الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-بودو- يفضح صندوق النقد الدولى !

سعيد علام
اعلامى مصرى وكاتب مستقل.

(Saeid Allam)

2018 / 1 / 1
مواضيع وابحاث سياسية



شجاعة نادرة لموظف سابق فى صندوق النقد !
كان دايفد بودو من جامعة لندن للعلوم الاقتصادية، قد ولد فى غرناطه، وهو عالم اقتصاد متدرب وصل الى واشنطن بفضل نمطه الشخصى الغير مألوف، فهو يترك شعره منكشاً مبعثراً على طريقة "البرت اينشتاين"، ويفضل السترات الدافئة غير الرسمية على البذلات ذات الخطوط الدقيقة، عمل لدى صندوق النقد الدولى لمدة اثنى عشر عاماً، وكانت وظيفته تصميم برامج للتعديلات البنيوية فى افريقيا وامريكا الاتينية والكاريبى.

لم يعد بودرو يشعر بالراحة فى المنظمة بعد ان انحازت كلياً لليمين فى عهد ريجان وتاتشر. فقد اصبحت المؤسسة تعج بـ"خبراء شيكاغو" المتحمسين الذين ترأسهم المدير ميشال كمدسوس الليبرالى الجديد النافذ. عندما استقال بودرو فى العام 1988، كرس وقته لفضح اسرار مقر عمله السابق. وقد انكب على ذلك عندما بدأ بكتابة رسالة مفتوحة الى كمدسوس، معتمداً نمط الاتهام الذى انتهجه قبل عقد اندريه غاندر فرانك فى رسائله الى فريدمان "مؤسس مدرسة شيكاغو الاقتصادية، الليبرالية الجديدة الاقتصادية".

بدأت الرسالة على النحو التالى: "انا استقيل اليوم من فريق صندوق النقد الدولى بعد اكثر من 12 عاماً من الخدمة، وبعد 1000 يوم من العمل الميدانى فى تأمين المساعدات الرسمية؛ عمل تمثل فى الاتجار بأدويتكم وبحاقبكم المملوءة بالخدع، وارسالها للحكومات والشعوب فى امريكا الاتينية والكاريبى وافريقيا. تعتبر الاستقالة بالنسبة لى اليوم تحرراً لا يقدر بثمن، لاننى اخطو بها خطوتى الكبيرة الاولى الى المكان الذى يسعنى فيه ان احلم بغسل يدى مما يشكل، فى نظرى، دماء ملايين الفقراء والجياع .. لقد كثرت الدماء الى حد انها باتت انهراً. وهى تجف ايضاً وتلتصق بى. اشعر احياناً انه ليس هناك ما يكفى من صابون فى العالم لتنظيفى من الاشياء التى فعلتها بأسمكم".

استمر بودو فى بناء قضيته، فأتهم المؤسسة بأستخدام الاحصاءات كأسلحة "فتاكة". لقد احسن توثيق ما كان يقوم به كموظف فى منتصف الثمانيات. فهو كان متورطاً فى "ممارسات احصائية سيئة" هدفت الى تضخيم الارقام الواردة فى صندوق النقد الدولى فى ما تعلق بدولة ترينيداد وتوباغو الغنية بالنفط، وذلك كى تبدو الاخيرة وكأنها اقل استقراراً مما كانت عليه فعلاً. وقال ان صندوق النقد الدولى قد قام بمضاعفة ارقام فى احصائيات فى غاية الاهمية تقيس كلفة العمل فى البلد، ما جعله يبدو غير منتج الى حد كبير، برغم ان المؤسسة كانت تملك الارقام الصحيحة بين يديها. ويقول بودو فى مثال آخر، ان المؤسسة قد خلقت "من لا شئ" ديناً حكومياً غير مسدد، ذا جم هائل!.

لم تكن "التجاوزات الفادحة" التى تحدث عنها بودو مجرد "اخطاء حسابية" بل كانت متعمدة؛ وبرغم ذلك تبنتها الاسواق المالية معتبرة ان ترينيداد وتوباغو فى خطر، وتوقفت بالتالى عن تمويلها. هبطت اسعار النفط، وتحولت مشاكل البلد الاقتصادية الى كارثة، فأضطر الى توسل صندوق النقد الدولى لمد يد العون، فطالبته المؤسسة المالية الدولية بالقبول بما سماه بودو "الدواء الفتاك"؛ اى صرف الموظفين، وتخفيض الاجور، وسلسلة لا تنتهى من الاجراءات التصحيحية. وصف الرجل العملية بانها "اعاقة متعمدة للخط الحيوى فى البلد من خلال اختلاق الذرائع"، وذلك من اجل رؤية "ترينيداد وتوباغو تتحطم اقتصادياً اولاً، وتتحول ثانياً".

اوضح بودو، الذى توفى عام 2001، فى رسالته، ان اعتراضه لم يقتصر على تحكم حفنة من المسؤلين فى بلد ما. ووصف برنامج صندوق النقد الدولى كله بانه وسيلة تعذيب جماعية "تخضع لتأثيرها الحكومات والشعوب المتألمة، فتركع امامنا منهزمة محطمة ومذعورة، تتوسل لفتة رحمة وشهامة منا. لكننا نضحك بقسوة بوجهها، ويستمر التعذيب".

قامت حكومة ترينيداد بعد نشر الرسالة بدراستين مستقلتين لتتحقق من الاتهامات، فتبين انها كانت صحيحة: لقد ضخم صندوق النقد الدولى الارقام واخترعها متسبباً باضرار فادحة فى البلد. وحتى مع تأكد هذه المعلومات، اختفت ادعاءات بودو، ولم يبقى لها اثر؛ ان ترينيداد وتوباغو مجموعة من الجزر الممتدة مقابل الشواطئ الفنزويلية؛ لذا، ما لم يهاجم شعبها المقر الرئيسى لصندوق النقد الدولى فى الشارع التاسع عشر، لم تكن احتجاجاته لتلقى اى صدى.

وبرغم ذلك، تحولت الرسالة الى مسرحية عام 1996، عرفت بعنوان "رسالة استقالة السيد بودو من صندوق النقد الدولى" (خمسون سنة كافية)، وعرضت فى مسرح صغير فى قرية شرق نيويورك. لاقت المسرحية صدى ايجابياً عبر عنه مقال نقدى فى الـ"نيويورك تايمز"، اشاد بالقدرة الخلاقة الغير مألوفة التى انجحت هذه المسرحية. كانت تلك المرة الاولى والاخيرة التى جاء فيها على ذكر اسم بودو فى صحيفة الـ"نيويورك تايمز".(1)



حقيقة ما يسمى بالاصلاحات الغير شعبية !
فى المقال السابق المعنون "اعلام "الصدمة"، وتجربتى مع معهد واشنطن!"،(2) قد اوضحنا نموذج كندا، كمثال ملفت على سياسات صندوق النقد الدولى لفرض الليبرالية الجديدة الاقتصادية، عن طريق تزييف "ازمة وهمية" من اجل تمرير سياسته المجحفة بالشعوب، ودور "اعلام الصدمة" فى الترويج لهذه الازمة المفتعلة.

الا ان استمرار شركة "مودى" (شركة تصنيف فى وول ستريت) بمنح كندا تصنيفاً ممتازاً، ادى الى ازيداد صعوبة نشر التكهنات التى تروج للازمة المفتعلة. ازداد المستثمرون فى هذه الاثناء، ارتباكاً بسبب الرسائل المتناقضة. قتقارير "مودى" كانت ايجابية بشأن كندا بينا استمرت الصحف فى التحدث عن كارثة مالية. ضاق تروغليا* ذرعاً، حتى انه المح الى السياسة الملتوية التى تلجأ اليها الادمغة اليمينية "العديد من هذه التقارير ضمت ارقاماً قد اخذت مرتين فى الحسبان"!.

وكان قد سرب شريط مصور الى الصحافة فى سبتمر 1995، يظهر فيه جون سنوبلن وزير التربية فى اونتاريو (فى كندا) وهو يقول فى اجتماع مغلق لموظفى الدولة انه قبل تخفيض الانفاق على التعليم وغير ذلك من "الاصلاحات الغير شعبية"، كان ينبغى خلق حالة من الهلع بتسريب معلومات اكثر تشاؤماً، واطلق على هذه السياسة تسمية "خلق ازمة مفيدة"!.


سعيد علام
إعلامى وكاتب مستقل
[email protected]
http://www.facebook.com/saeid.allam
http://twitter.com/saeidallam

هوامش:
• ينبغى القول ان تروغليا حالة نادرة فى "وول ستريت" .
المصادر:
(1) عن الكتاب الملهم "عقيدة الصدمة"، صعود رأسمالة الكوارث. للكاتبة والباحثة الفذة، الامريكية، كندية الاصل، نعومي كلاين.
https://www.4shared.com/office/WE6mvlL6/____-_.htm
فيلم مترجم للعربية عن نفس الكتاب. https://www.youtube.com/watch?v=YRDDQ9H_iVU&feature=youtu.be
(2) "اعلام "الصدمة"، وتجربتى مع معهد واشنطن!
http://www.civicegypt.org/?p=75666








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة