الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مأساة يغود - الزاوية

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2018 / 1 / 2
الادب والفن


تزخر المنطقة بعدة زوايا، أهمها زاوية مريم، بلدة قريبة من قلعتها، مركز السلطة الجديدة، مركز نزاع القبائل على الزعامة، حلم الشيخ محند هو السيطرة عليها، القضاء على الشيخ الخائن.
الشيخ الخائن خرافي التفكير، يقدس الزاوية، لم يستسغ، حكم المرأة، مريم الثائرة على استعباد الرجل للمرأة، حاربها، سيطر على القلعة. لما خلعه الشيخ الشهم، خلع معه شيخ الزاوية، عين مكانه خادمه، قيم حفل الشاي، سيطر على جميع ممتلكاتها، عرف جيدا دورها في قمع العقل، توظيف الدين في السياسة، كسر قدسيتها.
شيخ الزاوية، يقدم الولاء للباشا، يهدى له مستعبدة، من جذور إفريقية، طلبا العفو للمستعبدين اللاجئين بالزاوية، خوفا من بطشه، سكنوا بكهوفها.
الشيوخ المطرودون من الزاوية، يتسابقون لتقديم الولاء للباشا، مسالمون، لا يحركون ساكنا، يميلون أينما اتجهت الرياح، يخافون، لا يتحملون سياط الجلادين، ما دام المستعبدون من الفلاحين الفقراء، في خدمة القصبة، الأمور ميسورة.
تحول موقع الزاوية، منزل الشيخ، قيم حفلات الشاي للشهم، رئيس الزاوية، أحكامه قاسية، يعامل الفلاحين الفقراء معاملة المستعبدين، يضاهي خليفة الباشا، ترك له مسافة، ما دام أنه يضعهم رهن إشارته، يكون في خدمة سلطة الاستعمار. طوع الفلاحين الفقراء، ضربهم، إطلاق ألقاب عليهم تحط من كرامتهم، أسماء أجداده مقدسة، لا يحق للمستعبدين تسميتها لأولادهم، من سبق له أن سمى أحد أبنائه باسم منها، أطلق عليه لقبا خشنا، حتى لا يسمعهم ينادون بأسمائهم، من خالف الأمر يعاقب.
نصب الباشا، خلفاء، شيوخ، أعوان، إمخزنين، كلهم طغاة في تعاملهم مع الفلاحين، يراقبونهم، يطاردونهم، يعتدون عليهم بلا سبب، المهم إخضاعهم، ويل لمن سولت له نفسه رفع صوته، يجب طاعته، خدمته، تقديم الفرض، خدمة دار القصبة:
ـ أولا عند بناء القصبة، الكل يؤدي الفرض، العمل بالتناوب، واجب، دون أدنى أجر، حتى الحمير والبغال، عليها أداء الواجب، كل من يملك دابة، يؤدي واجبا عنها، خدمة، عمل، بناء دار الباشا.
ـ ثانيا عند كل إنتاج فرض، الدجاج، البيض، الحليب، اللبن، الخضر، الحبوب، لكل حركة فرض خاص بالباشا، الخلفاء، الشيوخ، المخزنية، يتمادون في استخلاص الفروض، يضيفون حصصهم.
بين سلطة خليفة الباشا بالقصبة، شيوخه، أعوانه، المخزنية، جواسيسه، وشيخ الزوايا، يعيش المستعبدون، الأفارقة الأصل، أحفاد المستعبدين، الذين تم استقدامهم، في عهد دولة قطاع الطرق، حياة الاضطهاد.
القواد الإقطاعيون من أصل أمازيغي وعربي معا، شيوخ الزوايا الأمازيغ والعرب، كل هؤلاء يجتمعون، في استغلال الأمازيغ الأحرار، الأفارقة المستعبدون، تحالف الاستعمار والإقطاع، ضد الفلاحين الفقراء.
قبائل الأطلس من القبائل الحاسمة في السلطة بمراكش، التغيير دائما يأتي من الجنوب، منطقة استراتيجية في الحرب، تمتد شرقا إلى حدود درعة، غربا إلى سوس السفلى، من راس الواد إلى حدود مراكش شمالا، جبل توبقال، جنوبا جبل سروا، امتدادات الصحراء، منطقة استراتيجية في حسم السلطة.
القلعة والزاوية، ركنان أساسيان في السلطة الجديدة، العسكري والأيديولوجي، القبيلة والدين، السيطرة على الإنسان والطبيعة، الموارد الطبيعية، قوة عمل العمال، الحرفيين، الفلاحين، لتمويل سلطة شيخ الشيوخ ركيزة الحكم الذاتي، حتى المناجم يتم استغلالها، عملية سك العملة، صناعة الأواني، الحلي، الأسلحة، اليهود بارعون في صناعتها.
شيخ القبيلة يتحكم في جميع الثروات الطبيعية، يتعاون معه باقي الشيوخ بمختلف القبائل الخاضعة له، نصيب الزوايا مضمون، تقام الزاوية بقرار من القبيلة، بأمر من الشيخ، يتم تعيين شيخ الزاوية من طرفه.
أحد شيوخ الزاوية بنى مسجدها الجديد، مدرستها العتيقة، خزانتها، خزانين للماء، مطفية للطواري، تمتلئ قبل مرور المياه إلى الخزانين:
ـ الأول للرجال، تربطه قناة بدار الوضوء، بني بتقنية عالية، لنقل الماء عبر قناة، مرورا بتفضنة للتسخين.
ـ الثاني للنساء الخادمات، المستعبدات، تخزين مياه الشرب والطبخ.
يتم توزيع الأدوار بالزاوية:
ـ المرأة خادمة الرجل، المستعبدات يقمن بجميع الأعمال، الرجال للصلاة، النساء للمطبخ، المستعبدات، نساء الزاوية لا يشتغلن.
فقيه الزاوية، معلم المدرسة، يسافر إلى المشرق، لزيارة الكعبة، يرافقه ثلة من طلبته الأذكياء، يتركهم بالأزهر، مهمتهم نسخ جميع الكتب الجديدة، في الشريعة، الفلسفة، التاريخ، الرياضيات، الفلك، جميع علوم عصره. يحملها معه عند رجوعه، يزود بها خزانة المدرسة، قال عنه المختار السوسي:
ـ أخاف على خزانة الزاوية.
صدق تنبؤه، سرقت من طرف روادها، القاضي والعدول، مروا بها من دار الكناش، مكتب اجتماعاتهم، هناك يتم توثيق العقود وأشياء أخرى.
بعد خروج مريم من الزاوية، كسرت أعراف الزاوية، حطمت جزءا كبيرا من سلطتها، بنت مركز السلطة الجديدة، قلعة القبيلة الجديدة، المرأة تثور على التقاليد، إنجاز كبير حققته، نساء الزاوية محجبات، المرأة تحكم، تملك المستعبدين، العسكر، تبني السلطة.
شيخ الزاوية يراقب الوضع بقلق شديد، المرأة من صلب العائلة، حملة العلم، أيت القاضي، الفقهاء، قضات القرون الوسطى، بنوا الزاوية. طبيعة المكان، الوادي، المزارع، استهوت أنظار القضاة المارين هناك، بنوا قلعهم الخاصة، على قمة الجبال، بضفتي الوادي.
أسقط الشيخ الخائن حكم المرأة، دخل القلعة، لم يفكر في السيطرة على الزاوية، همه الوحيد، امتلاك سلطة القبيلة، سرق الحكم من المرأة. قلعتها في موقع استراتيجي، منفتحة إلى الشرق عبر المنعرجات الجبلية، إلى الغرب عبر المزارع، الممتدة على طول الوادي، على ضفتيه جنان خضراء، مخضرة طول السنة.
الزاوية، أسسها اليعقوبيون، يتربص بها البوبكريون، الشيخ الشهم قائدهم، بعد تأسيس دولة قطاع الطرق، كان شيوخها موالون لسلطانها، تزامنت واندلاع ثورات الأمازيغ، نصف قرن من الثورات. تأتي مكانتها بعد سلطة القبيلة، سلطة شيخ الزاوية بعد سلطة شيخ القبيلة، الذي يعينه.
ذلك ما تم بزاوية مريم، بعد إسقاط سلطة الشيخ الخائن، طلع الشيخ الشهم، طرد شيوخ الزاوية، نصب شيخا جديدا، قريبا منه، القيم على حفل الشاي.
استقر اليعقوبيون قرب بلدة زينب، وقتا طويلا، وجدوا هناك أرضا خضراء، لم يستطيعوا مقاومة الشيخ الشهم، يعرفون قوته جيدا، تعاونوا مع الشيخ الخائن، اليوم تنحى عن السلطة، شيوخ الزاوية بطبعهم الاتكالي، لا يستطيعون حمل السلاح، ينتظرون خدمة الآخرين، المستعبدون.
عاشوا بعيدا عن الزاوية، أسسوا هناك طقوسا جديدة، تحميهم من سلطة الشيخ حجو، ينتظرون الرجوع إلى زاوية مريم، المرأة التي بنت القلعة، تآمروا عليها، رفضوا سلطتها، خونوها، استباحوا دمها، اليوم جاء دورهم، سقط الشيخ الخائن، المخلوع، فقدوا سلطة الزاوية إلى الأبد.
بين سلطة مريم والشيخ محند، سقطت سلطة الزاوية، تحول مجرى التاريخ بالمكان، لن تعود أيام الرخاء، طال انتظارهم، تسارعت الأحداث، غير الاستعمار مسار التاريخ، حول الزاوية إلى مركز تجاري، تقاليدها بقيت، أصبحت مهمشة.
عائلة شيخ الزاوية، أناس كسلاء، لا يعملون، لا ينتجون، عائلة تتلقى الهدايا، تأكل، تشرب، تنام، تستيقظ، تستعبد عائلات أخرى تشتغل، الفلاحون الفقراء بدون أرض.
بالزاوية حياة الاستعباد، خدمة للإقطاع والاستعمار، في الصباح الباكر، مع طلوع الفجر، تستيقظ تدر، المرأة المستعبدة، من أصول إفريقية، الطوارق. تنام بفضاء قريب من الزريبة، شبه بيت، يحتوي على حصير من دوم، غطاء من شعر الماعز، أدوات فلاحية، المحراث الخشبي، العتلة، الفأس، المناجل، القفف، الشواري، البردعة، الحمار مربوط قرب الباب. هناك تنام تدر، زوجها يدر، أبناؤهما الثلاثة، بشبه بيت، بجواره بيت ثاني، به ثبن، كومة حطب.
تدر، الفلاحة الفقيرة، يتم استعبادها بالزاوية، تستيقظ، تقف، تهنهن، تخاطب يدر، لسانها أمازيغي، لكنتها إفريقية، تحمل بعض الحطب، جمعته من غابة الزاوية، بالأمس، حملته على ظهرها كالعربة، تسرع إلى المطبخ صباحا، أنوال، المطبخ التقليدي، تشعل النار، في التنور، تسخن الماء، للوضوء والطعام.
يدر زوجها، المستعبد، يدخل أنوال، يحمل المقراج، يضعه بالمياضي، مكان الوضوء، ماء ساخن، ينقر باب بيت نوم شيخ الزاوية، بهدوء:
ـ نعم سيدي، ماء الوضوء.
ينتظر خروج الشيخ، يدر:
ـ صباح الخير سيدي.
يدخل بيت السيد، يجمع الأفرشة، زرابي ووزكًيطية، أغطية من صوف الغنم، حرير صيني، قطن مصري، يفتح النوافذ، تطل على مزارع الزاوية، ينثر العطور بالبيت، يهيئ مكان الصلاة. يتوضأ الشيخ، يخرج من المياضي، يدر يردد:
ـ صباح الخير، نعم سيدي.
الشيخ يدخل البيت، يصلي، يستغفر، تسبيحات، تسبيحات، على الطريقة التجانية، الورد التجاني بيده، يحرك شفتاه. يدر، يجهز طاولة الفطور للشيخ، أزكيف:
ـ صباح الخير، نعم سيدي.
يتناول الشيخ الطعام، بشره، بنخوة، بنشوة، يقف يدر ينتظر، أوامر السيد، شيخ الزاوية، عن حال الزاوية، عن المزارع، عن المنتوج والغلال، عن حصيلة الزيارات، تربعيين، عبارة عن هدايا، زرع، مواشي، دراهم، يحملها زوار الزاوية، يقدمونها للشيخ، يتبركون بها، يطلبون البركة، الشفاء.
تدر، بعد تقديم الفطور لسيدات الزاوية، تحمل قفة كبيرة، على ظهرها، تسرع نحو جنان الزاوية، لتخفيف معاناتها، تطلق ألحانا شجية، أغاني أمازيغية، بصوت خفيف، شجي:
السلام عليك سيدي الشيخ
في قصرك أنت مريح
تدر في خدمتك تتعب
إلى الغابة تحمل الحطب
إلى الجنان تحمل العشب
للمواشي والحمار بالزريبة
حتى الحيوانات في انتظاري.
ترجع المسكينة، على ظهرها حمولة العربة، في الزريبة، تنتظرها الحوانات، البقرة، الغنم، الماعز، الحمار، الدجاج، الكلب، القطط، الكل ينتظر خدمات تدر.
يدر، يهيئ مكان الفسحة، خارج البيت، يطل على المزارع الفسيحة، يجهز الصينية الفضية، البراد الفضي، كؤوس البلار، الشاي الصيني، النعناع، اللوز البلدي المقلي بصحن من الفاروزي، الماء يفور في البابور، قيم الشاي يتربع، ينتظر حضور شيخ الزاوية. يتقدم الشيخ، يسلم عليه، يجلس بجانبه، يحاول تقليد طقوس الشيخ الشهم، بشكل هزلي، يضيف إليها إهانة المستعبدين، خادم الباشا، عامل الاستعمار.
قدم له يدر كاس الشاي:
ـ نعم سيدي.
ينحني أمامه، يسأله الشيخ، عن حال المزارع، عن الإنتاج:
ـ نعم سيدي، المياه وافرة، الخيرات ناضجة، الشعير، الفواكه الصيفية، حل موسم الحصاد.
يعد يدر الفرس، السرج الفضي المذهب، الزربية الوزكًيطية، يشد لجامها، يساعد الشيخ على الركوب، يسير أمام الفارس، يتبعهم قيم الشاي، يراقب أحول المزارع، في جولة استطلاعية، النساء المستعبدات، بالجنان يجمعن العشب، يقفن، ينحنين، يسلمن على الشيخ.
يعطي الشيخ أوامره:
ـ غدا الحصاد.
يدر ردد:
ـ نعم سيدي.
ينطلق يدر إلى المستعبدات، يعلمهن بالأمر، غدا صباحا باكرا، إلى جنان الزاوية، كعادتهما، تستيقظ تدر ويدر، من المطبخ إلى الزريبة. يفك يدر قيد الحمار، يحمل عتاد الحصاد، يدق منازلهن، مستعبدات من أصل إفريقي، ينطلقن إلى الحصاد، تويزي، المزارع الأولى في الحصاد، هي مزارع الزاوية. أراضي معطاء، مياه الري وافرة، النساء المستعبدات، الفلاحات الفقيرات، خادمات الشيخ وعائلته، يكدحن، بدون أجر. يعشن في أكواخ، حياة المواشي، يلبسن، يأكلن، يشربن، أكلهن من بقايا أكل نساء الزاوية، يعملن بالمنازل والمزارع.
قضى يدر، وبعض المستعبدين، يوم عمل شاق، ينقل الحصاد، من المزارع إلى نادر الزاوية، يجلس الشيخ بمدخل المنزل، أغكًمي، قيم الشاي بجانبه، يتربع، الصينية أمامه، يحكي له نكات حول المستعبدين، يضحك الشيخ، من ألقابهم، من حكاياتهم، حكايات مصطنعة، للحط من كرامتهم.
في المساء، يتناول الشيخ الكسكس، اللبن، يخرج، يتفقد حصاد الشعير بالنادر، هذه السنة، معطاء، يردد قيم الشاي، يدر ينحني أمام الشيخ:
ـ نعم سيدي.
يعطي الشيخ أوامره، غدا درس الحصاد، يدر يردد:
ـ نعم سيدي.
في المساء، يدر يدق منازل المستعبدين، جاء دورهم، أكواخهم، بها بعض أدوات الطبخ، حصير من دوم، أغطية من شعر الماعز، أدوات الفلاحة، الحمير تسكن معهم، حتى الحمير في ملكية الشيخ، يرعاها المستعبدون، موعدنا غدا، نادر الزاوية،
في الصباح الباكر، المستعبدون والحمير، مجهزون، من الطقوس السنوية، موسم الدرس، الشيخ يريدها أن تكون جاهزة هذا اليوم، الدرس، فصل الشعير عن التبن، الشعير للزاوية، التبن للحمير.
أثناء جمع المحصول السنوي، كل المستعبدين يشتغلون، الخادمات بالزاوية، إعداد الطعام، طعام ليس كطعام الشيخ، طعام المستعبدين بالنادر، الكل يعمل، يجمع المحصول، ينقل الأكياس، على ظهور الحمير. يتجنبون قلق الشيخ، يرهبهم، يعذبهم، بسبب تافه، عندما لا يرضيه عمل أحدهم، يعطي أوامره، جلده، في أسوأ الأحوال، حتى مشارف الموت.
تدر، ترتدي ملحفا أزرق، على رأسها ثوب، لقضيب، يديها محجرتين، العمل الشاق، بالغابة، بالمزارع، يداها قويتان، طبيعة العمل الشاق، أفقدت يديها أنوثتهما، الطبيعة أعطت يديها شكلا آخر، صفة الرجل، كل النساء المستعبدات بالزاوية، كلهن في صفة الرجال، بالمطبخ، بالزريبة، بالمزرعة، بالغابة، معاناة، تعب، تحقير، إهانة.
تجلس سيدة البيت، زوجة شيخ الزاوية، عائلة الزاوية تجتمع بأسراكً، فسحة وسط المنزل، مفتوحة على الهواء، غير مسقفة، تدر واقفة تردد:
ـ نعم للا.
سيدة البيت، في مرح، في هزل، بعد تناول الفطور، في استهزاء من تدر، تحكي عن جدة تدر، قصصا خرافية، تهينها، تضحك العائلة، هزل العائلة المالكة، استهزاء من المستعبدات، تعطي الأمر بإقامة الحفل، بمناسبة الحصاد، تدر تردد:
ـ نعم للا.
تدر بأسايس، مكان إقامة رقصة أحواش، بعد الحصاد والدرس، جمع المحصول والغلال، تعم الفرحة بالزاوية، حتى المستعبدون والمستعبدات، يعبرون عن فرحتهم، إن لم يفعلوا يغضب الشيخ، تنزل العقوبة على رؤوسهم، التعذيب، الجلد.
سيدة البيت تأمر، تدر تستجيب:
ـ نعم للا.
تقام ليلة أحواش، في أسايس، مكان فسيح أمام دار الزاوية، نساء الزاوية يجلسن بسطح الدار، يطل على أسايس، بعد وجبة العشاء، يقام أحواش.
تعبر تدر عن أنوثتها، تلبس ثيابا خاصة بالأفراح، ملحاف بألوان زاهية، قضيب أحمر، حذاء أحمر، إدوكان، كل المستعبدات يلبسن هذا اللون، تدر ونساء أخريات مستعبدات، في خدمة الزاوية، في خدمة عائلات الشيخ الممتدة، في أناقة، في فرجة، فرحة الزاوية. يحمل الرجال، المستعبدون، الطبول، البنادر، النار مشتعلة، تسخين الطبول والبنادر.
ترقص النساء، على ألحان شجية، رقيقة، صوت الأنوثة، يعلو، أغاني مدح، مدح الشيخ، مدح سيدة البيت، الفرح بوفرة المحصول، الغلال. رغم العبودية، الفن يبرز، بقوته، بطبعه، بتعدد مصادره، الإفريقية، الأمازيغية، العربية.
شيخ الزاوية، حاكم البلدة، يجلس على كرسيه المذهب، أمامه ورد الغنباز، الحبق، في إناء كبير، يحمل بندرا، يدق بلطف، الشيخ يشاركهم أحواش، تتناوب الراقصات أمامه، تقديرا، احتراما، طاعة، خوفا، بطشه مخيف، كل الأنظار تتجه نحوه، بجانبه قيم الشاي، جالس على الحصير، يقدم له كأس الشاي، الشيخ في نخوة، نشوة الفرح، كل المستعبدين في خدمته. في أحواش رموز الاستعباد بارزة، بين الشيخ والمستعبدين، يتقدم الليل، يغادر الشيخ المكان.
يستمر أحواش إلى طلوع الفجر، يوم جديد من المعاناة يحل، إلى المطبخ، إلى الغابة، إلى المزارع، نعم سيدي، نعم للا. تستمر الحياة، تستمر العبودية، على جماجم المستعبدين والمستعبدات، في أمل منهم يوما أن تتوقف، تزول.
الزاوية، وجه آخر للحياة، المتعة، الفرجة، الموسيقى، تعددت الثقافات، الأمازيغية، الإفريقية، العربية، فصل الصيف، فصل المواسم، كناوة، عساوة، الرما، أحواش، موسم زيارات الزاوية، كل طائفة تحتفل بموسمها، كل البلدات المجاورة لها، تصغي، تنتظر، تترقب أخبار المواسم، في شهر غشت، شيخ الزاوية، يتحكم في كل شيء، يوقع على تواريخ المواسم.
كناوة، مستعبدو الزاوية، ينتظرون موسم الحصاد بشغف كبير، مجموعة تحمل الطبول، القراقش، تجوب دواوير المنطقة، تجمع نصيبها من الغلال، الشعير، اللوز، الدجاج، الماعز، السكر، الدراهم.
في يوم الخميس، من شهر غشت، تخرج الطائفة، رجالا، نساء، أطفالا، يدقون الطبول، القراقش، ترفع الأعلام، ألوان مختلفة، تساق البقرة، أمام المسير، حتى البقرة لها طقوسها، تتزين بألوانها، على نغمات كًناوة، يسير الجميع، من الزاوية إلى مكان الذبح.
شجرة ذات أشواك، فصيلة الشوكيات، السدرة بالهضبة، يدور حولها الجميع، دورات عدة، تنسل السكاكين، تبدو البقرة مهووسة، مع كثرة الدوران، ضرب الطبول، تحريك القراقش، كل ذلك يؤثر عليها، تفشل، تنهار قوتها، تركع عند أول محاولة لإسقاطها، تسقط، يذبحها شيخ كًناوة، يتسابق الكًناويون، يشربون جرعات من دم البقرة، يلتمسون الشفاء، البركة، دعاء الشيخ.
الجزار، معاونوه، يحملون البقرة، إلى الجنان، بعيدا عن صوت الطبول والقراقش، البخور مشتعلة، العطور تفوح، يبدأ الحفل، رقصة كًناوة، شيقة، نغماتها قوية، ألحانها، نغماتها، كلماتها، مزيج من الأمازيغية، الإفريقية، العربية، تختلف ألحانها، حسب الحضرة، تتأثر النساء، كل واحدة حسب حضرتها، جنييها، مالكها، الذي مسها، ترى النساء، يفقدن وعيهن، صرخات، هنا وهناك، يضربن بأيديهن، يسقطن عند تغيير اللحن، مزيج من الفن، السحر، الخرافة، العقد النفسية، معاناة العبودية.
شيخ كناوة يحظى بمكانة بالزاوية، ورث المشيخة، عن جده، مستعبد، اشتراه شيخ الزاوية الجد الأكبر، منذ قرون، حمل معه ثقافة إفريقيا، حولها زمان القهر إلى موسم كًناوة، بالزاوية.
نساء عائلة الشيخ، سيدات الزاوية، محجبات، لا يخرجن في موكب الذبيحة، حفل اليوم الأول يقام بعيدا عنهن، ينتظرن فرجة اليوم الثاني بشغف، يستمر حفل الذبيحة، تتخلله الزيارات، الشعير، اللوز، السكر، الدجاج.
كل حسب ما وعد به الشيخ سرا، شيخ كًناوة الخرافي، عندما يقع شخص في ورطة، أزمة، يستغيث، يطلب العون من الشيخ، الشيخ الوهم، السري، لا يرى، معه دائما، في حركاته، في سكناته، في نومه، في أحلامه، يستعين به، يعده بهدية، ذبيحه، مال، غلة، يحملها، في اليوم الأول أو الثاني أو الثالث، من موسم كًناوة، يزور الشيخ، يطلب دعاءه، قضاء حاجاته.
لما كان طفلا، حمله أبوه على ظهره، إلى موسم كًناوة، لأول مرة يزور، يوضع الطفل على أحد الطبول، يصرخ على نغمات الدق على الطبول، هكذا يكون ضمن طائفة كًناوة، يحمله أبوه كل موسم، يزور، يتبرك، يقدم الهدية، يرث هذه العادة عن أبيه، يورثها لأطفاله.
ينته الحفل، تستمر المعاناة، العبيد بالمزارع، بالقصبة، بدار المخزن الجديدة، التي يبنيها المستعمر، كل طموح المستعبدين هو التحرر يوما، يعتقدون انهم من عائلة شيوخ الزاوية، يغضون الطرف عن معاناة أجادهم، لكنهم ينتفضون في كل مناسبة، بلا شعور، العبودية وصمة عار على جبين الإقطاع، لا يمكن محو آثارها السيئة، مهما طال الزمان، تبقى راسخة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في