الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
ولدن وفي أيديهن مكنسة
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
2017 / 12 / 27
المجتمع المدني
نحنّ إلى الأعياد في أمكنة بعيدة فارقناها ربما طوعاً، وبعضنا يقول أنّه فارقها قسراً، وهذا الكلام يذّكرني بحقوقيّ مصري كان يعمل معي في الإمارات في نفس المكتب، وكان يقول عن نفسه دكتور بصوت عريض وملء فمه، وعندما استلم مرسي الحكم، قال لي:"هم هيسلموني وزارة" وقفت وصافحته. قلت له مبروك، وبينما كان المحامون يخفون ابتسامتهم. قال لي: بتتريقي عليّ يا أستاذه؟ "أهو أنا من المية وخمسين شخصية مصرية فاعلة، ومغيّبة قسراً"
لم أعد أعرف أخباره، كل ما أعرفه أن السيسي محتاجه من أجل محاربة الإرهاب ، والإسلاميين. "حسب ما يقول أصدقاؤه الذين هم أصدقائي" وأنا مقتنعة بأنّه سوف يصل يوماً لمكان هام، صحيح هو بلطجي، لكنّه يجيد تسويق نفسه، ودعس الآخرين، وقد أتيت بذكره عرضاً لأتحدّث عن المغيبين قسراً في السجون، وليس من رحلوا طوعاً سواء كانوا خائفين من الموت، أو يسعون لمستقبلهم، وأنا من المهاجرين طوعاً فلم أشعر يوماً أنني أشعر بالاستقرار، وكنت أبحث عن الحياة، فأنا لا أؤمن بالموت من أجل أي هدف، لكن هذا لا يعني أن الحياة كانت فارغة تماماً ، فلنا ذكريات بعضها ربما جميل، ومن تلك الذكريات طقوس الأعياد.
كان منيرو بائعاً متجوّلاً يبيع على عربته، وله محطة يقف بها على زاوية بيتي في القامشلي ويعرف الناس انه وصل عندما يصرخ " ص، ولبن، وقاطيرو" وهو اسم اللبن بالعربية والكردية، والسريانيّة. تكون النساء مستعدات للشراء حيث هنّ من يشرف على إطعام الأسرة، ولم أر الرّجال يحملون أكياس الطعام. كأنّ الأمر لم يكن يناسبهم.
ذات مرة ، وفي اليوم الذي قبل الميلاد أتى منيرو، واجتمعت النسوة حول العربية، ولم يكن لي مكان ، جلست على درج بيتنا أنتظر أن يوجد شاغر لي، وكنت أستمع للحديث، قالت له جارتي: غداً هو العيد، ويجب أن أعمل التبولة، علي أن أعمل المازة من أجل جورج. هو يحب المازة الجيدة قرب العرق. استغربت لماذا تشرح له لكنّني لم أعقب. أجابها:" أختي خدي الخضرة كلها ببلاش منشان أخي جورج ينبسط"
كانت تلبس ثياب الشّغل، وبيدها مكنسة جلست قربي على الدرج وقالت إنني متعبة قلت لها: إنّ تنظيف الشارع عمل صعب. لا تنظفيه. استغربت كلامي، وقالت: " يعيبون علينا لو كان أمام بيتنا وسخ"
وقد تعلّمت منها فيما بعد فأصبحت أنظف أمام بيتي.
تكافح النساء على مدى شهر قبل يوم الميلاد في التحضير لهذا اليوم الهام، وتنتهي السهرة، فتعمل عدة أيام في لملمة آثار العيد، لكنه راضية عن إسعاد عائلتهتا يتحضَر الرجال في اليوم التالي للمعايدات، وربما بشكل عائلي أحياناً، لكن عيد النسوان يستمرّ بعد العيد، وإلى أن ينتهين من التنظيف مرة أخرى خلف الزوار، وفي مرة كنت أذهب في الصّباح إلى المكتب بعد رأس السنة رأيتها تنظّف أمام البيت. سألتها مازحة: هل أنت هنا منذ عشيّة الميلاد؟ أجابتني: " يا جارة. نحن النسوان. خلقنا وبأيدينا المكنسة، وبخاصة جماعتنا. على المرأة أن تلف زوجها بالقطن، وتهزّ له"
ماذا قالت للتو؟ اعتقدت لفترة طويلة أنها لا تعرف أمراً عن معاناتها، ونظرت لنفسي بعين امعاتب. جميع البشر أذكياء.
وترحل جارتي في إحدى الأيام إلى ألمانيا، ولم تعلمني عن رحيلها كي لا تفشل رحلتها، في تلك الأثناء كانت الهجرة مقتصرة على السّريان، وبعض الأكراد، ولم أكن أعرف معنى الهجرة، فقط أبكي البيوت الفارغة، وعندما التقيت ببعضهم في السويد رأيتهم يحتفظون بعاداتهم، وعلاقاتهم بدا عليهم الرّفاه، ورغد العيش.
تلك الذكريات قد نراها اليوم دافئة، لكنّها كانت قاسية، كنت أستغرب مثلاً عندما تلف جارتي ورق العنب، أو تقطّع البطاطا للقلي تقول لي: يجب أن تكون ناعمة كعيدان الكبريت، أما هنا في السويد، فربما تقوم بالعمل كنوع من الفانتازيا وليست مرغمة على القيام بذلك كي يرضى عنها الضيوف، ومع هذا فهم يحبون القامشلي ويعتبرونها وطنهم الأساسي.
كنّا نحتفل بالميلاد كعائلة ، وكوننا لا ننتمي إلى المجموعة، ومن الصعب أن نشارك مهرجاناتها، أكثر ما هناك أن نذهب في المساء إلى المطعم، وقد يكون هناك حفلة.
هذا السّرد حول الحياة قد يشعرك بالدّفء، وكان الدفء ربما لا يشمل النساء، فهنّ مسخرّات لإسعاد العائلة في عيد الميلاد، وكلّ ما نتحدّث عنه لا يشمل الأغنياء ، حيث الخدم، والحواشي الذين يتبرعون بالعمل.
لم تكن الحياة جميلة . كانت رماديّة دون ألوان ، ولم يكن فيها ذلك الدفء الذي نتحدّث عنه عندما نستحضر اسم الوطن. كانت الحياة باهتة إلا إذا كنت تنتمي لمجموعة دينيّة-غير مسلمة-فلم يكن عند المسلمين تلك المناسبات عدا الأعياد الدينية، والتي تفتقد إلى العلاقات الجماعية، وحتى العائلية في المرحلة الأخيرة.
كانت الحياة ضيّقة على الأطفال والشّباب، فهم أمام خيارين: الشبيبة، أو الكنيسة حيث كانت نشاطاتها تلبي طموح الشّاب في إيجاد مخرج ما في رحلة، أو تخييم، أو مسير، وكذلك الأحزاب لها نشاطاتها، كانت الكنيسة هي مخرج للحياة العائلية وليست فقط للعبادة، وقد شارك أولادي في بعض النشاطات الرّياضية التابعة للكنيسة، وحتى ابني درس في مدرسة الاتحاد الخاصة للأرمن.
سمعت أن عيد الميلاد كان حزيناً في القامشلي هذا العام، ولا يحمل مظاهر تلك السنوات السابقة، وتمنيت أن يكون من عرفتهم بخير، فهناك الكثير ممن لا يرغبون في مغادرة بيوتهم والهجرة إلى أيّ مكان، لكن أغلبهم ليسوا من الشباب.
عندما سكنت في القامشلي كانت مدينة مميّزة، ثم تراجعت على جميع المستويات، وربما أكثر من باقي مناطق سورية، ولا أعرف كيف هي اليوم، ولا شكّ أنني سوف أزورها يوماً لأستعيد بعض لحظات ربما كانت سعيدة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فريق جنوب إفريقيا بمحكمة العدل: الأمر الجديد يلزم إسرائيل ال
.. تمويل الأونروا.. أزمة جديدة تفاقم معاناة سكان القطاع | #غرفة
.. القوات الإسرائيلية تُطلق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين عند
.. لمنحهم بطاقات مسبقة الدفع.. إيلون ماسك ينتقد سياسة نيويورك ف
.. تقرير للأمم المتحدة: أكثر من 783 مليون شخص يعانون من الجوع ح