الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما عرفت حلب عن قرب

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 12 / 24
الادب والفن


تحاورني النّساء كأنّ لديّ الحل السّحري، وكأنني لست امرأة مثلهنّ. قدري أن ألتقي بالمعذبات منهنّ، "حتى تكوني امرأة عادية يجب أن تملكي ثمن طعامك على الأقل، فالزوج يعدّ اللقمة عليك، وليس جمعيّة خيرية ، صحيح أنها دفع مهر، لكنه استرده بطريقة ذكية" الكلام لامرأة حلبيّة، من الطبقة الشعبية، وحقيقة أنني لم ألتق في حلب إلا بهؤلاء.
التقيت بإحداهنّ في حديقة السبيل. امرأة خمسينيّة ، ومعها امرأة أخرى تبدو أصغر منها. كان لقاء عابراً، كنت قد أخذت ابني- الذي كان لايزال طفلاً-إلى الحديقة كي يلعب، كان ذلك في أواخر تسعينيات القرن الماضي. كنت جديدة على المدينة، وأزور ابنتي التي تدرس في جامعة حلب، وتعيش في حي"" تلفون هوائي حيث بيتنا هناك، ثم أصبحت أقضي الصيف بعد أن تعارفت على جيراني، وأصبح ابني يلعب من الأولاد، وفي فريق كرة قدم للحيّ، وأصبحت أجلس مع النساء صباحية نسوان ،كان أغلبهنّ يعملن في المنزل بالقطعة لمعامل صنع الألبسة حيث تستطيع المرأة أن تكفي العائلة في الحد الأدنى للمعيشة يوماً بيوم، ولم أر الرّجال في النّهار.
أعود إلى البدايات، وإلى حديقة السبيل حيث تتهامس امرأتان حولي. عرفتا أنّني غريبة عن المكان فدعتاني إحداهما للجلوس معهما

تعارفنا بسرعة، ثم أصبحنا نلتقي أحياناً في أماكن أخرى، وعرفتهما عن قرب.
كانت أم سميرة المرأة الخمسينيّة من حلب، والأخرى "ألماسه" من ريف عفرين،دار بينهما حديثاً شيقاً حول الزّواج، كنت في مستمعة. قالت ألماسة زوّجني والدي في الثالثة عشر وأخذ مهري له، وكان زوجي في الخمسين. أنا الزوجة الثانية. كنت أخاف منه كلما اقترب مني، كان يرغمني على رؤيته وهو يمارس الجنس مع زوجته الأولى وكنا نعيش في بيت واحد، الحمد لله لقد مات. لقد سامحته، وهو غنيّ كنت سوف أرث الكثير منه لكنّ أولاه الذكور تصالحوا معي على البيت الذي أعيش فيه حالياً. أحياناً أندم لأنّني لم أكن أطيعه. لقد قال لي الشّيخ أنّ على المرأة أن تقول لزوجها سبع مرات قبل أن تنام هل ترغب بشيء؟ لا أدري عن كان الله سوف يحاسبني.
أجابتها أم سميرة. مسامحة يا حبيبتي. كان عجوز مكحكح أخذ عمرك.
أجابتها: الكلام على الميت حرام.
انفعلت أم سميرة وقالت لها. أنت هو الحرام. كان قد انهى بذرته عندما تزوجك فلم تنجبي أطفال. بالنسبة لي
أتمنى لو أن أبا سميرة يتزوج، ويذهب عنّا. حوّل حياتنا إلى جحيم.
ثم التفتت أم سميرة إليّ وسألتني أين زوجك؟ ارتبكت في البدء، وسرعان ما قلت لها لقد مات- كان حياً لكنّني اعتقدت أن الأمر عابر وتجنبت الخوض في الحديث-
قالت لي: تبدين مرتاحة بموته، ثم أكملت: زوّج أبو سميرة ابنتنا سميرة لرفيقه، وقبض مهرها وصرفه على السُّكر، والحشيش. ثم خطر له أن يدّعي المرض النفسي، يعالجونه اليوم بالصّدمات، ولا يصبح عاقلاً إلا وقت الطّعام. يأتي في المساء، ويقول لي: أين الطعام يا ابنة العاهرة، وإذا قدمت الطعام دون لحم يشتمني. نحن نقضي يومنا على الفول والفلافل. أصبحت اصنع من الفول كرات تشبه اللحم أضعها بالطعام. يقول: تلك اللحمة لذيذة اليوم. يبدو أنّك تعرّفت على قصّاب. عيشي حياتك ما دمت تجلبين اللحم.
كلّ هذا كان في جلستنا الأولى، ثم أصبحنا نتواعد كل يوم خميس في مكان لمدة صيف كامل، وكلّما التقينا تعيد ألماسه قصتها، وكذلك ام سميرة قبل أن تعرجا على أحاديث أخرى.
كان حي "تلفون هوائي "حيّاً مختلطاً ، أي يعيش فيه مسلمون ومسيحيون، لكن الأغلبية مسيحيّة، ومن بين العائلات المسيحية عائلة أم رومل حيث كانت ملتزمة بأوقات الكنيسة والمناسبات الدينيّة، ثم تحدّثت لي عن قصّة حبها مع زوجها ، وكان سائق تاكسي على خط بيروت، ومتزوج من غيرها، لكنّهما وقعا في الحبّ، وحتى يستطيع الزواج من حبيبته تحوّل إلى الإسلام ، وطلّق زوجته الأولى، أما طبيب الحيّ من آل الخوري من الوادي، فقد تزوج امرأته المسلمة في فرنسا، وأصبح مسلماً من أجل الزواج، لكنّ الخطأ في عودته إلى سورية، حيث يقوم أخوة زوجته في كل يوم جمعة باصطحابه إلى صلاة الجمعة. أما أم ميشيل، فقد توفيّ والدها حديثاً، ولم ترث منه مع أنه تاجر معروف بسبب اختلاف الدّين، فقد تبين بعد وفاته أنه مسلم وتزوج من امرأة مسلمة في الخامسة والعشرين من عمرها وهو في السبعين. أي أنه أسلم من أجل امرأة شابّة. هذه الأخبار عرفتها في جلسة واحدة مع أم رومل. أما مدرّبة الفتوة أم ثائر، وهي من الوادي، فقد كانت تشرب نصف ليتر عرق في غياب زوجها الضابط.
هذه القصص لا تبدو مسرّة اليوم، لكنها كانت تثير دهشتي، وكان منزلنا المؤلف من ثلاثة غرف، واحدة منها لا نستعملها. أسميتها غرفة الشّحوار الذي كان مميزاً في الحيّ إضافة على الصراصير الحلبية الصغيرة التي كنا نشتري لها السمّ الزراعي، وهذا ما جعلنا نبيع البيت ونشتري واحداً أصغر منه في منطقة اسمها "عوجة الجب"، وفي عوجة الجبّ هذه تعيش الحياة بحريّة، يمكنك الخروج في أي وقت في الليل. كل شيء مفتوح. مقاهي الأنترنت، المطاعم. وهي قريبة كل شيء.
ذهبت مع أم سميرة إلى التّلل، وكان على العربيات أكوام من الألبسة، وأم سميرة تبحث عن تفريعة تشبه المنخل في ثقوبها، قلت لها: لماذا تستعملينها: قالت لي" منشان حرقصو" لم أفهم ماذا تعني، فتربيتي الأولى في مدينتي لم تتح لي التّعرف إلى جنسي لأفكر كما تفكر المرأة. فيما بعد عرفت ماذا كانت تقصد، وأصبحت أبتسم بيني وبين نفسي: إذن ام سميرة تحبّه!
أتت أم سميرة وألماسة إلى منزلي الجديد وجلبا لي زيت زيتون هديّة، وكان زوجي جالساً في الصّالة. التفتت أم سميرة إليه وقالت له: الأستاذة ممتازة. كريمة، وعندها فلوس. تزوجها. تراكَ تصبح أنت الرّابح. ثم إنّ قامتها جميلة، وأنت قصير. علّها تنجب لك ولداً يصبح أطول منك. التفت إليّ وقال: ما القصّة؟
قلت له سوف أشرح لك فيما بعد.
قال لأم سميرة: أتزوجها لا بأس، وماذا تفعل بزوجها؟ هل أطلب أن تطلقه؟
تبرّعت ألماسة وقالت: المسكينة أرملة.
تمّ حلّ الموضوع بشكل ودي بيني وبين زوجي. وقالت أم سميرة لي أنّني كاذبة، ولن تصدقني بشيء بعد الآن، أجابت ألماسة. لقد تصرفت عادي. المثل عنّا يقول: "ليتني غريب، وأحكي على كيفي "









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا