الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درب الآلام؛ حكاية الألفي عام

مهند طلال الاخرس

2017 / 12 / 31
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


درب الآلام؛ حكاية الألفي عام
في المغرب مثل شائع يقول: سبعة يهود لقتل قنفود، وفي الشرق العربي لدينا مثل شائع يقول:"الف ومية على البطل والبطل ما بيهمو المنية".

في عصر الصورة اصبحت الصورة أبلغ من الكلمة ولها الصدارة في الاشارة وتسليط الضوء على اي حدث، فهي توضح وتوثّق وتنقل وبصورة عفوية وتلقائية وبكل اللغات والى كل الفئات، وعلى كل منا وحسب وعائه المعرفي وإنتمائه الانساني أن يستقي من الصورة ما يريد، إبتداء من نظم أبيات شعر قد تؤدي الى قصيدة، او سيل من الدموع تفيض بها الوجنات، او تستفيق في ناظرها كل معاني الانسانية ومعنى أن يكون الانسان عزيزا بذاته وبوطنه، وان يكون جبارا بكبريائه امام غطرسة جيش كامل بعده وعتاده.

صورة بألف رصاصة؛ تلك الصورة التي إلتقطتها عدسة (الاب والابن) الهشلمون حول اعتداء كتيبة جيش الاحتلال الاسرائيلي على الفتى فوزي الجنيدي .

المصوران الصحفيان (الاب والابن) عبد الحفيظ ووسام الهشلمون من الخليل، هما من إلتقط كل واحد على حدا، بكاميرتين، صور اعتداء كتيبة الجيش الاسرائيلي وهي مدججة بكامل عدّتها على الفتى فوزي الجنيدي، إبن الـستة عشرة عاما، يوم الخميس 7/12/2017. وعبد الحفيظ هو المصور الاب ووسام هو نجل عبد الحفيظ. وكلاهما أصحاب هذه الارض التي ألتقطت من عليها هذه الصورة؛ الوثيقة، والشاهد، فهي وثيقة جرم وإدانة لجيش الاحتلال وتجسيد صارخ "لخوف الطغات من الأغنيات" وشاهد سيحيا الى الابد، الى أن يشهد على ان ما أصابه كان بفعل الحيونة وليس الأنسنة.

في انتفاضة الاقصى علقت في الاذهان صورة للفتى الشهيد فارس عودة الذي جسد عري الانسانية من كل شيء وأخرج الطفولة عن طورها وبث فيها معالم الرجولة مبكرا وقذف بها الى صدارة المواجهات والصفحات، وحدها إرادة صاحب الارض تناطح المخرز، ووحدهم أطفال فلسطين يقهرون فخر الصناعة الاسرائيلية"الميركافا"، ووحدهم أطفال فلسطين يواجهون آلة الموت الاسرائيلية ليصنعوا الحياة.

صورة فارس عودة امام الميركافا؛ يقذفها بالحجارة، يخطوا للامام، يقاتل الموت، تتراجع هي للخلف، يستمر هو بالتقدم، تحاول هي الانقضاض، يعاجلها بالحجارة، ينتفض المدفع ويلقن، يرجمها كمحب للارض كارها للغزاة، فوهتها تنحني إجلالا لمهابة الفتى وإقدامه، يهاجم فارس الموت ولا يخشاه، يندحر الفولاذ، وحدها؛ رصاصة إنطلقت من أعلى برج الدبابة أصابت الفتى في مقتل، وأصابت من جميعا الحياة.

لعله صوت الزعيم الخالد ياسر عرفات وهو يهتف بإسم فارس عودة ويستشهد به في خطاباته ما أضاف هالة وقدسية على هذه الصورة. هذه الصورة ستصبح لاحقا عنوان المرحلة.

وها هي المعركة تتجدد حول الصورة في فلسطين من جديد. الفلسطيني صاحب الارض حريصا على أرضه بأن لا تفسدها دماء الغرباء، الفلسطيني يريد أن يكسب الحرب بالنقاط (بالصورة والكلمة والبسمة والقصيدة والاغنية وبالصبر والجلد وبالحجر والمولوتوف و....)و المحتل الغاشم يريد أن يكسب الحرب بالضربة القاضية قبل أن تقتله الحقيقة، لذلك فالمحتل يسعى جاهدا لأن يحييد نقاط قوتنا ويسعى بشكل أكبر لجرنا لمربعاته التي يعشق، ولا يخجل من أجل ذلك أن ترفع الميركافا فوهتها لمواجهة الاطفال، ولا يخجل من أن تقدم كتيبة كاملة من جيشه ومددجة بأعتى الاسلحة على إعتقال فتى وتحيط به وتتزنر به كأنه سلاح دمار شامل.

23 عسكريا صهيونيا يظهرون في أحد شوارع الخليل، يقودون فتى فلسطيني معصوم العينين، ورأسه شامخا في السماء، يستدير بعينيه المعصوبتين يمينا وشمالا، تحسبه يودع شوارع مدينته ويقرئها السلام، لكنه كان يهمس في أذنها، ويصرخ في آذانهم وبكل لغاتهم اللقيطة :"نعم استطيع ان أراها؛ القدس عاصمة فلسطين الابدية".

يتكالب الجنود على الامساك بالفتى، يعتصمون به كأنه طوق نجاة، تخذلهم الطرقات، تتوه بهم الخطوات، تتسع خطوات الفتى بثبات. عيناه المعصوبتين؛ تعد الخطوات، وتدرك اللكنات، توزع القبل على الحيطان المكسوة بالشعارات، ويرتفع الرأس أكثر ليوزع القبلات على النسوة والاخوات وعلى من وقف ملوحا على الشرفات، وحدها زقاق المدينة تشم رائحة يسمينها وتعرف هدير الخطوات، أكانت مرتعبة أو مرتعشة أو تسير على مهل وثبات.

في هذه الصورة يتضح بجلاء من يخاف من من. في هذه الصورة سارق بجيش، وفتى يتوسط الجيش، ويعلو عليه قيمة ومقاما، وحسنا فعل الاحتلال بإغماض عينيه، فهو ابن هذه الارض، ويستطيع أن يخاطبها بكل اللغات؛ من الهديل الى الزئير، ومن الهدير الى الخرير، ومن الترتيل الى الترنيم، ومن الترويد الى التهليل والتكبير، وحده صوت الغريب المدجج بالسلاح والمغطس بالنعيق؛ يفسد صوت الحسون الباحث عن بسمة على شرفة توزع الامل وتودع البطل في يوم ماطر بالكبرياء.

في هذه الصورة يخال لك أنه عرض عسكري أو صيد ثمين، لكن هل يصح ان يكون الفتى صيدا!؟وهل يصح أن يكون الجيش لصا!؟وهل يصح أن يرتسم الخوف والذعر والعواء والعويل على جيش أقرفونا بقولهم "لا يقهر"، أم أنها عرض لاصحاب الارض واختبار لمدى حبهم لها!؟

بعد أجيال ستعرض هذه الصورة في المتاحف واسواق الذكريات مصحوبة بسؤال؛ ما هي حكاية هذه الصورة !؟ وما الذي يجري؟ تراك الى أين تصل وأنت تمعن النظر في هذه الصورة؟

قد تتعدد الاجابات؛ لكني لا أرى إلا نفس المشهد على نفس الارض منذ الفي عام، إذ أن الفتى يسير على درب الآلام من جديد، كما سار المسيح من قبله وفي نفس الايام قبل الفي عام.

لم تختلف عندي كثيرا صورة الفتى يحيط به الجنود عن صورة السيد المسيح محمولا على الصليب تتقاذفه الانواء والاهوال وتتجاذبه قلوب المحبين ودعواتهم .

فالحكاية هي هي منذ الفي عام وأكثر؛ أصحاب الارض باقون والجميع عابرون، لذلك كان الغرباء دوما يخشون من الذكريات.

على نفس خطى المسيح، وفي نفس الايام (مع فارق الألفي عام)، يسير أصحاب الارض على أرضهم بثقة المنتصر، يوزعون القبلات، يحملون الألم، ويوزعون الأمل.

‏وحين يأتي الموت، الذي لا بد أن يأتي، يجب أن يرانا وقد إستنزفنا حياتنا حتى الرمق الأخير. عشنا الحياة بكبرياء وكرامة، وأدينا واجبنا نحوها بشرف.

‏يدرك أصحاب الارض أنهم يصنعون التاريخ على ارضهم ويزاحمون في ذلك الانبياء، لن يهبط نبي جديد ليحررنا، وحده النبي محمد كان خاتم الانبياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينفذ هجوما جويا -بمسيّرات انقضاضية- على شمال إسرائي


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يغلقون جسرا في سان فرانسيسكو




.. الرئيس الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي: -لن أتولى أكثر من


.. رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما




.. ارتفاع ضحايا السيول في سلطنة عمان إلى 18 شخصا