الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة البنيوية

يوحنا بيداويد

2017 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



البنيوية من المدارس الفلسفية الحديثة، ظهرت في بداية القرن العشرين على يد العالم اللغوي السويسري فريدناند دي سوسير سنة (1857-1913) (1) وتطورت على يد عالم الأنثروبولوجي كلود ليفي ستروس (2). استقطبت عدد كبير من الفلاسفة والعلماء في القرن العشرين بعد ان تبنتها معظم فروع العلوم الإنسانية والعلمية(3) مثل (علم الاجتماع. علم النفس وعلم اللغة وعلم سيسيولوجيا).
تأثرت هذه المدرسة الفلسفية بالأفكار المدرسة اللغوية (الشكلية) التي ظهرت في موسكو عام 1910-1915 ثم امتد أثرها الى حلقة براغ خلال فترة 1915 -1913، ركزت مدرسة اللغوي موسكو-براغ اهتمامها على الشكل والترتيب الداخلي للنص بعيدا عن الظروف والإطار الخارجي، الذي كان يوحي ان التعبير الادبي دائما يفسر على أساس انه انعكاس للواقع الخارجي المتأثر بأفكار الفلسفية والحياة الاجتماعية والبيئة. فعندما يكتب شاعر ما قصيدة بليغة لا يعني هو من اوجد المفردات المستخدمة وانما أعاد ترتيبها قوالبها ومفرداتها بشكل الذي يعطي هذا الاطباع، ربما بسبب الصيغة الجديدة او تلاحم النغمة الموسيقية مع الإيقاع او الوزن الشعري او الوصف الجمالي للقصيدة، لان هذه المفردات والاسماء والأدوات والصور موجودة في أي لغة حسب قوالب محكمة ككلية متكاملة بالنسبة للمجتمع المتحدث بها، وهي جزء من قواعد اللغة(4).

لهذا اتخذت هذه المدرسة من أدوات المستخدمة من النص وتركيبها محور نهجها، فهي لا تبالي بالعوامل الخارجية التي قد تؤثر على النص، ما يهما هي الأدوات المستخدمة في تركيب النص (الوثيقة نفسها) بغض النظر عن مشاعر الكاتب وسيرته ودوافعه وبيئته او أي إطار خارجي له علاقة بالنص، لهذا قيل ان البنيوية قتلت الشاعر والمؤلف والعالم والفنان.
بصورة عامة ان الفلسفة البنيوية هي المنهج الذي يحاول إيجاد البنية الاساسية لكل نشاط انساني او منتوجاته الفكرية وانطباعاته، لأن كلها ليست طبيعية وانما مبتكرة (منتوج العقل). خاصة في موضوع التعريف وإعطاء المعاني للمفردات اللغوية المستخدمة. انها محاولة لتفسير الأشياء بالتناظر والتشابه الموجود بينها (السيمائية)، في العلامات والرموز وبقية وسائل الاتصال التي تشرح كيفية إعطاء الأسماء والمعاني للأشياء.
تركت علاقة الإنسان بلغته وبالكون المحيط به النقطة المركزية لاهتمام النظرية البنيوية في كافة علوم المعرفة: الفيزياء، والرياضيات، والانثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والفلسفة والأدب. وركزت المعرفة البنيوية على كون (العالم) حقيقة واقعة يمكن للإنسان إدراكها بأكمله عن طريق تطبيق المنهج البنيوي في التفكيك والتركيب الرموز والعلاقات والتراكيب اللغوية في هذه المعارف، لهذا كان على الفلسفة البنيوية ان تكون ذات توجه معرفي شمولي (إبستيمولوجي).
قام عالم الاجتماع واللسانيات و الأنثروبولوجي كلود ليفي ستروس بنقل المنهج البنائي للغة الى دراسة طبيعة المجتمعات القديمة، معتمدة على المقولة التي تقول: " كل عادة او اسطورة مستندة على بنية غير واعية لمؤسسيها (انتاج العقل الباطن)، من واجب الباحث اكتشافها، لان فيها يتمظهر شكل نشاط العقلي البشري بصورة عامة، فحدد ستروس مرتكزات الأساسية لنهج النظرية البنيوية كاللغة والكلام واللسان، والدال والمدلول، والسانكرونية والدياكرونية، والمحور الأفقي والمحور التركيبي، والتقرير والإيحاء، والمستويات اللغوية من صوتية وصرفية وتركيبية ودلالية
كان الهدف البنيوية في البداية الى إيجاد منهج الذي يفسر النظام او النسق (البنية) الذي يربط جميع القوانين والظواهر الموجودة في الطبيعة، أي إيجاد منهج يساعد للوصول الى الحقيقة الأساسية للوجود. والمثال المستخدم شعبيا لهذا المفهوم هو نظام القرابة بالدم بين افراد العائلة لأنها تشكل بنية العائلة (صلب العائلة) بمرور الزمن.

يرجع الكثير من الدارسين سبب ظهور هذه المدرسة وهذا النهج من التفكير الى عدة عوامل منها: -
أولا -عجز المدراس الفلسفة الحديثة إيجاد قاسم مشترك بينها، فكل واحدة بدأت تبتعد عن مركز قضية الانسان المتعلقة بالوجود، فكانت تغرق في بحوثها مبتعدة عن جوهر القضية التي تهم الانسان التي هي الغاية من وجوده ( رسالته في الحياة)، بعد ارتكازها على ظاهرة محددة من الظواهر العديدة الموجودة في الكون والمكتشفة جديدا.
ثانيا- تحاول الفلسفة البنيوية القضاء على الانعزالية التي اوجدتها الفلسفة الوجودية على يد سورين كيركغارد، والفلسفة العدمية( النيهلستية) التي وضعها نيتشه، والفلسفة المثالية المجردة في ديالكتيكية هيجل، والفلسفة الظاهراتية المبهمة على يد ادمون هوسرل، الفلسفة الوضعية (حفيدة الفلسفة المادية) على يد اوغست كونت، وتعيد الأمان والامل للإنسان وبما يؤمن! (5).

ثالثا- كما قلنا تبحث المدرسة البنيوية عن إيجاد الجذور المشتركة للمعرفة الإنسانية، ومن ثم تأسيس نظام موحد يفسر جميع الظواهر في الطبيعة، فهي تحاول تفكيك النصوص(الظواهر) الى عناصرها الأساسية من اجل إعادة تركيبها على نسق واحد كي يفهمها الانسان. حيث كان اهم ما انجزه العالم الأنثروبولوجي كلود ليفي ستروس، هو إيجاد العلاقات بين العلامات والرموز التي ابتكرها الانسان منذ بداية ترميزه للاصوات (إيجاد اللغة) والتي استخدمها في إعطاء المعاني وترميز الظواهر والتعبير عن طريق العلامات.
قال أستاذ الفلسفة الأكاديمي البريطاني سايموند بلاك بيرن: " ان البنيوية تومن بان ظاهرة حياة الانسان غير قابل للفهم من غير العلاقات المتداخلة، هذه العلاقات التي تكون الظاهرة بينما هي خلف الاختلافات المرئية على السطح للظاهرة يوجد قوانين مجردة.
من الناحية التاريخية يعد القديس اللاهوتي اوغسطينوس الفيلسوف الأول في التاريخ الذي تطرق الى موضوع أهمية اللغة وتحليلها، اعتبرها عاجزة عن نقل الحقيقة، لأنها قاصرة عن إيجاد مرادفات للتعبير عن مشاعر التي يشعر بها الانسان. فالكلمة في الحقيقة، ماهي الا علامة على الأشياء الموجودة في الخارج. ويرى الفيلسوف اوغسطينوس ان اللغة هي ظاهرة مادية، صوت يخرج من الحبال الصوتية في الحنجرة وتطرق طبلة الاذن، ولكنها هي ظاهرة روحية أيضا، لان صوت مفردة الله في العربية مثلا يختلف عن صوت كلمة God في الإنكليزية ولكن المعنى واحد المقصود هو واحد.
في الختام نستطيع القول كانت محاولات معظم الفلاسفة في القرن العشرين للبحث عن المبدأ او الطريق المؤدي الى معرفة الحقيقة هو اللغة تفكيك رمزها وعلامات وبناء بديهيات منطقية جديدة مع البرهنة عن طريق الرياضيات التحليلية او تفسيرات والتحليلي النفسي الذي لازال ناقصا لحد اليوم.
.......................
1. كان سوسير أول من قال: "أن اللغة نظام من العلامات، أي أنها مجرد نسق من العلامات تتعلق الواحدة بالأخرى، والعلاقة بينهما علاقة تحكمية غير قابلة للشك او التأويل، أي ان دلالة العلامة لا تأتي من نفسها وانما تتحدد حسب علاقة النسق بين عناصر اللغة (البنية)، ولا يفهمها الا المتحدثين بها فقط"
2. ينظر لفي ستراوس إلى نظرية سوسير التي تعتبر اللغة نسقا مستقلا بذاته، كنسق يقوم على التشبث بالعلاقات الفاعلة تصل مكونات العلامة اللغوية، أي تصل بين نسق اللغة والكلام الفردي من جهة، وبين الصورة الصوتية(الدال) والمفهوم(المدلول) من جهة ثانية.
3. حاول علماء الفيزياء والكيمياء والرياضيات تطبيق النظرية البنية في حقولها، فوجدت هناك أربعة أنواع القوى في الكون هي الجاذبية (التي تعطي للجسم كتلته في الطبيعة)، والنووية (بين الذرات والالكترونات)، والكهرومغناطيسية (بين اقطاب الشحنة الموجبة والسالبة) والنووية الضعيفة (تعمل على إطلاق موجات إشعاعية من بعض العناصر المشعة) ولازال البحث دائرا عن صلتهم ببضعهم.
4. اللغة الحية هي مثل كائن حي، تتطور بتأثير من النشاطات الواعية وتقدم الفكر في المجتمع المتحدث بها.
5. يرى علماء الاجتماع النفس بان رغبة الانسان بالتدين او تعلقهم بالدين هو حاجة ضرورية لأنه توجد حل شمولي أكثر لمشاكله الفكرية الناتجة من التفكير العميق.
المصادر:
1- أطلس الفلسفة، بيتر كونزمان، فرانز-بيتر بوركاد، فرانز فيدمان، ترجمة د. جورج كتورة، الطبعة الأولى، المكتبة الشرقية، بيروت لبنان 2001.
2- نصوص من الفلسفة المسيحية في العصر الوسيط اوغسطين، انسليم، توما الاكويني، د. حسن حنفي، الطبعة الأولى، دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2005.
3- Basic Teaching of the Great Philosophers، S.E. Frost، Jr، Doubleday & Company، In united States of Americans. 1962.
4- Philosophy 100 Essential Thinkers، Philip Stokes، Arcturus publishing-limit-ed، London, 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان