتصادية العالمية
لترتيب ضمان نوع من العدالة الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية بين بني البشر يجب الابتداء بتنظيم أمور طبقة الفلاحين قبل غيرها لأنها أولى طبقات المجتمع. فلا تعتبر المشاكل الاقتصادية الوطنية والعالمية محلولة تماما إلا إذا عولجت مشكلة الزارع والفلاح أولا.
والفلاح في الحقيقة هو أول عامل في الهيئة الاجتماعية، ويزيد عدد الفلاحين على عدد أي طبقة من طبقات المجتمع في غالبية دول العالم وخصوصا في العالم الثالث، ولهذا فمن اللياقة والإنصاف والعدل، البدء بحل مشكلة هذه الطبقة الكثيرة العدد المجهولة القيمة والقدر، لأن سر حل المشاكل الاقتصادية في العالم يكمن في حل مشكلة الفلاحين وترتيب أوضاعهم وحياتهم.
وعلى هذا الأساس يقترح تأسيس لجنة محلية في كل قرية من القرى، ينتخب أعضاؤها من بين أفرادها المعروفين برجاحة العقل وحسن التدبير، فتوضع شؤون القرية تحت إدارتهم، ويؤسس لها مخزن عمومي، ويعين لها محاسبين وإداريين. فاذا جاء وقت الحصاد جبيت الضرائب والواردات لذلك المخزن بمعرفة اللجنة وإدارتها، بنسبة معينة محددة معقولة عادلة يتفق عليها علماء الاقتصاد، تؤخذ من جميع محاصيل أصحاب الأراضي التابعين للقرية كل حسب قدرته وحاجته، هذا بالإضافة الى وجود واردات أخرى عديدة للقرية، مثل: ضريبة الحيوانات والمال الذي لا وارث له والثروات الأرضية والتبرعات. ولقد أيّد بعض علماء الاجتماع والاقتصاد هذا الرأي، بقولهم:
[تحاول الحكومات الحديثة ان تكثر بين رعاياها نسبة المرفهين الذين يقفون وسطاً بين الفقر المدقع والغنى الفاحش. والأمة الراقية يقاس رقيّها اليوم بنسبة ما فيها من هؤلاء المرفهين المتوسطين. ان الحكومات الحديثة تفرض الضرائب المتصاعدة على الأغنياء. وقد يندهش القارئ حين يرى النسبة الهائلة التي تفرضها بعض الأمم الحديثة على مكاسب الأغنياء وعلى مواريثهم وأرباحهم المفرطة، تأخذ الحكومات هذه الضرائب لتنفقها على الطبقة الفقيرة، ترفع من مستواها وتشبع حاجاتها وتسد عنها منافذ الكفر والزندقة. ان أهم وظيفة من وظائف الحكومة الحديثة هي رفع مستوى الطبقة الفقيرة. فهي تأخذ فضول أموال الأغنياء لتنفقها على الفقراء](2).
وفي مقابل هذه الواردات والضرائب، هناك مصاريف تتكفل بها إدارة القرية لرفع شأنها الاجتماعي والاقتصادي، لذلك يجب تخصيص مبالغ من واردات المخزن لانفاقها على تربية الأيتام وإعانة العجزة والمقعدين وادارة المعارف وتحسين الصحة ومدارس القرية والخدمات العامة، واكمال المعيشة الضرورية لفقراء القرية، وأداء العشر ورسوم الحيوانات للحكومة. ويرسل ما يتبقى في صندوق المخزن التابع للقرية الى الخزينة العامة في المحافظة. أما إذا عجزت القرية عن تلبية احتياجاتها الضرورية، فعلى صندوق المدينة أو المحافظة المسؤولة عن شؤونها تسديد النقص المطلوب.
هذه الطريقة تشمل تنظيم حياة الفلاح في جميع قرى الدولة، فالقرى تقدم لمركز المحافظة التابعة لها ما يتوجب عليها من حقوق وأموال فائضة عن حاجتها، واذا عجزت عن الوفاء باحتياجاتها الضرورية لظروف قاهرة خارجة عن قدراتها مثل الفيضانات أو الحرائق، فلابد للمدينة أو المحافظة مساعدتها في تسديد النقص. وبدورها، فالمحافظة أو (المدينة) تجمع ما يصلها من جميع القرى التابعة لها بالإضافة الى وافر إنتاجها الزراعي والصناعي والتجاري، فتقدم الى القرى التابعة لها ما تحتاجه للصرف على مشاريعها الداخلية المحلية حسب ميزانية مدروسة، ثم ترسل الفائض الى العاصمة. وبهذا يمكن وقف نزوح القرويين الى المدن، بعد حصول التناسب الطوبوغرافي في الدولة، وتجد هذه المشكلة العويصة (نزوح سكان الأرياف الى المدن) التي حيرت الحكومات خلال هذا القرن حلاً لها بعد ان أعيت الكثير منها.
أما الحكومة المركزية، فتكون مسؤوليتها النظر في حاجات الشعب والمحافظات عموماً، فتنشئ المطارات والموانئ وتشق الطرق وتعبدها وتبني المساكن والمدارس والمستشفيات ودور العجزة والأيتام وتنشئ المصانع والمعامل والشركات والمؤسسات وكل ما تحتاجه لمدد معينة حسب خطة وميزانية توافق عليها الحكومة العالمية. ومن خلال ما يرسل من فائض أموال الحكومات الوطنية في جميع أنحاء العالم الى الحكومة العالمية، تقوم الأخيرة بإنفاق ما يصلها على شعوب البلدان الفقيرة في مختلف أنحاء العالم، لتساعدهم حسب خطط عالمية مدروسة على تعمير بلدانهم وتطويرها للّحاق بركب الدول المتقدمة والنهوض بمستواها في جميع النواحي.
وهكذا يعم التقدم والخير والرخاء جميع سكان الأرض قاطبة، وتتبدل الأرض غير الأرض ويحيا الإنسان في سعادة وخير، وبذلك لن يبقى فقير لا يملك الخبز، ولا غني يحار بأمواله كيف ينفقها، ولا دول غنية جداً ولا دول فقيرة جداً. فتتقلص الفجوة بين الطبقتين وتزول مظاهر الفقر المدقع والغنى الفاحش ليس بين أبناء المجتمع الواحد بل بين جميع شعوب الأرض.
(19) حل مشكلة العمال عالمياً
أما بالنسبة لتنظيم حياة طبقة العمال التي شغلت كثير من العلماء لقرون عديدة، فان تنظيم أمور هذه الطبقة، لا يمكن إيجاده من خلال دفع أجورهم المحددة المتفق عليها فقط، فغالباً ما تكون هذه الأجور محدودة وغير كافية لأسباب عديدة، أو لا تعد تكفي متطلباتهم المعيشية نتيجة التضخم المستمر. لذلك كان من الضروري ان يصبح العمال شركاء في واردات العمل، ان كانت خاصة بالأفراد أم بالحكومة، أي لابد أن يتقاضى العامل علاوة على أجره المعتاد ربحاً اضافياً معينا يدفع له من مجموع أرباح المعمل او المصنع او المؤسسة او الشركة التي يعمل بها كما لو كان شريكاً فيها، بنسب يتفق عليها العمال وأصحاب رأس المال بإشراف الحكومة المحلية أو الوطنية أو الحكومة العالمية، حتى لا يدخر العمال جهدا في العمل للمصلحة الجماعية والصالح العام، وتزول أسباب المنازعات وتختفي ظاهرة الإضراب الضارة بمصالح الطرفين والمجتمع. فاذا اعتمدت هذه الطريقة بشكل صحيح، سيبذل العمال قصارى جهدهم في تطوير العمل واسراعه وتحسين الإنتاج وتوفير الوقت والحرص عليه والانتباه لما قد يؤخر الإنتاج ويسيء اليه. وسيكون حاصل كل هذا في النهاية مصلحة الأمة ككل ومصلحة ورخاء وسعادة البشرية جمعاء.
وهكذا فمن خلال ما يؤخذ ويجبى من الضرائب والأرباح النسبية من أصحاب العمل ورأس المال، ومن موارد العمال في المصانع والمؤسسات، ومن القرى والمدن والدول في كل أنحاء العالم، وإنفاقه بإشراف الحكومة العالمية في مساعدة بقية شعوب العالم الفقيرة، يعم الخير والسلام كل الأرض.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يجب النظر بعين الاحترام والتقدير لموظفي الحكومات ومستخدميها وتعديل معيشتهم ورواتبهم بما يتناسب مع ارتفاع أو انخفاض مستوى المعيشة، والتفكير بأحوالهم الاقتصادية وتخصيص الرواتب والعلاوات التي تضمن لهم ولأولادهم حياة كريمة وشريفة تحت إشراف رجال متخصصين في الاقتصاد والمال للابتعاد عن صرف أوقاتهم الثمينة في العمل الاضافي بعد أوقات الدوام الرسمي او إضاعتها فيما لا يتناسب مع مصالح عوائلهم.
ان جميع هذه الاقتراحات - وكما قلنا - خاضعة للأخذ والعطاء والتحسين والتطوير والزيادة والنقصان، وإلا فلا يمكن أخذها بعين الاعتبار، الا بعد تمحيصها والتفكير والتدقيق بها وتفصيلها وتبويبها من قبل علماء الاجتماع والاقتصاد والمال والقانون الوطني والدولي وغيرهم من ذوي الحكمة والاختصاص.
هذا بالاضافة الى وجود العديد من الاقتراحات الوطنية والأفكار العالمية الأخرى يمكن طرحها في مرحلة لاحقة. فليس كلما يعرف يقال، وليس كلما يقال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله.
وأخيراً يجب ان لا ننسى ان كل هذه الاقتراحات لا تتم ولا تجنى منها أثمار ناضجة وفوائد كاملة ولا يمكن تطبيقها على ارض الواقع بشكل صحيح، إلا باتصاف البشر بالصفات الروحانية والكمالات الإنسانية السامية الرفيعة. وكل هذا يعتمد تماماً على تربية وتعليم البشر تربية صحيحة سليمة. (قبسات من سيفي سيفي)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا


.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد




.. يديعوت أحرونوت: أميركا قد تتراجع عن فرض عقوبات ضد -نتساح يهو


.. الأرجنتين تلاحق وزيرا إيرانيا بتهمة تفجير مركز يهودي




.. وفاة زعيم الإخوان في اليمن.. إرث من الجدل والدجل