الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدنية أم دينية؟

رياض حسن محرم

2017 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


لنحو 14 قرنا حكمت مصر بأسس دينية، منذ الفتح العربى أثناء خلافة عمر بن الخطاب بجيش صغير قاده عمرو بن العاص، حيث ساعده أقباط مصر للتخلص من حكم الإمبراطورية الرومانية، لذا لم يكن أمام الحكم الإسلامى لمصر الاّ معاملة المسيحييىن معاملة حسنة وإستعادة بطريركيهم الهارب الى الصحراء "أثناثيوس" الى مقعده الرسولى وتركهم على دينهم بدون تدخل فى عقائدهم "تقريبا"، وإستمر ذلك طوال فترة حكم الأمويين والعباسيين حتى حكم الفاطميين وتحديدا أثناء حكم "الحاكم بأمر الله" الذى أجبر المسيحيين على التحول الى الديانة الإسلامية، وأرغمهم على إستبدال لغتهم القبطية باللغة العربية، ومنذ ذلك الحين وفى ظل دولة المماليك بمختلف تسمليتهم من مماليك بحرية وبرجية وغيرها وحتى تولى "محمد على" حكم مصر الحديثة كان نظام الحكم والتقاضى والمعاملات تجرى تحتحكم الشريعة، وبدأ محمد على إقامة دولة مدنية حديثة بمواصفات قرطوسية، أى مع بقاء السخرة وإحتكار الأرض الزراعية وغيرها من علاقات الإنتاج، وظل الحال هكذا طوال القرن العشرين، نظم حكم غير دينية "بالتعريف الشامل المانع للدول الدينية"، يقابلها شعب تغلب على فكره وسلوكه سيطرة الفكر الدينى والغيبيات.
ظلت المسألة مراوحة على هذا الحال حتى قيام ثورة 25 يناير التى شاركت فيها تيارات الإسلام السياسى وخاصة "جماعة الإخوان المسلمين" بقوة وفاعلية مكنتها من تعزيز إنتشارها فى الشارع، وتحقيق عدة مكاسب متتالية بدئا من الإستفتاء على المواد التسع المعدّلة للجنة المستشار طارق البشرى، التى أطلق عليها الإسلاميين "غزوة الصناديق"، تلا ذلك الفوز الكبير للتيار الإسلامى فى الإنتخابات التشريعية بنسبة 77%، وكانت القاضية فوز مرشح الإخوان المسلمين بمنصب الرئاسة، ونعلم ما حدث بعد ذلك من فشلهم فى الحكم ما سبب إحباطا وعداءا تجاههم قاد الى إحباط تجربتهم فى الحكم خلال عام واحد، بعدها تصاعد الصراع بين الدولة من جهة وتنظيمات السلفية الجهادية من الجهة الأخرى الذى ما زال مستمرا الى الآن.
ناتى الى السؤال المصيرى هل نريد أن تكون الدولة التى تحكمنا دينية؟ الأمر بسيط علينا أن نبنى على الأرضية السائدة ذات الواقع الغيبى السلفى الوهابى القائم بين أوساط الشعب، متمثلا فى النزع الطائفى المتجدد تجاه المسيحين والنظرة الدونية للمرأة، والتقدير المتخلف للفن والأدب، مع تغليف ذلك كله بطقوس وممارسات مستمدة من البيئات الخليجية الصحراوية ومزيدا من قوانين إذدراء الأديان والحسبة ولجان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأكشاك الفتوى وغيرها، أم أننا نريدها دولة مدنية ذات مرجعية علمية تقدمية، فى تلك الحالة يجب علينا أن نعيد تخطيط البنية التحتية للمجتمع وسن قوانين مواطنة تساوى بين الجميع وتفعيل المواد الدستورية التى تقر حرية الفكر والإعتقاد والنشر بكافة أشكالها، إن القاسم المشترك بين جميع البشر هو الإختلاف حتى بين أبناء الديانة الواحدة، فلا مفر إذن من تحكيم العقل كميزان لقياس الصواب والخطأ بين الجميع، حيث لا قدسية لرأى بل كل رأى يحتمل الصواب على كليته او جزئيته او الخطأ، و يخضع اى رأى فى تلك الحالة لقوة العقل المجرد من اى تأثير فتسود الحجة و البراهين والادلة ويصبح النقاش موضوعيا بغية الوصول للافضل”نسبيا” و البحث عن الحقيقة النسبية حيث لا يمكن ادراك الحقيقة المطلقة التى هى بعيدة عن تناول البشر.
إن الدولة المتأرجحة بين الدينية والمدنية قد تكون حلاً مريحاً لبعض الوقت، لكنها لن تجدى نفعاً على المدى الطويل، وعلينا أن نكون قاطعين فى تحديد الدولة المدنية فلا وجود لمقولة دولة مدنية بمرجعية دينية التى تتبناها معظم تنظيمات الإسلام السياسى بتفسير مغلوط ومتعسف لما يسمى بدولة الرسول فى المدينة وأنها كانت مدنية، فلا وجود فى قواميس السياسة ونظم الحكم لما يسمى مدنية بمرجعية معينة، إمّا أن تكون دينية أو مدنية، والتعلل بوجود أحزاب فى الدول المتقدمة تسمى نفسها أحزاب مسيحية ديموقراطية هو محاولة للمغالطة فى الفهم، فتلك الأحزاب لا تبنى برامجها أو أديلوجيتها على مرجعية دينية بل هى أحزاب تتصارع سياسيا على برامج وتحالفات مدنية بحتة، لا تطالب ببناء عدد أكبر من دور العبادة دون مبرر، أو السماح برفع وتداخل الآذان فى مكبرات الصوت بالمآذن، بل هى تدعو لتطوير التعليم والرقى بالصحة وتحقيق أقصى درجات الحريات والرفاه الإجتماعى، ولعل سؤال المنطق دائما لماذا هم متقدمون ونحن متأخرون يجد إجابته دائما أنهم يحكّمون العقل وليس بينهم من يدّعى التدين الشكلى من صلاة وصوم ولحية ونقاب وترك مكان العمل فى موعد الصلاة، بينما لا يهم إذا كان متحرشا بالنساء ومرتشيا وناهبا لحقوق الغير.
البعض يميل الى ترك النظام بيد قوة قاهرة كالعسكر خشية وقوع الدولة بيد أصحاب الدولة الدينية، وهذا تفكير قاصر فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالعسكرتاريا ما هى الاّ الوجه المقابل للحكم الدينى، وقد ثبت تاريخيا أن التيارات الدينية تنتعش وتتمدد فى ظل الأنظمة الشمولية وتنتهز أول فرصة ممكنة للقفز الى السلطة، فالنظم الفاشية والنازية والأوليجاركية وتوابع النيوليبرالية تعطى زخما مستمرا لبناء ونمو الفكر الدينى فى أحشاء تلك النظم الإستبداية مهما كان إسمها، والتى تخوّف دائما أن البديل لها لن يكون الاّ النظام الدينى المتطرف أو الفوضى، و كما ذكر المفكر فرج فودة تظل الدولة ترقص بين حكم دينى و حكم عسكرى و لن يكسر تلك الدائرة المفزعة الا االدولة المدنية الديموقراطية.
كان سارتر دائما يؤكد أن "لدى الإنسان سوء نية، يعتمد فيها التعامل مع البشر على أنهم قطيع، على أنهم أشياء، على أنهم دمى"، مستغلا في ذلك عدم إدراكهم الحقيقى لمعنى الأشياء، أن الأزمة التي تواجهها التيارات الدينية الآن هي أن المعتقد الديني لديهم مطلق وغير قابل للتطور أو التغيير أو حتى المساس به بصفته مقدسا، في حين أن العالم يتغير بل ويهتز بشدة تحت تأثير المكتشفات والإختراعات فى كل جوانب الحياة من فك شفرة الجينوم الى الفيمتو ثانية وغيرها وغيرها الكثير، وعلينا أن نتذكر دائما تلك المقولة حول أن المتدينين يضعون الله أبدا بين ثغور المعرفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا