الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر التي أصابها الجدب

حنان محمد السعيد
كاتبة ومترجمة وأخصائية مختبرات وراثية

(Hanan Hikal)

2017 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


منذ ملايين السنين والنيل يعبر في أرض مصر لم يمتنع يوما ولم يتوقف عن السير في مجراه، لم يحرؤ أحد في قديم أو حديث على الحيلولة بينه وبينها، وحتى جاء عصر الجدب.
وليس ذلك بخلا من السماء ولكن كان تقاعسا وجبنا وخيانة تسري كالسمّ في عروق البلاد فلم تترك بها آثرا من حياة.

حتى أن أبناء مصر لم يعودوا أبنائها، ولكن كائنات عاجزة لا تملك دفع الضر عن نفسها فما بالك بدفع الضر عن بلادها والذود عن الأرض والعرض!

كان خبر جنوح السفن السياحية في النيل بسبب إنخفاض منسوب المياه، بمثابة لطمة لكل غافل يظن أن الجوع بعيد وأن الجدب بعيد، ولكن أنّا للطمات أن تحي الموتى أو تنبه من في القبور!

وكأن هذا البلد قد عدم العقل والفهم بعد أن عدم الكرامة والنخوة والإباء والحرية وأصبح أسيرا لجيش من الجراد لا يعنيه إلا ملئ بطنه وحتى ولو لم يترك خلفه سوى الخراب.
لا أعرف كيف لمسؤول في هذا البلد المنكوب أن ينام أو يضحك وبلاده تموت؟ ولا أفهم كيف يمكن للكباري والأنفاق والطرق أن توفر الحياة وتروي الزرع وتضمن لهذا البلد البقاء؟

لا أفهم كيف في بلد تنهار فيه يوما بعد يوم مقومات الحياة أن ينفق رئيسه ملايين الجنيهات يوميا في رحلات خارجية وداخلية لا تدر قرش واحد على مواطنيه بل أن هذه الرحلات تكلف البلد المثفل بالديون والغلاء والضرائب الملايين!

وكيف نلوم أي إنسان مازال لديه بقية من رؤية وفهم وسط كل هذا التضليل والقمع والتغييب فيسعى للخروج من هذه الأرض التي تقتل محبيها، والهرب لأي مكان اخر يسمح له بالبقاء والتنفس!

كيف يسعى نظام ضاعف الديون ثلاثة مرات ودمر الصحة والتعليم وباع الأرض وتخلى عن النيل وقضى على السياحة والزراعة والصناعة للبقاء لأربعة سنوات قادمة بينما مصر لا يبدو أنها قادرة على البقاء وسط كل هذا العبث لعام أخر؟

هذا النظام ما كان ليبقى لو أن لدى أهل هذا البلد شئ من وعي أو بقية من ضمير أو نخوة، فكل ما نجح فيه هو السمسرة، وبناء السجون وإقرار الظلم والفساد والنهب وتبديد الأموال وإنتهاك حياة الناس ومطارتهم والتشهير بهم وتغييب الوعي، وتوطين الخراب وكسر هذا البلد الذي يوغل تاريخه في القدم حتى لا تقوم له قائمة ثانية أبدا!

أود لو أصرخ بين الناس أين عقولكم؟ أين ضمائركم؟ نيلكم جفّ ثرواتكم نهبت أراضيكم تباع وأثاركم هربّت للخارج ولم يبقى لكم سوى الجهل والمرض والديون.

ولكن كيف لصرخاتي أن تثير فيهم نخوة ماتت أو وعي قتل عمدا مع سبق الإصرار والترصد! كيف لها أن تقرع أذان صمّها الإعلام المضلل والكذب المستمر والتدليس حتى أصبحوا منساقين إلى حتفهم وهم ضاحكون؟

هذا النظام قد نجح في إقناع ملايين الناس ان 18 يوم من الإحتجاجات السلمية هي سبب كل ما هم فيه من بلاء، ليس السرقة ولا النهب ولا الإسراف وليس سيطرة الجيش على الإقتصاد والموارد والخامات، وكأنه لا يوجد بلدان تحدث فيها الإحتجاجات السلمية بصفة يومية دون أن يعطل ذلك من سير الحياة فيها كما هو الحال في فرنسا!

إن الرعب يملأ النفوس والكل لا يريد التحرك حتى لا تسوء الأمور أكثر وأكثر والنظام المستولي على السلطة يعلم ذلك فيزيد عليهم البلاء والقهر والغلاء والضرائب والديون في كل يوم فمتى يفهمون!
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تحشد قواتها .. ومخاوف من اجتياح رفح |#غرفة_الأخبار


.. تساؤلات حول ما سيحمله الدور التركي كوسيط مستجد في مفاوضات وق




.. بعد تصعيد حزب الله غير المسبوق عبر الحدود.. هل يعمد الحزب لش


.. وزير المالية الإسرائيلي: أتمنى العمل على تعزيز المستوطنات في




.. سائح هولندي يرصد فرس نهر يتجول بأريحية في أحد شوارع جنوب أفر