الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيورباخ-ماركس-فرويد...والاغتراب/تداعيات اغتراب ذاتي خارج النسق(8)

ماجد الشمري

2017 / 12 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حدد ماركس مظاهر واشكال الاغتراب الاجتماعي-اغتراب العمل في العملية الانتاجية ومراحلها طوال يوم العمل،وايضا ابرز اغتراب العامل عن طبيعته الانسانية النوعية:حيويته النفسية،مزاجه،حاجاته،رغباته،واغترابه عن الافراد الآخرين.وهكذا-وحسب ماركس-يزدهر الاستلاب المتولد من تشيء العلاقات الاجتماعية في النظام الرأسمالي.وهذا ماسعى ماركس لتبيانه وتحليله من خلال نقد الاقتصاد السياسي.فالتشيؤ للعلاقات الاجتماعية بتحويله لفاعلية العمال الانتاجية وماينتجوه الى موضوعات غريبة عنهم،هو آس الاغتراب العام للبشر.حيث تصبح السلعة قيمة مستقلة ومنسلخة عن خالقيها،فتبدو العلاقات الاجتماعية على السطح وكأنها علاقات بين سلع،بين اشياء،لاعلاقات بين البشر.فالعامل غريب عن نتاج عمله،وغريب عن نفسه وطبيعته كأنسان،كما تعزله دائرة الاغتراب عن اقرانه من البشر.فليست الانسانية هي مايربط الناس بأواصر من التعاون،بل المصلحة الخاصة وحدها.فالهدف من الانتاج ليس تطمين وتلبية الحاجات الانسانية لافراد المجتمع،بل الغاية من الانتاج هي توليد الربح وتراكم المزيد من رأس المال الذي لايشبع ابدا.وهذا مايقود الى تجريد العامل من نتاج عمله،واستعباده بنظام العمل المأجور الذي يسد بالكاد رمقه و نفقات تجديد طاقته وانتاج نسله من جبش العمل الاحتياطي.وتكون النتيجة هي مجتمع غابة تستشري فيه قيم الانانية والتنازع وشيوع العدائية والبغضاء،فيتحول الانسان ذئبا مفترسا لاخيه الانسان،فتمسخ انسانية الانسان ويتغرب عن ذاته وعن بقية افراد مجتمعه..فعندما يصبح المال-النقود كسعر للقيم التبادلية،وهو الوسيط المناسب للمبادلات عندها وحتما ستختفي كل علاقة انسانية خالصة،ماعدا هذا الوسيط المغرب،هذا الاله المرئي المعبود الذي يشيء كل العلاقات الاجتماعية،ويعم الاغتراب كل علاقة في شكل قاهر يخضع فيه الانسان لسلطة الاشياء،والمال كتعبيرها المقابل الكامل والضروري.اما الدين-بالنسبة لماركس-فلا يشكل سوى انعكاسا روحيا للاغتراب الاجتماعي،والذي يولده نظام الملكية الخاصة.ومايضخم هذا الاغتراب ويضاعفه هو العبودية الروحية التي تثقل كاهل الانسان العامل المستغل وخضوعه للرأسمالي والله معا.بتسويغ القانون الوضعي والتشريع اللاهوتي لهذه العبودية المركبة للجسد والضمير،ويجري تقديمها وكأنها اثر وفرض للارادة الالهية،وتبريرا للبؤس.فكلما زاد البؤس والتعاسة فرحت السماء بالمتساقطين في حضنها بأغترابهم الديني!.فالدين في ماهيته هو نفي لكينونة الانسان بتغريبها في الله،والملكية الخاصة بدورها هي نفي للعمل ونزع لجوهر الانسان وتغريبه في السلعة.لقد كان ماركس يفكر معتقدا بأن الاغتراب هو سمة اساسية للعصر الحاضر،وان تحرر الانسان بشكل كامل كان يعني الغاء كل الاغترابات الغاءا شاملا،ولكنه بخلاف فيورباخ،وكمدافع عن مصالح البروليتاريا،كان يعتبر ان الاغتراب الاجتماعي-العمل المغترب الذي ينتجه النظام الرأسمالي هو الاغتراب الاشد وطأة على كاهل البروليتاريا.ففي هذا النظام يتحول ماينتجه العامل الى سلعة غريبة عنه رغم انه خالقها ويستحق امتلاكها مع طبقته المنتجة.وما يجري:ان منتوج العمل المغترب وعلى هذا النحو يضبط ويحكم في هذه المنظومة المشيئة للعلاقات الاجتماعية،والتي تغدو جوهريا عبارة عن تبادل سلع،وعلاقات بين اشياء،تحول العمل الى فاعلية مغربة ومغتربة،مسلوبة وسالبة،مخلوعة وخالعة.فيفقد العمل جراء ذلك،ومع فقدانه لطابعه الانساني،كينونته الانسانية،ووظيفته الاجتماعية التي هي اصلا اقامة علاقات انسانية متكافئة ومتضامنة ومتآخية بين الناس من خلال نشاطهم الانتاجي المشترك والجماعي.لم يترك ماركس مجالا للشك في تحليله للاغتراب الاجتماعي بأن ماينتجه العمل يصبح غريبا عن العامل في هذا النظام الظالم -الملكية الخاصة لوسائل الانتاج-الذي يفقره ويحط من قيمته ويغربه بالقدر الذي ينتج فيه.وبدلا من ان يصبح العمل هو العنصر الخالق والمعبر عن الكينونة،يغدو نفيها.ان هذا الاغتراب-العمل المغترب-يشمل جميع البشر في نظام الملكية الخاصة.فالانسان العامل الذي يخلق عالما من الموضوعات المغربة يصبح عاجزا عن انسنة الطبيعة وطبعنة الانسان.وهذا النمط من الحياة المغتربة يجعل الانسان العامل ليس غريبا عن نفسه فحسب،بل وغريبا ايضا عن اقرانه من البشر الاخرين.فالمزاحمة المتولدة من نظام الملكية الخاصة تحدد تعارضا عاما بين البشر،وتقسم المجتمع الى طبقات متناحرة في عالم غابوي ماقبل انساني.هذا الاغتراب الاجتماعي-الاقتصادي يجد تعبيره في تزييف الحاجات.اذ تكف عن كونها حاجات انسانية،لتتحول اكثر واكثر الى حاجات مال،بوصفه وسيطا كليا مطلوبا في التبادل السلعي.فالمال ينزع انسانية العلاقات الاجتماعية،وينزل بها الى مرتبة الاشياء والسلع،لتهبط قيمة الانسان الى سلعة في عالم اغترابي مظلم.وتترتب على الاغترابات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،اغترابات ايديولوجية-ومنها الاغتراب الديني-تخدم تسويغ وتبرير وتوطيد المجتمع البرجوازي وهيمنته الخانقة،والتي لايمكن ان تفهم الا في تجلي طابعها الطبقي السافر.يخلص ماركس في تحليله لاغتراب العمل الى ضرورة الغاء النظام الرأسمالي،واستبداله بنظام شيوعي،بوصفه النتيجة الطبيعية والضرورية،وكسيرورة لتطور النظام الرأسمالي نفسه.وبصراع الطبقات بين البرجوازية المالكة والبروليتاريا الاجيرة والتي تقود الى الثورة الشيوعية كأداة للتغيير،وشرطها الاساس القضاء على كل الاغترابات بحذف الملكية الخاصة لادوات الانتاج حذفا جذريا شاملا ونهائيا...
كان ماركس واثقا جدا من حقيقة ان التنظيم الانساني للانتاج والاستهلاك سيلغي كل اغتربات الانسان الاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية المتولدة من نظام الملكية الخاصة،ولن يتحقق ذلك الا في الشيوعية حيث ستتفتح طبيعة الانسان الكلية وتزدهر طاقاته.كان ماركس كمواطنه الالماني فيورباخ يفكر بأن الاغتراب هو العلامة المميزة لحالة الانسان في المجتمع البرجوازي،وان الغاء ذلك الاغتراب هو الشرط الضروري للتحرر الانساني.ولكنه بخلاف فيورباخ لم يكن يقر بالاغتراب الديني كسبب لاغتراب الانسان.بل كان ينظر اليه في شكله الاقتصادي-الاجتماعي،اي كعمل مغترب وكنتيجة تولدها الملكية الخاصة،وهو الشكل الرئيسي لاغتراب البشر،وخاصة البروليتاريا التي ترزح تحت ثقله الاكبر،لان منتوج العمل المغترب يتخذ شكل سلع تشيء العلاقات الاجتماعية،فتتمظهر-تلك العلاقات-كتبادل للسلع.فالعامل منفصل عن نتاج عمله وبدلامن ان يكون العمل تعبيرا عن شخصيته ونشاطه،يكون نفيا لها واغترابا عن نتاج عمله الذي يصبح ملكا لغيره،فيضعف ويتبلد وينحط بقدر ما ينتج من سلع.هذا الاغتراب هو عام في النظام الرأسمالي،والذي يمنع الشغيل من تحقيق انسانيته،وغريبا عن كينونته،ويضع العمال بعضهم ضد البعض الاخر في عالم من المزاحمة والتنافس..لقد استغل المفكرون البرجوازيون فكرة الاغتراب كمفهوم مركزي لماركس الشاب،وبالضد من مفهومه للبراكسيس كي يهمشوا العنصر الثوري للممارسة في الفكر الماركسي الثوري،ويختزلوه الى مجرد طوباوية اخلاقية وانسانية،يكون هدفها المبتسر هو تحقيق الانسان(الحق)بتجريد مثالي خال من التمايز الاجتماعي ببعده الراديكالي المغير من خلال الممارسة السياسية الثورية...
..............................................................................................................................................
يتبع.
وعلى الاخاء نلتقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف