الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ-1

محمد ابداح

2017 / 12 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


لا شك بأن التكليف إنما يقع على العاقل المميز، القادر على الاختيار، فالمكلف مختار لما هو فيه من عوامل السمع والطاعة والتنفيذ، ولما هو مأمور بتنفيذه ومنهي عن فعله، أما محور قدرته على التنفيذ فمقيد بالسمع والطاعة لا العصيان . يخال للوهلة الأولى بأن هذا النوع من التكليف ينطبق فقط على الملائكة ، بيد أن الشواهد التاريخية تثبت بأن مبدأ (يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) قد يشمل البشر أيضا.
ربما تكون بداية هذه المقالة غير محددة، تماما كما هو حال بداية مأساة الواقع العربي، وربما نسأل أنفسنا كثيرا كيف بدأت جذور تلك المأساة، لا بد من الإقرار أولا بأن مأساة العالم العربي بأسره هو في سيره إلى الخلف ، يهدم ما يبنيه أبناءه، يستنسخ المشوّه ، يستورد الفتن والحروب بالمال العام، ويزهق الأنفس التي تبايعه طوعا وكرها، وتنهب ثرواته جهارا نهارا، صورة مأساوية هي حالة العالم العربي، وبالتأكيد فإن عوامل هذه المأساة ليست آنية، بل بلغت حد التواتر والإستمرار ومازالت فاعلة .
في ظل تلك الصورة القاتمة ثمة قبس من النور، لكنه يقبع خلف معضلة قدر لها أن تكون زئبقية، كلما وضعت إصبعك كي تزيلها انسحبت لتظهر من جديد، وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى الزئبق في العالم العربي من باب الخرافات ومادة للشعوذة والسحر، فإنه في أماكن أخرى من العالم يتم التعامل معه كمادة هامة تدخل في صناعات طبية وصناعية مختلفة، والفارق بين الطرفين عظيم. من البديهي القول بإن تحديد المشكلة يعد نصف الحل، وبما أن أهل مكة أدرى بشعابها، فيتبقى لدينا النصف الآخر وهو التعامل مع تلك المشكلة وامتلاك أدوات حلها.
قد يكون السؤال من أين نبدأ بتحليلنا لمشكلة الواقع العربي المعاصر، من الزمن العربي الجاهلي السحيق والعقلية القبلية التناحرية التي أدت لحروب كالبسوس والفجار وبعاث وداحس والغبراء، أم من زمن تحالفات قبائل وممالك الجنوب الشرقي العربي مع الفرس في مقابل تحالفات قبائل الشمال الغربي العربي مع الروم، واستمرار تلك التحالفات بصور جديدة الى يومنا هذا.
تتلخص المشكلة العربية في أن كافة جوانب الحوار فيها مدببة، لأنها من وجهة نظر العديد من العوام والخواص تضرب بخاصرة الثوابت والمسلمات الدينية، قد نتفق مع تلك الفكرة من حيث المبدأ، حيث لايٌحرَك الساكن إلا لضرورة، وليس ثمة أمر أكثر ضرورة من معرفة أسباب تخلف العالم العربي المعاصر، لذا سنتطرق لتلك المسألة بأدواتها، حيث سنجملها سبقا ثم نفصِلها لاحقا، فهل بدأت جذور المأساة العربية المعاصرة عند محاولة استنساخ حكم النبي محمد حيث نجح بالجمع بين السلطة الدينية والسياسية دون تدخل إلهي مباشر، بخلاف الملك سليمان الذي حكم الإنس والجن والطير والدواب، وسُخرت له ظواهر الطبيعة، وقد ورث السلطة الدينية والسياسية من أبيه داوود، كذلك الحال للإسكندر المقدوني الذي إكتفى بفتوحاته ولم يحكم بإسم الدين.
ذلك الجانب الأول، يليه دور الفقه الإسلامي ومساهمات معظم رموزه في تعقيد المشكلة العربية من خلال تشويه دور الإسلام بالتنمية الشاملة، السياسية الإقتصادية والعلمية والإجتماعية، حيث يعد أبي حامد الغزالي نموذجا جليا من أشد رموز الفقه الإسلامي تناقضا وتطرفا وتأثيرا على التنمية الشاملة بالعالم العربي والإسلامي، فابتداءا من حياته في بلاط الخلافة العباسية، وإدراكه بلا شك إلى الدور الخطير الذي كان يلعبه هو شخصيا كفقيه سلطان، وانعكاس ذلك على جملة فتاويه وأفكاره لتثبيت حكم السطان، ولم يتمكن من إخفاء ولعه بالمناصب والجاه، ثم بعد فوات الآون إصابته بعقدة الذنب والتي جعلته يعتزل السياسة لصالح الفلسفة آواخر حياته.
فابتداءا من كتابه ( إحياء علوم الدين، ومرورا بتهافت الفلاسفة، الإقتصاد في الإعتقاد، وانتهاءا بنصيحة الملوك، وفضائل رسائل الأنام)، قام الغزالي بثلاثة أمور ، دمر عجلة البحث العلمي في أوج عصرها إبان الخلافة العباسية، ثم أسس لفكرة تكفير الخروج على الحاكم، والتي أرسى قواعدها لاحقا ابن تيمية، وأغرق العالم العربي والإسلامي بمدارس الفقه وأصول الشريعة والتي أنيط بها عملية (استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية)، والتي أوصلتنا اليوم إلى قعر الوادي فانتهينا بمؤتمر الرياض لعام 2015 للفقه الإسلامي والذي ناقش من جملة ما يهم العالم العربي والإسلامي في القرن العشرين فكان فتوى حكم الوضوء بماء الطحالب، وحكم التيمَم بمسحوق الطبشور، في الوقت الذي اقتربت فيه الهند من إطلاق مركبات فضائية مأهولة، لقد بتنا حقا في قعر وادي التخلف، مما جعل باقي الأمم تحار فينا، تخلف جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يأتي شخصيا للرياض عام 2017 ليجبر حكام السعودية على تعديل المناهج الدراسية.
أما الجانب الثالث وهو الجانب الأشد تأثيرا على مصير الشعوب العربية فهي الأنظمة العربية التابعة والممرغة بالتحالفات والمؤامرات والإغتيالات منذ مقتل علي بن أبي طالب، إلى يومنا هذا، وأما الجانب الرابع فهي الشعوب العربية ذاتها ودورها فيما آلت عليه أوضاعها.
نعم قلنا سابقا بأن هذه الدراسة لن تكون نزهة، وهي في الحقيقة ليست كذلك، ورغم أن كل جانب بحاجة إلى مجلدات من البحث والدراسة، إلا أننا وفي المقالات القادمة سنقوم بتحليل كل جانب من جوانب مأساة الواقع العربي المشار لها سابقا بشكل جوهري وموجز قدر الإمكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام 


.. انفجارات وإصابات جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب




.. مسعفون في طولكرم: جنود الاحتلال هاجمونا ومنعونا من مساعدة ال


.. القيادة الوسطى الأمريكية: لم تقم الولايات المتحدة اليوم بشن




.. اعتصام في مدينة يوتبوري السويدية ضد شركة صناعات عسكرية نصرة