الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمة في علم المخطوطات

أدهم مسعود القاق

2018 / 1 / 1
المجتمع المدني



يتضمن فعل المحافظة على التراث الثقافي جانبًا روحيًّا، يتعلّق بالمنتج الثقافي للأمّة المكوّن لهويّة ثقافيّة مائزة بلغاتها ومعتقداتها وأفكار مفكريها في حقب متواليّة، وجانبًا ماديًّا مكوّنًا مما خلّفه السابقون من مبانٍ وأدوات وأوعية احتوت نتاجها الثقافي كالكتب المخطوطة. ولا شكّ أنّ المثاقفة بين الشعوب والتنوّع الثقافي داخل المجتمعات الإنسانية من سمات التحضّر على مدى تاريخ البشر؛ وبهذا المعنى يعدّ التراث مصدرًا تربويًّا وتثقيفيًّا، إذ إنّ: "تراكم الخبرات يكوّن الحضارة، وتراكم المعلومات يكوّن الذاكرة، وهذه الذاكرة بدورها هي التي تمكننا من فهم العالم" . وإذا كانت الشفاهة هي التي حفظت تجارب الشعوب بذاكراتها، فإنّ التدوين حلّ مكانها مع بدء استخدام البشر للكتابة، فدوّنوا أفعالهم وفنونهم وحروبهم، فتراكم الكثير في ذاكرة العالم مكتوبًا على مواد متعدّدة، ولعلّ الورق هي المادة الأوفر استخدامًا، حيث كتبوا بأيديهم بمواد صبغيّة كالحبر حكاياتهم وأخبارهم وعلومهم على الورق وورّثوا لأحفادهم تجاربهم مكتوبة على شكل كتب مخطوطة، ولمّا كان البشر يهتمّون بماضيهم لتداخله مع حاضرهم، استلزم منهم وجود علم المخطوطات الذي لا يزال يتطور مع تطور علوم البشر.
يتضمن علم المخطوطات، الكوديكولوجيا، Codicologyكلّ ما يتعلق بالشروط التاريخية والمرتكزات الماديّة التي أنتجت الكتب المخطوطة بنسخها المتعدّدة؛ وبناء عليه فهو علم آثار الكتاب الذي يهتمّ بالحِرَف التقليديّة لصناعته، ويدرس المواد المستخدمة في كتابته، وينفتح على علم الخطوط القديمة Palaeography، مثل: مكوّنات المخطوط، الأحبار، أنواع الخطّ العربيّ، والمختصرات وعلامات التصويب والحواشي وخوارج النصّ وتواريخ تطورها والتأريخ وبيانات التملّك،... وينفتح، أيضًا، نحو تاريخ نقل النصوص وتاريخ منتجيها ونسّاخها وخزائنها وجامعيها.
وظهر اصطلاح المخطوط مع ظهور المطبعة التي أنتجت كتبًا مطبوعةً في القرن الرابع عشر الميلادي، فأطلقوا مصطلح الكتاب المخطوط مقابل الكتاب المطبوع؛ وقابله بالتركيّة (آل يازفة) ثمّ احتاج الأمر إلى تحقيق المخطوط من أجل طباعته.
سمّى العرب الكتاب في القرن الهجري الأول بـ الرقيم، الزبور المصحف، السفر، الرسالة، الكرّاسة، الجلد، الجزء، المجلدة، الكناش، الكناشة، الدفتر. وفي عصر التدوين أطلقوا على الكتاب: الديوان، المدوّن، التأليف، المؤلّف، التصنيف المصنّف. وفي القرن الرابع الهجري أطلق تسميات مثل كتاب الأصول، الكتاب الأمهّات، الكتب الأساسيّة . كما ورد في تاج العروس للزبيدي (ت 120هـ): كتاب مخطوط أي: مكتوب فيه. وفي بلاغة الزمخشري (ت538هـ): خطّ الكتاب يخطّه، كتاب مخطوط، ثم استخدم لفظ الكتاب المخطوط بمقابل المطبوع بعد اختراع الطباعة، وقد استخدم المغاربة نسخة قلميّة بمقابل المخطوط. وذكر أنّ: "المخطوط العربي هو أطول مخطوطات العالم عمرًا" ، ويقصد بالمخطوط العربي الإسلامي؛ كلّ ما كتب باللغة العربية، أو اللغات التي استعارت حرف القرآن العربي، وقد تتبعها جوفروا روبير G. Roper ووجدها 129 لغة، ومن أنواع المخطوطات العربية، المخطوط الهجين الذي كتب على عدة مواد، والخزائني المزخرف الجميل، والدعي الذي لم يصحّح على مؤلفه أو لم ينسخه ناسخ معروف، والأصلي الذي خطّه المؤلّف بيده، والعلمي سماته واضحة، والنادر لا يوجد منه سوى بضعة نسخ في العالم، والفريد يوجد منه نسخة واحدة في العالم.
دخلت كلمة الكوديكولوجيا المعجم الفرنسي عام 1959م وهي منحوتة من لفظين باللاتينية: Codex بمعنى كتاب، و Logosبمعنى علم؛ وهناك تركيز على اهتمام هذا العلم بمظاهر الصناعة الأوليّة للمخطوط بوصفها تنتج الوعاء للنص، وقد حدّد الحلوجي ست ركائز لعلم المخطوطات، ومحاوره هي: تاريخ المخطوط، وكيانه المادي المتعلّق بصناعة المخطوط، إذ يتمّ دراسة المواد والأدوات والخطوط والزخارف والجلود، وقد أطلقوا عليه علم الكوديكولوجيا، وتقييم المخطوطات وفقًا للمعايير والتقاليد ويدرس فيه التملكات والسماعات والإجازات، الحفظ والصيانة وأساليب التعقيم والترميم والتصوير، الفهرسة والضبط البيبلوغرافي، التحقيق والنشر؛ ولكنّ الطوبي يتهم الحلوجي بالخلط بين قضايا مختلفة تخصّ المخطوط العربي: "لأنّه أدخل في العلم الواحد علومًا متعدّدة، دون مراعاة شفافيّة الموضوع ووحدة المنهج؛ فهو من جهة يتحدث عن علم المخطوطات، ولكنّه يضمّن هذا العلم علومًا أخرى من مثل تاريخ المخطوطات وعلم المخطوطات والصيانة والتعقيم والترميم والفهرسة والبيبلوغرافيا والتحقيق والنشر" ويعود الطوبي للإقرار باشتراك المفاهيم السابقة بمصطلحي الحفر بمعنى التنقيب والنقش والنبش والمعالجة الباحثة عن الجذور، ومصطلح العلم الذي يستقلّ بقوانين ومبادئ متماسكة ومتعالقة مع منهج دقيق، ويصل إلى نتيجة مفادها أنّ علم المخطوطات يتعلّق بالمادة أو الوعاء ولأنّه علم، أي يتسم بسمات العلمية، فهو يقتضي افتراض الفرضيات وصياغة القوانين ومن ثم وضع نظرية، وقد عدّد الجوانب المادية التي يعنى بها علم المخطوطات وهي: "مكونات الورق أو المواد المكتوب فيها، والطيّ وصناعة الكراريس، والترتيب المتعلق بالصناعة، وتركيب الصفحات، والخزم، والتسطير، والنمنمة، والزخرفة، والتذهيب، والتجليد، ويعنى أيضًا بالنِّساخة أي ببداية النص ونهايته وحرده، والوقف، والإجازة، والقراءة، وقيود التملّك، والبيع والشراء والأدعية والعبارات الشاردة والفوائد وقيود الصيانة والاستهلالات وعنوانات الأبواب والفصول والترقيم والحكّ والمحو والطمس والإحالة والتشطيب وما إلى ذلك" وبذلك يكون قد أخرج من علم المخطوطات الفهرسة والتاريخ والتحقيق والترميم وعلم الخطوط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بينهم نتنياهو و غالانت هاليفي.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة


.. بسبب خلاف ضريبي.. مساعدات الأمم المتحدة عالقة في جنوب السودا




.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا